Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
خصوصية حسن النية أمام هيئة التحكيم التجاري الدولي /
المؤلف
أحمد، مصطفى موسى عبد العظيم.
هيئة الاعداد
باحث / مصطفى موسى عبد العظيم أحمد
مشرف / أحمد قسمت الجداوي
مشرف / محمودلطفي محمود عبد العزيز
مناقش / أحمد رشاد سلام
الموضوع
القانون الدولى الخاص.
تاريخ النشر
2022.
عدد الصفحات
615ص. :
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
قانون
تاريخ الإجازة
1/1/2022
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية الحقوق - قسم القانون الدولي الخاص
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 551

from 551

المستخلص

جزء لا يتجزأ من تعاملات وعقود التجارة الدولية في إطار القانون الدولي الخاص، لاتفاق طبيعته المتحررة وما به من مرونة مع طبيعة تلك التعاملات التي تتطلب استقلالاً ومرونة وسرعة في تسوية منازعاتها على نحو يوفر الحيادية والشفافية اللازمة، ويحفظ العلاقات التجارية الدولية وينأي بها عن أقبية المحاكم غير المحبذة بعالم التجار ورجال المال والأعمال.
إن مجمل شواهد العصر الحالي الذي نشهده، تدل بما لا يدع مجالاً للشك أن التحكيم صار الوسيلة المحبذة لمجتمع التجار ما ينحي بوصفه بحق روح العصر، وما يجعلنا نتنبأ بأنه سيكون وسيلة تسوية المنازعات التجارية عموماً والمحبذ بشكل موازٍ ومنازع للقضاء العادي بما يتاح له من شرعية دستورية، وحرية الأفراد على العموم في اللجوء إلى التحكيم، بشكل يجعل التحكيم آلية قانونية متاحة بشكل موازٍ للقضاء في المنازعات التجارية، على حساب أفضلية القضاء العادي سيما في الدول النامية .
والتحكيم التجاري الدولي هو وليد إرادة أطرافه، ويظل محكوما في اجراءاته وقواعده وكيفية تسويته لموضوع المنازعة بتلك الإرادة، ومن قبيل ذلك تمتعه بمزيد من الحرية والمرونة في إطار تلك الإرادة في تطبيق القواعد الموضوعية على موضوع النزاع أخذاً بالمباديء العامة للقانون التي تتسم بكونها مجردة وشاملة وأكثر اتصالا بالعدالة والأعراف التجارية الدولية، ومن تلك المباديء مبدئي وجوب تنفيذ الاتفاقات ومبدأ حسن النية في تنفيذ العقود.
إن مبدأ حسن النية يعد وسيلة فعالة لدى التحكيم التجاري الدولي لإيجاد الحلول للمنازعات المستجدة على نحو أوسع من البنود العقدية والنصوص التشريعية محل التطبيق على موضوع النزاع، فالمبدأ له أصول تاريخية في المنظومات القانونية والدينية الكبرى وترتبط جذوره فلسفيا بفكرة العدالة ودور النية والقصود في الأفعال الإنسانية، وشبه مجمع عليه في العصر الحديث لما يوفره من مرونة وعملية وديناميكية تواكب التطور القانوني لدى المشتغلين بالقانون والقضاة.
وكانت منازعات التجارة الدولية متأثرة بجملة عوامل مؤججة لسوء النية في تنفيذ عقود معاملات التجارة الدولية، تلك العوامل تشكل الإطار الواقعي لحفز وإثارة أطراف المعاملة على اللجوء إلى مسلك سوء النية أثناء تنفيذهم واجباتهم العقدية، وكانت عوامل سياسية واقتصادية وثقافية متجذرة في مجالات أخرى تشكل وجدان وعقيدة المتعاقد كباعث للإخلال سيء النية بالواجبات العقدية.
وفي إطار قانون العقود شهد الفقه والقضاء اختلافاً بين توجهين:
أولهما: إعمال قاعدة العقد شريعة المتعاقدين على نحو مطلق احتراماً للحرية التعاقدية، وضرورة تنفيذ الاتفاق كما هو وفق ما تم توافق إرادتيه عليه، ثانيهما: هو ضرورة التخفيف من حدة ذلك المبدأ شيئاً ما بإعمال مباديء أخرى تعلي من شأن روح العقد وفحواه وسعياً لمجاراة الإرادة الحقيقية والباطنة للعقد منها: العدالة والنزاهة في التعامل وحسن النية في تنفيذ العقود.
ومن هنا كان مبدأ حسن النية في تنفيذ العقود كضرورة حتمية لملء الفراغ العقدي واستمرار الحفاظ على التوازن العقدي المفترض الإخلال به مع أول شوط زمني بعد إبرام العقد ، للتركيز على روح العقد بجانب العديد من المفاهيم الأخرى كالعدالة والنزاهة، ومحاذير كحظر الممارسات الفاسدة في تلك العقود أو التعسف في استعمال السلطات لمصادرة الملكية محل تلك العقود أو اللجوء إلى الغش والتدليس فيها وغيرها من الأنماط المستهجنة.
وإن الزيادة الملحوظة في حركة تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى البلدات النامية وخلق أسواق جديدة تناغماً مع حاجة الاقتصاديات النامية لتلك الاستثمارات، لما توفره من خبرة وفرص عمل وتدفق للعملات الأجنبية وشراكة في المشروعات القومية وانتعاشة للاقتصاد القومي، جعلت من الاستثمار الأجنبي ركيزة أولى لأي اقتصاد جاد ناشيء وعلامة فارقة في التحول الاقتصادي الانتقالي، ما يجعله خياراً استراتيجياً لا غنى عنه وأولوية في العلاقات السياسية .
وهو ما ينأى بالمتابع المدقق لمجال عقود التجارة الدولية إلى افتراض التحكيم في مقدمة وسائل تسوية المنازعات البديلة كوسيلة للتسوية المفضلة من قِبَل الأطراف والواقع العملي على حدٍ سواء، فالتحكيم يجد أفضليته من جدواه في دوره الوقائي كرادع عام لانتهاكات عقود التجارة الدولية المستقبلية، وفي مقدمتها عقود الاستثمارات الأجنبية، فمع كل حكم بتعويض أو جزاء مالي أو عيني على مرتكبي خروق تلك العقود يخلق انطباعاً عاماً في أوساط المحامين والخبراء والمشتغلين بالقانون، وفي مجتمع التجار والمستثمرين عموماً بضرورة التوصل إلى كيفية تفادي مثل الأخطاء مستقبلاً ولو على وتيرة منخفضة.
ويجد التحكيم أفضليته في كونه منبر غير قضائي لاستحضار كافة الأفكار والمباديء القانونية المجدية والبناءة في موضوع القضية المنظورة من الفقه والقضاء المقارن مع مراعاة القانون واجب التطبيق متفادياً قواعد الإسناد وتنازع القوانين ، وهو ما ينتج أفضل الحلول مما أنتجه الفقه والقضاء القانوني المعاصر وفق آخر إحداثياته. فالتحكيم أثبت بجلاء أنه آلية ذاتية بكونه صانع مبادئه و قيمه و أنه المكرس لفقهه.
وقد لعب مبدأ حسن النية دورا إيجابيا أمام التحكيم التجاري الدولي كأداة لضبط أنماط من المخالفات والأخطاء في العديد من المنازعات، وكشف المسلك غير الأخلاقي المشين خلال التعاقد وسبل التعسف في استعمال الحقوق والسلطات التي يصعب حصرها في إطار بنود العقد التي يسهل اختراق ثغراته والتحايل على بنوده.
ونستعرض بدراستنا طرق اعمال مبدأ حسن النية في تنفيذ العقود سواء من الناحية الموضوعية أو الاجرائية في تسوية منازعات عقود التجارة الدولية، ملقين الضوء على أبرز الاشكاليات العملية التي تواجه التحكيم التجاري الدولي وبالأخص التي عاصرتها الدول النامية خلال تعاطيها مع عقود الاستثمار الأجنبي خلال حقبات الانفتاح الاقتصادي واتفاقيات الجات الدولية، وهي مشاكل عملية وسلوكية نتجت عن عدم جاهزية وكفاءة أجهزة تلك الدول إزاء مناخ تحرر التجارة العالمية.
ومن هنا تركز الدراسة على معالجة موضوعية لمسلك أطراف العلاقة العقدية بين الدولة والمستثمر الأجنبي ومجتمع التجار على العموم، مع الأخذ فى الإعتبار أن نجاح العملية الإستثمارية تتطلب الإستقرار السياسى والإقتصادى والإجتماعى كضرورة للتفاعل الإيجابى بحسن النية، كما أنها تنطوى على مخاطرة ما يجعل المبدأ يعود بالثمار على الدولة والمستثمر على حد سواء خلال تسوية المنازعة أمام هيئة التحكيم التجاري الدولي.
قام الباحث بتقسيم دراسته إلى شق نظري من الرسالة يتناول مفهوم وعناصر مبدأ حسن النية وإضفاء عليه مزيد من الجاهزية للتطبيق في منازعات التجارة الدولية والاستثمار الأجنبي، وذلك تمهيداً لتطبيقه العملي، وذلك بغرض تقديم إطار نظري يدمج الواقع العملي بالمفهوم النظري آخذين في الاعتبار طبيعة معاملات التجارة الدولية والطبيعة الخاصة لعقود الاستثمار والاعتبارات وراء مسلك سوء النية في تنفيذ تلك العقود والاحتكام بسوء نية.
وفي الباب الثاني يتناول الباحث الجانب التطبيقي لإعمال مبدأ حسن النية في عقود التجارة الدولية من واقع حالات وقضايا استثمارية كبدت دول العالم الثالث إهداراً للمال العام وهددت مناخ الاستثمار الأجنبي في دول الاقتصاديات النامية والناشئة وفي ضوء أحكام القضاء والتحكيم العالمية، فسوء النية في تنفيذ عقود الاستثمار الأجنبي بأنماطها المختلفة تنقسم إلى مسلك ينم عن تعسف في إستعمال الحق، وسوء إستغلال السلطة والمسلك العمدي بتعويق الاستثمار، والغش والفساد الموجه لتنفيذ العقد لجنى ثمار على حساب الطرف الآخر بأيدي ملوثة؛ وكذا معالجة الإخلال بمقتضيات حسن النية في إطار التوازن العقدي سواء بزعزته بتصرفات تعسفية من المدين أو باستغلال السبب الأجنبي المخل بالتوازن العقدي وما يجعل التنفيذ مستحيلا في جنى مركز على حساب الدائن و بتسويء مركز المدين. وكذلك سبل الاخلال بمقتضيات حسن النية في المرحلة الاجرائية بالعملية التحكيمية في سبيل عرقلة التحكيم والتحصل على حكم تحكيمي مبني على الغش الاجرائي واعاقة حقوق المحتكم الأخر الاجرائية حتى لا يتنسنى له الدفاع اللازم وشرح دعواه أمام التحكيم.
إن سوء النية في تنفيذ عقود التجارة الدولية يعد ظاهرة غير متناهية ولا يمكن حصرها أو الإمساك بلجامها، لكونها متعلقة بالنفوس البشرية وتناقض المصالح وتباين الثقافات، بيد أن التطور التحكيمي وتقدم مجال الخبرات الدولية في ذلك المجال وتخطي ثقافة التحكيم المجدي للعديد من الإدارات السياسية والاقتصادية المحلية عبر العالم، يؤدي إلى حدوث ظاهرتين أولهما فشل وعدم جدوى اللجوء إلى الوسائل الخبيثة سيئة النية في تفادي مراعاة الأصول القانونية الواجبة أو التحايل على اختصاص التحكيم أو تقويض أنشطة بعض العقود وبالتالي الدأب والسعي إلى الوسائل الحميدة عن حسن نية من البداية لكونها أقل تكلفة، وثانيهما تطور وسائل الإخلال عن سوء نية بواجبات عقود التجارة الدولية للوثب أعلى التطور الفقهي والسوابق التحكيمية لتقديم حيل مستجدة أمام التحكيم.
ختاما ما يسعنا إلا أن نقول أن التجارة الدولية تعد أسمى العقود القانونية على الإطلاق، لكون تلك الطائفة من المعاملات تتسم بالتحرر والتلقائية والثقة المطلقة، ما يحرى بنا أن نطلق على مبدأ حسن النية روح عقود التجارة الدولية، فتلك العقود تبعد كل البعد عن الحرفية و الرتابة والتقليد، ويتعين على أطرافها الإيمان بغرضها المشترك وإدراك قيمة تلك العقود لطرفيها وتحييدها عن كل صراع والامتثال بحسن نية في المنازعة الناتجة عنه.