الفهرس | يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام |
المستخلص تقوم الرسالة على البحث عن منھج المذھب الحنفي في الاستدلال بالسنة النبویة من حیث عدد رواتھا ، حیث قسم الحنفیة السنة النبویة بھذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام ھي :- السنة المتواترة – السنة المشھورة – أو المستفیضة – أو المشھورة المستفیضة ( والأسماء الثلاثة تدل على نوع واحد عندھم ) وأخیرا سنة الآحاد ، بینما یقسمھا الجمھور بھذا الاعتبار أیضا إلى نوعین اثنین ھما السنة المتواترة ، وسنة الآحاد ، حیث جعل الجمھور السنة المشھورة قسما من الآحاد ولیست قسما مستقلا بذاتھ كما عند الحنفیة . وقد أثر تقسیم الحنفیة للسنة بھذا الاعتبار على استدلالھم بھا ، حیث یرون أن السنة المتواترة قطعیة الثبوت ، وتفید العلم الیقیني ، ومن ثم یكفر جاحدھا ومنكرھا ، ما دامت كذلك قطعیة الدلالة على المعنى المراد منھا ، ولھذا لم یختلفوا مع بقیة المذاھب الفقھیة في الآراء المبنیة على نصوص قطعیة الدلالة ( المتواترة ) قطعیة الثبوت ، وإنما كان اختلافھم عندما تكون النصوص ظنیة الدلالة ، أو متعارضة مع ظاھر نصوص أخرى ، وعندما تكون النصوص قطعیة الثبوت والدلالة معا فإن ما یترتب علیھا ھو الفرض إذا كانت آمرة ، أو الحرام إذا كانت ناھیة . بینما یرون أن السنة المشھورة تفید العلم الظني ، وھو ما عبر عنھ الإمام ابن عابدین بالفرض العملي ، حیث یرون أن السنة المشھورة تفید الوجوب دون الفرضیة ، لتفرقتھم بین الفرض والواجب ، لھذا فھم یرون أن منكر السنة المشھورة لا یكفر بل یأثم ، وھم لا یأخذون بالسنة المشھورة ما دامت متعارضة مع ما ھو أقوى منھا كالقرآن الكریم أو السنة المتواترة ، وكذلك إذا كانت متعارضة مع القیاس ، حیث ردوا حدیث المصراة ؛ لتعارضھ مع ظاھر القیاس ، وردوا حدیث ” المتبایعان بالخیار ما لم یتفرقا ” . أما سنة الآحاد ، فقد رأوا أنھا قد تكون حجة تثبت بھا الأخبار ویعتمد علیھا في الاستدلال والعمل ، ولكنھم وضعوا لذلك شروطا منھا أن لا ترد فیما لیس للناس غنى عنھ أو بالتعبیر الأصولي فیما أن یسر لعدد قلیل من المسلمین بأمر یحتاج جمیع - - تعم بھ البلوى ؛ حیث لا یجوز للنبي الناس إلیھ ، وأن یتنافى مراد الحدیث ومدلولھ مع ما ھو أقوى منھ من ظاھر النصوص القرآنیة أو الأحادیث المتواترة والمشھورة ، ومنھا كذلك ألا ینكر راوي الحدیث روایتھ لھ حتى وإن كان إنكاره ھذا إنكار نسیان لا إنكار جحود ؛ فھم لا یفرقون بین ھذین النوعین من الإنكار بل یعتبرونھما سواء . وقد التزم الإمام ابن عابدین في تعلیقھ على شرح شیخھ العلامة الحصكفي لما كتبھ شیخھ العلامة التمرتاشي في تنویر الأبصار إلى حد كبیر بمنھج الحنفیة ھذا في الاستدلال بالسنة النبویة ، حیث اتفق معھم في غالب الآراء الفقھیة ، بینما خالف مثلا العلامة التمرتاشي في نوع حدیث المسح على الخفین ؛ حیث اعتبره العلامة التمرتاشي مشھورا ، بینما صرح ابن عابدین متفقا مع العلامة الحصكفي بأنھ متواتر لكنھ منكر لا یكفر لما رآه ابن عباس وغیره بأن ھذا الحكم نسخ بنزول آیة المائدة ، كما أنھ اختلف مع شیخھ العلامة الحصكفي في بعض الآراء الفقھیة كحكم زیارة القبور ؛ حیث یرى شیخھ العلامة الحصكفي أن ھذا الأمر لا بأس بھ ، بینما یراه الإمام ان عابدین مندوبا . كما أنھ خالف أحیانا ما ذھب إلیھ بعض أئمة المذھب الحنفي في بعض المسائل ، كما اختلف مع الأئمة الأعلام ، الإمام أبي حنیفة ، والإمام أبي یوسف ، والإمام محمد بن الحسن في حدیث أن أمر بلالا أن یشفع الآذان ویوتر الإقامة ” فقال : ” ذلك محمول على إیتار صوتھا ” - - النبي بأن یحدر فیھا . ” . وبھذا یتضح أن الإمام ابن عابدین كان فقیھا مجتھدا في المذھب الحنفي ، لھ قدرة على الاستنباط من الأدلة الشرعیة والنصوص ، والترجیح بین الآراء الفقھیة ، مع احتفاظھ بالخط العام للمذھب الحنفي الذي یعتبر ھو من أواخر مجتھدي ھذا المذھب . |