Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
الاتجاهات الأخلاقية في الفكر اليهودي
في العصر العباسي(132ھ - 656ھ) /
المؤلف
عبد الرحمن، عصام وهب الله زهران.
هيئة الاعداد
باحث / عصام وهب الله زهران عبد الرحمن
مشرف / فيصل بدير عون
مشرف / يسري إبراهيم إبراهيم
مناقش / ليلى إبراهيم أبو المجد
تاريخ النشر
2021.
عدد الصفحات
313ص. :
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
فلسفة
تاريخ الإجازة
1/1/2021
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية الآداب - قسم الدراسات الفلسفية
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 313

from 313

المستخلص

مقدمة عامة
إن كل الحضارات تملك رصيداً ثقافياً , يعكس ماهيتها وحقيقتها , تؤسسه وتقويه مرجعيات كثيرة ومتباينة , وأحداثاً عاشتها طيلة عمرها الحضاري منذ لحظة ولادتها وصولاً إلي لحظتها الراهنة . وهذا البحث هو محاولة في رصد الاتجاهات الأخلاقية اليهودية انطلاقاً من المصادر اليهودية التي تؤطر فكر اليهود وسلوكهم في العصر العباسي , وتمتد إلي لحظتنا الراهنة , فالكتب الدينية اليهودية المقدسة , تعكس مواقف ثقافية وعقائدية راسخة حول التشريع اليهودي.
وإذا كان مفهوم التأثير والتأثر يحظى بمكانة رئيسية في المنهجية الاستشراقية التي تقرأ تراث أمة من داخل تراث أمة أخري , وهو ما نرفضه لأن تلك المنهجية تفترض أن عملية التأثير والتأثر تصورين آليين . فنموذج الحوار والتفاعل بين الثقافات المختلفة يفترض وفقاً لتصورنا وجود نقاط اتفاق مسبقة على فعل الحوار والتفاعل الثقافي , مما يدعم رفضنا للتصور الآلي والتلقائي لفكرة التأثير والتأثر.
وهذا ”رينيه ويلك” يهاجم الدراسات القائمة علي فكرة التأثير والتأثر فيقول : ” مفهوم العلة بمجمله في الدراسات الأدبية , مفهوم تعوزه النظرة النقدية , إذ لم يبرهن أحد إلي الآن على أن عملاً فنياً ما , علته في عمل فني آخر , حتي لو جمعنا أوجه التماثل والتشابه....ولذا فإن مفهوم الأدب الذي تقوم عليه هذه الدراسات مفهوم خارجي غالباً ما تعيبه العواطف القومية الضيقة , والرغبة في حساب الثروات الثقافية , أي حساب الدائن والمدين في أمور الفكر”( ) , وكأننا في عملية تبادل تجاري للفلسفة والأدب بشكل عام وهو ما نرفضه أيضاً .
ومن هنا فإننا نري إن هناك نقاط اتفاق مسبقة على فعل الحوار والتفاعل الثقافي الذي دار على أرض الإسلام بين الثقافة الإسلامية ونظيرتها اليهودية , مع الأخذ في الاعتبار تأثر الثقافة اليهودية بالثقافة العربية الإسلامية وأن التأثر هنا ليس نقلاً حرفياً لمفاهيم معينة وإدخالها في الثقافة اليهودية , وإنما هو بالدرجة الأولي نوع من أنواع النقل الذي ينطوي على ملاءمة المنقول مع السياق الثقافي والفكري للمنقول إليه , وهذه الملاءمة تتضمن الكثير من التحويل للمعاني وتغييرها بما يتوافق مع المستعير وهي هنا الثقافة اليهودية.
كما تسعي عملية المبادلات الثقافية والتلاقح الحضاري إلي تحويل الأفكار والمفاهيم من ثقافة وبيئة معينة إلي ثقافة وبيئة أخري مغايرة ومختلفة . واليهودية كثقافة قد تطورت خلال مئات السنين تحت تأثير تبدل الزمان والمكان . وعلى ضوء حقيقة تاريخية تؤكد تشتت اليهود لأزمنة طويلة في أماكن مختلفة ثقافياً وحضارياً تفصلها المسافات عن بعض نتجت ثقافات متعددة – ونقول ثقافات وليس ثقافة واحدة – تشترك فيما بينها في الكثير من الأمور وتختلف في الكثير منها , ومع هذا فلا يمكن القول بوجود وعي تاريخي يهودي عام استطاع أن يلم شتات اليهود , خاصةً إذا أخذنا بعين الاعتبار تطور الثقافات واختلافها على مر السنين.
وفيما يخص دراستنا فأن الصلات بين الثقافة اليهودية والثقافة العربية الإسلامية كانت خصبة على نحو خاص ومميز , ذلك أن الثقافة العربية الإسلامية شكلت تحدياً حافزاً ومخصباً للثقافة والفكر اليهوديين , فالعلاقة بينهما ملموسة , سواء على مستوي النقد المشترك من الجانبين أو على مستوي التلقي والإبداع – من جانب الثقافة اليهودية – التي استطاعت أن تنتزع العديد من المفاهيم والتصورات لتيارات فكرية مختلفة من الثقافة العربية الإسلامية من سياقاتها الثقافية وتدرجها في المسار الفكري اليهودي .
وليس أدل على ذلك من قول ”حاييم زعفراني” الذي قال : ”إن العناصر المشتركة بين الحكمة اليهودية والحكمة الإسلامية متعددة , وتشتمل على مجالات مختلفة”( ) هذا علي الرغم من أن البعض يري أن الديانة اليهودية , وحدها من بين الأديان السماوية التي تشترك مع كثير من الديانات غير السماوية في أنها مقفلة أو مغلقة بمعني أنها تحجم عن التبشير وتجتر نفسها أبداً( ). وإن كان هذا صحيحاً فيما يخص الديانة اليهودية بشكل ما فإنه لا يمتد إلي الفكر اليهودي – الذي هو إنتاج بشري - قد تأثر بالحضارات والثقافات والتجمعات البشرية التي نشأ فيها مفكرو اليهودية وفلاسفتها.
وقد كتب ”موسي بن ميمون” أهم فلاسفة اليهودية على طول عصرها يقول ”على المرء أن يستمع إلي الحق من أي مصدر جاء”( ) وحقاً فعل ”ابن ميمون” فقد استمع جيداً للفلسفة اليونانية مصطبغة بالصبغة الإسلامية ومصحوبة بتفسيراتها . على أنه مهما كان دور العوامل الخارجية – وهي هنا الحضارة العربية الإسلامية التي كانت تموج بتيارات فكرية متعددة ومتباينة مع شيوع جو من التسامح وقبول الآخر- في الظاهرة التي نحن بصدد دراستها , ظاهرة انتشار وقبول الفكر اليهودي التيارات الفكرية الأخلاقية المنتشرة في الحضارة العربية الإسلامية بصورة تجاوزت بكثير حدود ما يسمي بالاحتكاك الحضاري إلي مستوي التداخل الثقافي والفعل الإرادي من مفكري اليهودية ز لذا فأن الشيء المؤكد لدينا هو أن ذلك القبول لتلك التيارات الفكرية لم يحدث لولا وجود وضعية في بنية الفكر اليهودي ذاته تقبله وترحب به , وهو ما سبق وسميناه نقاط الاتفاق المسبقة علي فعل الحوار والتفاعل بين الثقافات.
هكذا يظهر لنا أن الثقافات كلها منحازة , لذلك نحتاج كلنا إلي أن ننظر إلي أنفسنا من منظار الثقافات الأخرى.( ) لنري مدي ما استوعبت ثقافتنا العربية الإسلامية من ثقافة الآخر تحت تأثير المبادلات الثقافية والتلاقح الحضاري , كي نحدد مدي ما أبدعناه من سياقات فكرية جديدة تعكس خصوصيتنا الثقافية والفكرية . والأمر نفسه بالنسبة للثقافة اليهودية علينا النظر فيها لمعرفة مدي تفاعلها الإيجابي مع الثقافة العربية الإسلامية وإن كان هذا لا ينفي قدرتها علي التوازن والحفاظ علي هويتها وديناميتها بعد إدماج واستيعاب العناصر الأجنبية , وهي هنا الثقافة اليونانية والثقافة العربية الإسلامية.
ولا يجب أن يغيب عنا خصوصية الموقف اليهودي في مواجهة الثقافات الأخرى المختلفة , فالنص الديني اليهودي يشكل مركزاً رئيسياً في تلك الثقافة وهو نص يتسم بالعديد من الصعوبات حيث يستحيل فصل المادة التاريخية عن المادة الدينية , فكل واقعة وحادثة تاريخية يتم تفسيرها دينياً , حتي صار من الصعب الفصل بين ما هو تاريخي عن ما هو ديني . كما أن كل فعل ديني يتم ربطه بواقعه تاريخية معينة , هذا بالإضافة إلي لغة النص الديني نفسه فقد تمت صياغة أحداثه التاريخية الدينية في إطار أنماط شعرية نثرية , مما زاد من غموض النص وتعقيده في كثير من الأحيان .
وكما سبق وذكرنا فأن الشريعة اليهودية دائمة التغيير والتبديل , ومما ساهم في ذلك أن ضوابط الاجتهاد فيها مطاطة , وكلام حاخاماتهم المتقدمون والمتأخرون معتبر ومعتد به لدي جمهور اليهود . لاسيما أن جميع اليهود يعتقدون العصمة في حاخاماتهم فحديثهم له مكانته . حتي أنه يستطيع أي حاخام مجتهد أن يحرم ما كان مباحاً في شريعته إن كان في الإباحة ما يشكل خطراً وتهديداً علي اليهود عامة.
ومن خصوصية الموقف اليهودي أيضاً تعمد استخدام الرمز وإخفاء المعني الحقيقي , وهي سمة عامة في الفكر الديني اليهودي فبحر الجدل اليهودي واسع –كما يقول ”حسن ظاظا”( )- فالكلمة الواحدة عندهم لها معني مباشر , ومعني رمزي , ومعني اجتهادي , ومعني سري . فالمباشر هو معناها الدائر على ألسنة العامة , المفهوم بينهم , والرمزي هو معني يوحي بصورة معينة . أما المعني الاجتهادي فهو معني استنباطي مفهوم من الكلمة نفسها . وأما المعني السري فهو معني مغلق ومكتوم إلا على المأذون لهم بالوقوف على هذا السر من شيخ العارفين , ومن دونه يبقي طريق المعرفة مسدوداً .
ويبدو أن هذه السمة قد انسحبت إلي أعمال المفكرين اليهود في العصر الوسيط حيث تتسم نصوص المفكرين اليهود بالتمويه والألغاز وإخفاء المصدر . وكذلك إخفاء المعني الحقيقي للنصوص الدينية التي تحمل الطابع العنصري تجاه الآخر . وفيما يخص المفكرين اليهود في الحضارة العربية الإسلامية فقد كان الرمز والتمويه سبيلاً لإخفاء المصدر الإسلامي لكثير من أعمالهم الفكرية . وربما ساهم في هذه السمة أيضاً النزعة الاستعلائية اليهودية باعتبار أنهم يمتلكون المعرفة والشريعة الحقة وكونهم الشعب المميز والمختار من قبل الرب .
وفي النهاية لا نستطيع أن ننكر دور الحضارة العربية الإسلامية وما وصلت إليه من نضج ورقي حضاري , وثقافي مستفيدة من إنتاج السابقين عليها ومن قواها الذاتية في تطور الفكر اليهودي فقد شكلت حافزاً ومخصبا للفكر اليهودي .
وهذا ”بول فينتون”( )يؤكد على أن الأدب اليهودي – العربي ظهر في وقت كانت فيه أغلبية اليهود يعيشون تحت السيادة الإسلامية , عندما كان المسلمون في ذروة إنجازاتهم الثقافية . وقد بدأ تدهور الأدب والفكر اليهودي عند نهاية العصر العباسي عندما بدأ استخدام اللغة العبرية في الأغراض الأدبية يكتسب أرضاً . كما أرجع ”بول فينتون” أسباب اضمحلال الآداب اليهودية إلي عاملين أحدهما خارجي والآخر داخلي وهما :
أولاً : الانكفاء الثقافي الذي مارسه اليهود.
ثانياً : تشجيع ثقافة عبرية واسعة في أعقاب مدارس الترجمة الإسبانية سنة1391م وسنة1492م.
وفيما يخص دراستنا نستطيع أن نرصد ثلاثة اتجاهات أخلاقية سادت الفكر اليهودي خلال العصر العباسي هي :
أولاً : الأخلاق الدينية , وهي الأخلاق التي استندت إلي نص التوراة والتلمود . وهي أخلاق تحمل قيم الاستعلاء والعنصرية وازدواجية المعايير , ولذلك فقد أسميناها ”أخلاق التمييز والسيطرة” .
ثانياً : الأخلاق الفلسفية العقلية والتي استندت إلي الفلسفة اليونانية وقد تعرف عليها الفكر اليهودي ليس في نصها الأصلي مجرداً بل تعرف عليها مصحوبة بتفسيرات وشروح إسلامية , تعكس الواقع الثقافي الذي يواجه اليهود وهذه الأخلاق تبنت مفهوم السعادة العقلية كغاية وهدف ؛ لذا أسميناها ”أخلاق السعادة العقلية”.
ثالثاً : الأخلاق الصوفية (الذوقية) وهنا قد يتساءل البعض : لماذا ؟ وكيف؟ قبل المفكرون اليهود هذا الرافد (الأخلاق الصوفية) الثقافي المحمل بقيم خاصة تتمايز عن الموروث الثقافي الديني المستمد من التوراة والتلمود , ومن ثم أصبح يحتل موقعا هاماً ومكانة متميزة في الثقافة اليهودية تيارات فكرية وأخلاقية في مبناها تتبني قيماً تتعارض مع الفكر اليهودي ذاته . من المؤكد أن هناك مبرراً ما لذلك وهو يتمثل من وجهة نظرنا في الآتي :
‌أ- النص الديني (التوراة والتلمود) الذي يؤكد ويرسخ فكرة تميز وفرادة الشعب اليهودي.
‌ب- الوضع الاجتماعي والديني السيء الذي يعايشه اليهود – من وجهة نظرهم – بعيداً عن الأرض المقدسة أرض الميعاد.
‌ج- موروث ثقافي عربي (التصوف الإسلامي) ينسجم مع فكرة شعب الله المختار وتميز الشعب اليهودي , وهكذا يندمج التصوف بمفهوم الصفوة والتفرد , ويندمج مفهوم الصفوة والتفرد بالتصوف , لذا أسميناها ”أخلاق الصفوة وخاصة الخاصة”.
ومن هنا كان اهتمامنا بدراسة الفكر الأخلاقي اليهودي في العصر العباسي من خلال المفكرين اليهود الذين نشأوا وترعرعوا في ظل الحضارة الإسلامية . وكان لابد لنا في هذه الدراسة أن نركز علي ينابيع الفكر الأخلاقي الذي أفاد منه المفكرون اليهود . ولهذا فإن دراستنا هذه سوف تتناول الفكر الأخلاقي علي ضوء :
أ‌- النصوص الدينية اليهودية .
ب‌- علماء اللاهوت الذين يغلب عليهم الطابع الديني حيث العقل في خدمة الدين .
ج‌- العقليون في الفكر الأخلاقي اليهودي الغالب عليهم النزعة العقلية حيث سعوا إلي ايجاد نسق أو قل اتجاه أخلاقي يهودي يستند في المقام الأول إلي القراءة العقلية للنصوص الدينية اليهودية.
لقد بذلنا , ما وسعنا من جهد , في جمع المادة العلمية لهذه الدراسة من مؤلفات المفكرين اليهود موضوع هذه الدراسة . وجميعهم عاشوا في ظل الحضارة العربية الإسلامية وفي ديار الإسلام خلال العصر العباسي . أما الفلاسفة اليهود الذين شملتهم الدراسة فهم :
1- سعديا الفيومي ( ت 942 م )
2- سليمان بن جبيرول ( ت 1058 م )
3- بحيي بن فاقودة ( ت 1100 م )
4- يهودا اللاوي ( ت 1140 م )
5- موسى بن ميمون ( ت 1205م)
6- نتنئيل بيرف فيومي ( ت 561ه )
أما عن هدف دراستنا فهو محاولة كتابة تاريخ الاتجاهات الأخلاقية اليهودية – قدر الطاقة والمستطاع – في ظل الثقافة والحضارة العربية الإسلامية , ومن جهة أخري نسعي إلي نقد هذا الفكر الأخلاقي اليهودي واتجاهاته –في العصر العباسي – بوصفه فكراً أخلاقياً يحمل ويروج نوعاً من القيم السلبية واللاإنسانية في بعض مناحيه , والتي مازالت تؤثر في سلوكيات اليهود المعاصرين وتوجه علاقاتهم ورؤاهم , وتؤثر كذلك في السياسة العالمية بما يملكونه من تأثير ونفوذ واضح في عالمنا المعاصر , كما نسعي للكشف عن الرؤي التي يتبناها تجاه الآخر وكذلك الكشف عن مصادر هذا الفكر وتحديد الأطر النظرية التي يتبناها , كما نسعي إلي تحليل نظم القيم في الثقافة اليهودية تحليلاً موضوعياً نقدياً لعب فيه النص دوراً رئيسياً وهاماً بوصفه المعبر عن هذه القيم والمظهر الخارجي لها والمرجعية الحاكمة لسلوك اليهود.
وقد أثار هذا البحث في الفكر الأخلاقي اليهودي العديد من التساؤلات ، منها : هل نجح المفكرون الأخلاقيون من اليهود في تأسيس نظرية فلسفية أخلاقية اعتماداً علي العقل مع موافقتها ، وعدم تعارضها ، مع النصوص الدينية ، أم أن الكتب التي ألفها هؤلاء العلماء اكتفت ببعض الأوامر والنواهي التي وردت بالنصوص الدينية ومن ثم يغلب عليها طابع الحكم والمواعظ ...مع دفاعهم العقلي عن البعد الأخلاقي للدين بقدر الجهد .
إن القارئ لتاريخ فلسفة الأخلاق يجد أن ثمة نظريات فلسفية كثيرة تتناول المشكلة الأخلاقية من عدة جوانب ، حيث توجد عدة مدارس كبري مثل : المثالية ، النفعية ، الوضعية ، مذهب الضمير ، الحاسة الخلقية ...إلخ فهل نستطيع أن نتحدث عن مدرسة فلسفية يهودية أخلاقية لها سماتها المميزة والتي تقف جنباً إلي جنب مع هذه المدارس أم لا ؟ ثم هل يمكن أن نجد في دراستنا هذه اتجاهات أخلاقية متنوعة بعضها ينطلق من العقل والبعض الآخر ينطلق من القلب والوجدان والبعض الآخر يقف عند حافة النصوص الدينية دون تأويل أو تفسير مكتفياً بما جاء من نصوص دينية في التوراة والتلمود حيث يتجلى دور الكشف والذوق والوجدان في الغوص داخل النص للخروج برؤية أخلاقية يهودية لها هويتها المميزة . كذلك سوف تتعرض هذه الدراسة للتساؤل المتعلق بطبيعة الأخلاق اليهودية بوجه عام : هل يغلب عليها الطابع العملي أم يغلب عليها الطابع النظري ؟ هل يحرص المفكرون اليهود علي اختلاف مشاربهم أن يكون العمل مطابقاً للعلم أم أن للضرورة الواقعية أحكامها ؟!!! ... هل يمكن أن تخرج هذه الدراسة بحديث عن نظرية أخلاقية يهودية لها أبعادها العقلية مع ارتباطها بالروح الدينية التي تسهل لبعض المفكرين اليهود تأسيس هذه النظرية الفلسفية .
وبما أن سياق هذا البحث والهدف منه هو التعرض بالدراسة التحليلية المقارنة للاتجاهات الأخلاقية في الفكر اليهودي فقد اعتمدنا علي تحليل نصوص المفكرين اليهود وفهمها . وفي كل الأحوال لابد من إجراء مقارنة بين هذه الاتجاهات الأخلاقية عند المفكرين اليهود وبين الاتجاهات الأخلاقية السائدة والتي تأثر بها هؤلاء المفكرون اليهود . وباختصار فإن الدراسة المقارنة ضرورية لكشف الصلة بين الفكر الأخلاقي الإسلامي ( السابق ) وبين الفكر الأخلاقي اليهودي ( اللاحق ) . علي أن هذه الدراسة المقارنة لابد أن تحكمها النظرة ” العلمية الموضوعية ” والا فقدت أهميتها وفقد الباحث معها مصداقيته .
الدراسات السابقة :
لقد كان من الضروري ونحن بصدد الحديث والبحث عن الاتجاهات الأخلاقية في الفكر اليهودي أن نرصد الدراسات التي تناولت موضوعنا سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وهنا نشير إلي أنه :
علي ضوء قراءتنا فإنه لا توجد دراسات ( ماجستير أو دكتوراه ) تناولت هذا الموضوع في المكتبة العربية ، وإن كان هناك عدة مؤلفات ودراسات تناولت شخصية أو أكثر من شخصيات الدراسة ، حيث عرضت آراءها بوجه عام .
‌أ- ”سعيد بن يوسف الفيومي ( سعديا جاءون ) متكلماً وفيلسوفاً” ، يحيي ذكري محمد إسماعيل ، بحث مقدم للحصول علي درجة الماجستير في الفلسفة ، قسم الفلسفة آداب القاهرة .
‌ب- كتاب ”سليمان بن جبيرول في جنان إخوان الصفاء” ، مني ناظم . ويغلب علي الكتاب الطابع اللغوي وبمعزل عن القراءة الفلسفية.
‌ج- كتاب ”التأثيرات العربية والإسلامية في كتاب الهداية إلي فرائض القلوب لابن فاقودة اليهودي” ، عبدالرازق أحمد قنديل . وهي دراسة ترصد الخطوط العامة لمصادر ابن فاقودة من الأحاديث القدسية والنبوية والأدبية والمفردات والمأثورات ....
‌د- مقال ” التراث العربي والإسلامي في كتابي ” إصلاح الأخلاق ” و ” مختار الجواهر ” لسليمان بن جبيرول ” ، عبدالرازق أحمد قنديل . وهو مقال تعرض للمصادر الأدبية واللغوية للكتابين .
‌ه- كتاب ”موسى بن ميمون حياته ومصنفاته”، لإسرائيل ولفنسون ويعتبر أول كتاب باللغة العربية يتناول ”موسى بن ميمون” وفلسفته وهو يمتاز باحتوائه على مراجع عربية وأجنبيه وأيضاً مراجع عبرية وإن كان في كثير من الأحيان لم يقطع برأي في العديد من الموضوعات .
‌و- كتاب ”أثر ابن رشد في فلاسفة العصور الوسطى” ، زينب الخضيري ، وهو من الدراسات الهامة التي تناولت الأثر الإسلامي ( ابن رشد ) في فلاسفة العصور الوسطى، غير أنه اقتصر على مشكلات وموضوعات بعينها ( قضية التوفيق، العالم ، النفس ).
‌ز- دراسة تحليلية لكتاب موسى بن ميمون ”دلالة الحائرين” ، أماني يوسف أحمد منيع ، بحث لنيل درجة الماجستير , قسم اللغات الشرقية وآدابها ، ويغلب على هذه الدراسة الطابع اللغوي بحكم تخصص الباحثة وإن كانت تعرضت لأبرز العناوين التي تناولها الكتاب من الناحية الفلسفية والدينية .
‌ح- موسى بن ميمون فلسفته ومدى تأثره بمن سبقه من فلاسفة الإسلام من خلال كتاب ”دلالة الحائرين” ، عبد الحميد عبد اللاه عبد الرحمن ، كلية أصول الدين – طنطا ، وقد اقتصرت هذه الدراسة كما يظهر من عنوانها على كتاب ”دلالة الحائرين” من مؤلفات ”ابن ميمون” لذا فهي لم تجمل جوانب فلسفة ”ابن ميمون”.
‌ط- الآراء الكلامية لموسى بن ميمون والأثر الإسلامي فيها ، حسن حسن كامل إبراهيم ، وهى أيضاً من الدراسات التي اقتصرت على كتاب ”دلالة الحائرين” من مؤلفات ”ابن ميمون” فهي أيضاً لم تقف على كل جوانب فكر” موسى بن ميمون”.
‌ي- أما أهم الدراسات فهي دراسة ثائر على الحلاق برغم أنها أيضاً تناولت موضوعات بعينها (كالعناية وقضية الشر والغائية والصفات الإلهية) وهى موضوعات تعد امتداداً لموضوع الأطروحة التي قدمها الباحث لنيل درجة الدكتوراه من كلية دار العلوم جامعة القاهرة بعنوان : ” العناية الإلهية ومشكلة الشر في العالم عند ابن سينا وموسى بن ميمون وتوماس الأكوينى”.
‌ك- دراسة عن فكرة الالوهية عند ”موسى بن ميمون” من خلال كتاب ”دلالة الحائرين” (دراسة مقارنة) وهى أطروحة تقدم بها الباحث مازن محمد سفر عبد الله الغزالي ، الجامعة الإسلامية بغداد ، كلية أصول الدين ، قسم العقيدة ؛ ويلاحظ أن الباحث قد عمد مقارنة آراء ”موسى بن ميمون” من خلال كتابه ”دلالة الحائرين” مع العقيدة الإسلامية كما تصورها الباحث، وليس مع الفلاسفة المسلمين أو الفرق الإسلامية. واللافت للنظر أن الباحث يورد آراء ”ابن ميمون” فيقبل بعضها لاتفاقها مع العقيدة الإسلامية ويرفض البعض الآخر لتعارضها مع هذه العقيدة وهو في كل هذا لا يفصح عن المصدر الذى اعتمد عليه في رفض أو قبول آراء ”ابن ميمون” اللهم إلا في حالات قليلة رجع فيها إلى كتب الصحاح أو بعض المؤلفات السلفية فقط وهى إشارات قليلة جداً لا تتفق مع المنهج الذي اعتمده الباحث في عنوانه حيث تجاهل كتب الفلاسفة المسلمين والفرق الإسلامية .
أهم الصعوبات :
‌أ- ندرة المصادر الأساسية واللازمة أو في غيابها في بعض الأحيان.
‌ب- شح الدراسات والمراجع التي تناولت موضوع بحثنا , فمجال البحث في الفكر اليهودي باعتباره تخصصاً منفصلاً لا يلقي اهتماماً كبيراً من أقسام الفلسفة في كليات الآداب على عكس أقسام الدراسات الشرقية التي تعطي الفكر اليهودي الكثير من الاهتمام.
‌ج- لم يحاول المفكرون اليهود أن ينسبوا الأقوال أو الآراء التي ضمنتها كتاباتهم نقلاً عن عيون التراث العربي الإسلامي واليوناني إلي أصحابها الحقيقيين حيث كانوا يتجاهلون تجاهلاً كلياً سواء عن عمد أو عن غير عمد ذكر المصادر غير اليهودية التي تأثروا بها ونقلوا عنها . لذا كان علي الباحث التيقظ والانتباه الدائم عند تتبع أفكار هؤلاء المفكرين ليقوم برد تلك الآراء لأصحابها أو إلي مدارسها الفكرية التي تنتمي إليها قدر الإمكان .
‌د- كثرة الأخطاء اللغوية والهجائية فيما جاء من نصوص للمفكرين اليهود ، الذي يبدو أن عربيتهم لم تكن عربية سليمة .
‌ه- بالإضافة إلي ما يوجد من أخطاء في نقل النصوص من مصدرها . والذي يدل علي عدم الدقة في النقل وربما يكون ذلك متعمداً بغرض التشويه أو إخفاء المصدر المنقول عنه و بخاصة إذا كان المصدر غير يهودي .
مصادر البحث :
‌أ- مؤلفات الفلاسفة والمفكرين اليهود الذين شملتهم الدراسة ، ونعني بذلك الكتب المنشورة والمتداولة لأن ثمة أعمالاً كثيرة مفقودة لا علم لنا بها اللهم إلا اسماءها التي ذكرها المؤرخون .
‌ب- أهم المؤلفات والنصوص الأصلية لكل الفلاسفة والمفكرين والاتجاهات الفكرية (الإسلامية واليونانية ) التي تأثرت بها الاتجاهات الأخلاقية اليهودية ، وأحسب أن الوقوف علي مصادر الدراسات اليهودية من شأنها أن تبين لنا إلي أي حد أضاف المفكرون اليهود تراثاً أخلاقياً جديراً بالدراسة . وبإيجاز فإن الدراسة المقارنة هنا من شأنها أن تكشف مدي أصالة المفكرين اليهود موضوع هذه الدراسة .
‌ج- كتب التراجم و المصنفات وكذا الفهارس والمخطوطات المختلفة .
أما دراستنا فقد تكونت من : مقدمة , وثلاثة فصول , وخاتمة . مع الأخذ في الاعتبار أن هناك تفاوتاً في بعض الفصول من حيث الحجم , وهذا حسب مقتضيات المادة العلمية وما توافر منها.
أما عن المقدمة : فقد بدأت ببيان وجهة نظرنا حول المبادلات الثقافية وضرورة الحوار الثقافي والتفاعل الحضاري في ظل الحضارة العربية الإسلامية خلال العصر العباسي وما يموج به من تيارات فكرية متعددة ومتباينة , ثم عرفنا بالبحث , وتوضيح أهميته وأهدافه , مع الإشارة إلي المنهج المستخدم في انجاز البحث , كذلك الصعوبات والدراسات السابقة.
أما الفصل الأول : وعنوانه ”التعددية الثقافية في ظل حضارة الإسلام” فقد تعرضنا فيه لمعالم الحياة الثقافية والفكرية الإسلامية في العصر العباسي (العصر الذهبي للإسلام) من تيارات فكرية مختلفة ومتباينة , كذلك عرضنا للاتجاهات الأخلاقية السائدة في العصر العباسي , وكان لابد لنا من الكشف عن الحالة الفكرية والثقافية لليهود خلال العصر العباسي في مشرق العالم العربي ومغربه .
الفصل الثاني : وعنوانه ”الأخلاق الدينية عند بني إسرائيل علي ضوء النص الديني” وقد تحدثنا فيه عن الديانة اليهودية الموسوية ومنابعها الأصيلة , ثم تناولنا الكتب والمصادر الدينية وإشكالية التعامل معها والصعوبات التي تواجه الباحث فيها , وكشفنا عن النظرة اليهودية للإنسان بوصفه موضوع التكليف الأخلاقي الشرعي , وفي النهاية عرضنا بالتحليل للأخلاق الدينية وفقاً للنص التوراتي والنص التلمودي .
الفصل الثالث : وجاء عنوانه ”الاتجاه العقلي اليهودي إزاء المشكلة الأخلاقية” فعرضنا فيه للأساس النفسي للأخلاق العقلية كما بدت لدي مفكري اليهودية , فكشفنا عن مفهوم النفس الإنسانية وعلاقتها بالبدن مع بيان موقفهم من الزهد , كذلك تحدثنا عن الأساس العقلي للأخلاق ودور العقل فيها , ثم عرضنا لإصلاح الأخلاق وفقاً لرؤية العقليين اليهود , وفي نهاية الفصل كان لابد من الوقوف علي حقيقة الكمال الإنساني وعلاقته بمفهوم السعادة عند مفكري اليهود.
الفصل الرابع : وعنوانه ”الاتجاه الذوقي (التصوف) اليهودي إزاء المشكلة الأخلاقية” وقد تناولنا فيه النص الديني باعتباره أساساً للممارسة الأخلاقية لدي صوفية اليهود وكشفنا فيه عن رؤيتهم للفضائل والرذائل الأخلاقية , كما عرضنا للنفس الإنسانية باعتبارها موضوعاً للأخلاق و المجاهدة والإصلاح , ثم كان الحديث عن الممارسة العملية وتطهير النفس لدي صوفية اليهود.
الخاتمة : فقد دونا فيها أهم النتائج التي توصلنا إليها من خلال موضوع الدراسة , وفيها بيان للقيم الأخلاقية التي ميزت الفكر اليهودي خلال العصر العباسي والتي يمتد تأثير بعضها لواقعنا المعاصر المعاش . ثم في النهاية جاءت القائمة التي تشمل أهم المصادر والمراجع التي اعتمدنا عليها في إعداد بحثنا .