Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
ضوابط الرقابة المصرفية للقنوات الإلكترونية:
المؤلف
شلتوت، شريف محسن محمد عبد الفتاح.
هيئة الاعداد
باحث / شريف محسن محمد عبد الفتاح شلتوت
مشرف / أحمد السعيد شرف الدين
مشرف / حسام الدين عبد الغنى الصغير
مناقش / سامي عبد الباقي أبو صالح
الموضوع
القانون التجارى. الرقابة المصرفية.
تاريخ النشر
2021.
عدد الصفحات
899ص. :
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
قانون
تاريخ الإجازة
1/1/2021
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية الحقوق - القانون التجارى
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 542

from 542

المستخلص

في ظل التطور السريع والمتلاحق في الأنظمة الإلكترونية الحديثة، وارتباط الأسواق العالمية ببعضها البعض فيما يعرف بالتجارة الإلكترونية والعولمة الاقتصادية؛ بدأت البنوك في التوسع واستحداث منتجات مالية ومصرفية متنوعة، واستخدمت أساليب ووسائل حديثة بدلاً من الأساليب التقليدية، وذلك كنتيجة حتمية للتغيرات التي حدثت في الأسلوب للتمويل والإنفاق ووسائلهما المختلفة، وقد أسهمت هذه التطورات السريعة والمتلاحقة في صياغة مناخ جديد من العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية، وبظهور العولمة والتكتلات الاقتصادية العملاقة وارتباط العالم بعضه البعض بشبكة كثيفة من العلاقات التجارية والمالية وما تبعه من تعميق ظاهرة عالمية الأسواق في ضوء التطور التكنولوجي السريع لشبكة الاتصال الحديثة، وما ترتب على ذلك من سرعة تداول المعلومات وإنجاز الصفقات التجارية الدولية من سلع وخدمات والاتجاه نحو تبني آليات السوق وتحرير الاقتصاديات في العديد من الدول.
هذا فضلاً عن التطورات السريعة في أسواق التمويل الدولية، مما أدى إلى استحداث مؤسسات تمويلية جديدة، وإحداث تغير في الهياكل التنظيمية للمؤسسات القائمة، لتقدم العديد من الخدمات الموجودة في الأسواق، لم تكن تقدمها المؤسسات التقليدية، بل امتد الأمر إلى توسيع واستحداث منتجات مالية ومصرفية متنوعة، واستخدام أساليب ووسائل حديثة بدلاً من الأساليب التقليدية.
وقد تغلغلت التقنيات الحديثة في العمل المصرفي بشكل مطرد من أجل المحافظة علي معلومات عالية الجودة؛ لدعم قرارات الأعمال المصرفية المختلفة، وتوليد قيمة حقيقية تمكنها من تحقيق الأهداف الاستراتيجية، وتحقيق التميز التشغيلي لها. وقد تطلب ذلك تحسين تكاليف خدمات وتقنيات هذه الأعمال مع الإبقاء علي المخاطر المتعلقة بتقنية المعلومات عند مستوي مقبول، بالإضافة إلي الامتثال للقوانين والاتفاقيات والسياسات المتنامية. وقد تبين أن اتجاهات البنوك المستقبلية في التطوير تسير باتجاه البنك الرقمي، بمعني أن تكون المعاملات البنكية معاملات رقمية.
كما اتجهت المصارف بالفعل إلي عملية التمويل عبر الإنترنت من خلال جهات خارجية، فوجدنا مثلا تقديم شركة علي بابا عام 2010 قروضاً للمشروعات المتوسطة والصغيرة الحجم SMEs وأعلنت الهند كذلك في عام 2015 عن إنشاء أحد عشر مصرفاً للمدفوعات الرقمية مثل Fino-Pay-Tech وفي ذات العام أعلنت الصين إنشاء بنكي Webank, Mybank.؛ فقد دخلت البنوك الرقمية – البنوك التي تقدم الخدمات المصرفية عبر المنصات الرقمية - بعمق في الخدمات المصرفية المختلفة.
من ناحية أخري تطورت كذلك المفاهيم الحديثة للرقابة الداخلية في البنوك وتطور الإطار الداخلي والخارجي؛ بحيث أصبح استيعابها من الضروريات اللازمة لحماية الأعمال المصرفية من التأثيرات السلبية التي تتعرض لها البنوك في الآونة الأخيرة، والتي تدخلت فيها التقنيات لتوجيه غالبية المعاملات المصرفية، مما يستلزم حتمية الاقتناع والالتزام بتطبيق وسائل مبتكرة من الأنظمة الرقابية التي ينتج عنها المساعدة في حماية المؤسسات المصرفية وعملائها والعاملين بها والأطراف المتعاقدة معاً، فلا ينكر أحد حقيقة استحالة عمل البنوك أياً كان حجمها أو موقعها بمعزِل عن العالم الخارجي،واعتمادها علي ارتباطها بعملائها وغيرها من البنوك والعديد من المؤسسات المالية وموزعي الخدمات، وغير ذلك من الكيانات من خلال شبكات متعددة أهمها شبكة الإنترنت. وقد أدي تعدد هذه الشبكات إلي تطور هائل في مجال تكنولوجيا المعلومات لهذه البنوك، يقابله تطور مذهل في وسائل أمن المعلومات لمجابهة مخاطرها التكنولوجية.
ويمكن للقارئ من خلال استقراء عدد الحركات التي تتم من خلال استخدام الكروت الممغنطة أو الذكية في اليوم الواحد عن طريق السحب النقدي أو بالشراء أو غير ذلك من العمليات المصرفية الأخرى؛ مثل المعاملات التي يتم إبرامها عن طريق الهاتف المحمول، وبصفة خاصة في العامين الماضيين؛ حيث تظهر استحالة الوسائل التقليدية في مراجعتها والتحقق منها، بحيث أصبح من الضروري اتخاذ تدابير احترازية وعلاجية لدفع مخاطرها المتعددة، وقد أسهمت إدارة البنوك المركزية والتجارية بالفعل في إعداد العديد من السياسات والإجراءات واللوائح والإرشادات التي تستخدم كضوابط رقابية للعمليات المصرفية الإلكترونية. وقد اختلفت هذه السياسات من بنك لآخر إلي أن تدخلت البنوك المركزية لوضع ضوابط عامة وضوابط خاصة لعدد من قنوات الخدمة المصرفية، مثل الإنترنت والهاتف المحمول وغيرها من القنوات الإلكترونية، وبالرغم من تواجد هذه الضوابط؛ إلا أن تفعيلها لا يرقي لكي تأخذ قوة القواعد والنصوص القانونية في بعض البلاد التي لا يوجد بها نصوصاً تشريعية تحكم كافة المعاملات المصرفية الإلكترونية.
وجدير بالذكر، أنه في سبيل إحكام الرقابة الإلكترونية علي القنوات التي تتم من خلالها معاملات البنوك تم وضع الكثير من الضوابط الرقابية للأعمال المصرفية،وذلك من خلال القنوات الإلكترونية من الأجهزة الرقابية المحلية، وأهمها ضوابط الرقابة المصرفية للخدمات المقدمة من خلال الإنترنت الصادرة من البنك المركزي عام 2014؛ ومن خلال الهاتف المحمول الصادرة أيضا من البنك المركزي عام 2016، بالإضافة إلي بعض معايير الأمان العالمية، مثل معايير أمن المعلومات الخاصة بصناعة كروت الدفع الصادرة من مجلس المدفوعات Payment Card Council وأهم هذه المعايير معيار PCI-DSS وذلك لضبط إيقاع خدمات البنك وتقديمها علي أكمل وجه لضمان ضوابط أمن المعلومات.
وفي واقع الأمر، ومن خلال ممارسة الباحث للعمل في مجال البنوك وخاصة في مجال تكنولوجيا وأمن المعلومات والمراجعة الداخلية، وبصفة خاصة، في مجال تدقيق نظم وأمن المعلومات؛يلتمس الباحث السعي الملحوظ من جانب البنوك في تفعيل جانب كبير من هذه الضوابط، مما كان له الأثر الكبير في تحجيم العديد من المخاطر التشغيلية بشكل كبير، إلا أن القوة الإلزامية لهذه الضوابط سيكون لها صدي أكثر تأثيراً حال توافر إطار قانوني مكتمل، يتضمن تشريعاً وقواعد قانونية موضوعية وإجرائية، تحكم تنفيذ هذه الضوابط، مع ترتيب الجزاء الملائم عند مخالفة هذه النصوص والقواعد التشريعية، بالإضافة إلي ضرورة توافر سياسات وإجراءات من داخل البنك تتعلق بتكنولوجيا وأمن المعلومات وإدارة المخاطر، وخاصة المخاطر التشغيلية وأحكام وسياسات عامة تفصيلية للالتزام، ومكافحة غسيل الأموال والإرهاب وسياسات الحوكمة والرقابة والمراجعة الداخلية، وغيرها من السياسات والإجراءات الداخلية التي تدعم أعمال الرقابة علي البنك، وخاصة في المجال التقني.
كما يدعم الباحث اتخاذ الإجراءات القانونية التي تساعد في تسوية المنازعات بين الأطراف المختلفة، مثل التحقيق والمفاوضات والوساطة والتوفيق والتحكيم الإلكتروني لاكتمال هذه المنظومة، وتحديد هيئات تحكيم متخصصة في تسوية المنازعات المصرفية الرقمية، وإدارة المخاطر القانونية المترتبة عن هذه المعاملات بكفاءة وفعالية؛ هذا فضلاً عن ضرورة إيجاد أنظمة حديثة غير تقليدية لفض المنازعات المتعلقة بالمعاملات المصرفية عبر القنوات الإلكترونية، مثل الإنترنت والهاتف المحمول بشكل دقيق وسريع يتماشي مع طبيعة هذه المعاملات، والتعرض لبعض الإشكاليات التي تعوق حل هذه المنازعات بشكل ملائم.
ولا يفوتنا التنويه – قبل بدء تناول موضوع الدراسة وأهميته ومشكلاته وخطته ومناهجه ومحدداته – بالجهد المبذول من الناحية التشريعية خلال مدة إعداد الدراسة، والتي قاربت الخمس سنوات، حيث بدأ تسجيلنا لهذه الأطروحة في عام 2016، ويظهر ذلك في عدة تشريعات متعلقة بموضوع البحث، وقد أدرجها الباحث في الفصل الثاني من الباب الأول، ولعل أبرزها علي الإطلاق هو قانون البنوك رقم 194 لسنة 2020 والذي تم إصداره قبيل الطباعة النهائية لهذا البحث مباشرة، وقد استدعي من البحث إدراجه قبل الطباعة النهائية ليثري موضوع الدراسة، حيث أحسنت الدراسة التعرض لهذا القانون ومواده موزعاً علي الموضوعات ذات العلاقة، فصدور هذا القانون قد ساهم بالفعل لوضع نواة لإطار قانوني يحكم المعاملات المصرفية عبر القنوات الرقمية وربطها بالممارسة الفعلية والواقع (إشكالية موضوع البحث)، غير أنه يتطلب هذا الإطار القانون المزيد من الجهود لوضع قواعد مفصلة مصاحبة لهذا القانون لدفع سبل التعاون المصرفي عبر القنوات الرقمية والرقابة عليها وضمان سلامة معاملاتها بشكل فعال، خاصة وأن القانون المذكور قد أطلق صلاحية كبيرة لإدارة البنك المركزي في تطوير وإعداد هذه القواعد التفصيلية، كما وسع من نطاق سريان هذا القانون علي جهات عديدة تتعلق بالأعمال المصرفية.
هدف موضوع البحث وأهميته:
يهدف البحث إلي بيان وتحليل الأحكام القانونية من قوانين وقرارات وضوابط، تمت ممارستها بشكل عملي للعمليات التكنولوجية بالبنوك، سواء تعلق الأمر بإنشاء معاملات مصرفية تقنية، من خلال قنوات إلكترونية أو بمرحلة ممارسة هذه المعاملات، وذلك من خلال الاستعانة بكل من الوثائق القانونية العديدة ذات الصلة - محلية كانت أم دولية - وكذلك الممارسات العملية المتعددة، سواءً في إطار الممارسات التي تقوم بها البنوك التجارية تحت إشراف ورقابة البنك المركزي المصري، عن طريق ضوابط معدة خصيصًا للرقابة علي البنوك وتأمين معاملاتها، أو ممارسات تقوم بها مؤسسات عالمية دولية من خلال معايير تم الاتفاق عليها، ومن هذه المعايير معيار صناعة الدفع عن طريق البطاقات PCI – DSS، ومعايير COBIT.
وقد أثيرت بعض التساؤلات، وظهر علي السطح إشكاليات كثيرة، نتيجة إنشاء وممارسة العمل المصرفي بشكل تقني، وعبر وسائل وقنوات إلكترونية تتعلق بتحديد الاختصاص للنظر في النزاعات الناشئة من هذا النوع من المعاملات، وإمكانية تداولها من عدمه والأساس القانوني لهذه الاختصاصات وطبيعة هذه المعاملات والمسئولية الناشئة عنها، وكذلك شروط وضوابط إنشاء المعاملات المصرفية ذات الطابع الرقمي (Digital)، والتي تتطور بشكل متنامٍ من وقت لآخر، وكذلك الجرائم الناشئة عن هذه المعاملات ومدي تطبيق القواعد الجنائية التقليدية عليها، وبالتالي فإن هذا البحث يشكل أهمية قصوي تنطلق من ضرورة تبني المشرع المصري لتنظيم إطار قانوني متكامل، يحكم وينظم عمل البنك في ظل تطور المعاملات المصرفية عبر القنوات الإلكترونية التي يقوم بها، بفرض ضوابط رقابية علي هذه المعاملات وقنوات الاتصال التي تمر من خلالها فالمعاملات المصرفية الإلكترونية، لم تعد مجرد ترف اقتصادي يقتصر علي الدول المتقدمة فقط؛ بل أصبح ضرورة لا غني عنها لأية دولة، خاصة بعد اتفاقية تحرير تجارة الخدمات (GATS) وما حملته هذه الاتفاقية من تحديات المنافسة بين الدول، ولأجل احتفاظ هذه الدول بمرتبتها علي الخريطة الاقتصادية، بات معه من اللازم أن تستجمع هذه الدول المقومات المختلفة للمنافسة.
وبالتالي فإنه يستلزم التدخل من رجال البنوك والقانون والقضاة والمحكمين وسائر الأطراف المعنية لزيادة فاعلية طرق تسوية المنازعات،إما عن طريق القضاء المؤسسي وتطوير إجراءات التقاضي في كافة أنواع النزاعات ذات الطبيعة التقنية التي قد تطرأ عند التعاقد، وكذلك عند إتمام هذه المعاملات الإلكترونية وإيجاد أنظمة مساعدة متخصصة ترفع من كفاءة هذه الإجراءات، لضمان التكامل بين سرعة البت فيها ودقة الحكم الصادر بشأنها؛أومن خلال الوسائل الأخري لفض المنازعات؛ كالمفاوضات والوساطة والتوفيق والتحكيم التقليدي والتحكيم الإلكتروني وضرورة ملاءمة القواعد العامة والدولية لهذه الوسائل لطبيعة وتطور التكنولوجيا.
ومما لاشك فيه أن الأعمال المصرفية - التي تنفذ بشكل تقني - تواجه تحديات كبيرة في ضوء ما تقدمه من خدمات مصرفية لا غني عنها لأية شخص طبيعي أو اعتباري. ويأتي في مقدمة الخطوات - التي يجب علي المشرع المصري القيام بها - تبني تنظيم قانوني قوي، يحكم المعاملات المصرفية الإلكترونية بنصوص دقيقة وإجراءات تتسم بطابع المرونة، لتناسب طبيعة هذه المعاملات وحداثتها، بحيث تراعي المتطلبات الخاصة لهذا البنك ولأنشطته المصرفية، وتجيب عن تساؤلات وقضايا أفرزها الواقع الجديد لهذه البنوك.
والحقيقة أن تحليل الأحكام القانونية والضوابط المختلفة للرقابة علي المعاملات المصرفية عبر القنوات الإلكترونية ليست غاية في ذاتها، وإنما هي وسيلة تهدف إلي تصور قانوني كامل عن هذا النوع من المعاملات، ليس بين المصرفيين فحسب، بل مع كافة الأطراف المعنية من قانونيين ومتخصصين في تكنولوجيا وأمن المعلومات والأطراف المتعاقدة مع البنوك وغيرهم من ذوي الاختصاص، ليكون مرجعاً علمياً متواضعاً لهم عند إجراء المعاملات بينهم.
مشكلة البحث:
تتلخص مشكلة البحث في عدم التعرض له بشكل مباشر وصريح ووافٍ في أية وثيقة قانونية، مما يتطلب البحث عنه في مجموعة كبيرة من الوثائق القانونية المحلية والدولية، تتمثل في قوانين ووثائق متعددة محلية ودولية، مع تغطية جانب من الممارسات الرقابية والضوابط المصرفية المتداولة، خاصة وأن طبيعة إجراء المعاملات المصرفية الإلكترونية وسلوكها تأخذ اتجاهاً مختلفاً، بحيث أصبح أمراً واقعاً لا مجال لإنكاره، ويأتي ذلك في ظل غياب إطار قانوني متكامل، يشتمل علي نظام تشريعي محدد من قبل المشرع المصري وإجراءات قضائية تتناسب مع هذا النوع من النزاعات، الأمر الذي شكل فراغا تشريعياً وإجرائياً في واحدة من أخطر المجالات تأثيراً في الحياة الاقتصادية لأية دولة، وهو مجال البنوك ومعاملاتها المصرفية عبر قنواتها الإلكترونية، التي أصبحت تمثل النسبة الأكبر من معاملاتها، وكذلك ضوابط الرقابة عليها.
وقد تسبب هذا الغياب التشريعي والإجرائي في العديد من المشاكل؛ أهمها: المحاولات المتكررة لثني عنق النصوص القائمة لاستيعاب العلاقات المستجدة في هذه المعاملات، والسعي لإيجاد أنظمة، نستطيع من خلالها تطويع التكنولوجياً لتطوير القواعد الموضوعية لها، وكذلك الإجراءات القضائية دون إخلال بالمبادئ الإجرائية المستقرة، أو إهدار الحقوق الجزائية أو الشخصية لكل المتعاملين مع مرفق العدالة. ويضاف إلي ذلك الغياب الواضح لانعكاس الضوابط المصرفية المحلية والعالمية علي هذه المعاملات، من حيث إدراج البنود المنظمة لها بالعقود التي تحكم تقديم الخدمات المالية المختلفة، من قِبَل البنك، مما يزيد بشكل مباشر من حجم المنازعات، ويقلل من استقرار المعاملات، وذلك علي نحو يمكن معه وجود تحكم وتعسف من قبل أحد الأطراف للطرف الآخر، واحتمالية توافر أركان الإذعان من طرف علي حساب الطرف الأخر.
وقد زادت وتيرة هذا الأمر بعد استحداث بعض الخدمات المصرفية التي تتم من خلال قنوات متعددة ليس لها تنظيم قانوني مسبق، وتستلزم إجراءها بشكل قانوني، وخاصة مع تعدد الأطراف التي تشترك في هذه المعاملات. وتعود هذه المشاكل في الأساس إلي التزاوج الذي تم بين البنك - كتاجر يمارس أنشطة ذات طبيعة خاصة، وهي الأنشطة المصرفية، وذلك من خلال قنوات إلكترونية مختلفة كوسائل إلكترونية عالمية تتيح التعامل بشكل تقني- وبين العملاء الراغبين في تلقى الخدمات بشكل رقمى، وهو الأمر الذي انعكس علي اختلاف مفهوم هذه المعاملات عبر هذه القنوات عن مفهوم المعاملات الأخري التقليدية، التي تتضاءل يوماً بعد يوم، حتي أخذت في الانقراض، بما يطرح العديد من التساؤلات القانونية حول كيفية إسباغ الصفة القانونية علي هذا النوع من المعاملات، وطبيعة علاقة البنك بموردي الأجهزة الإلكترونية والبرامج المعلوماتية، ومزودي الخدمات، مما يساعد علي وضع ضوابط الرقابة المصرفية للخدمات المصرفية الإلكترونية، سواءً كانت هذه المعاملات المصرفية تتم عن بعد (Remote)، أم بحضور أطرافها، مع ترجمة هذه الضوابط إلي إطار قانوني منظم، يصاغ فيه كيفية الممارسة المثلي لهذه الضوابط.
كما يتسبب أيضا وجود البنك في شبكات متعددة، وتعامله من خلالها مع أطراف مختلفة، في مشكلات حول طبيعة علاقته بمقدمي الخدمات الإلكترونية (مقدم الخدمة الأصلي- مطوري الخدمات، وكذلك الشركات صاحبة خطوط الربط التي تربط بينهم...)؛ في ضرورة التعرف علي مدي تأثير التزامهم بالطبيعة الخاصة للمعاملات المصرفية، وخاصة البيانات التي قد يطلعون عليها بحكم عملهم ومسئوليتهم، عما قد يقع من أضرار تلحق بالبنك أو بالمتعاملين معه، وكذلك توظيف تكنولوجيا المعلومات في الدعاوي التي تتعلق بهذا النوع من المنازعات، بشكل يكاد يكون كاملاً وملائماً، وذلك بداية من استلام صحيفة الدعوي،وانتهاءً بإصدار الحكم، مما يؤدي إلي توفير الوقت ودقة المرفقات التي تخص الدعوى، حيث أن ذلك يعد من مقومات المحاكمة العادلة.

منهجية البحث
انتهج الباحث في هذا البحث أكثر من منهج، وذلك علي النحو التالي:
المنهج التأصيلي:
دعت حداثة موضوع البحث إلي تناوله بمنهج تأصيلي، يسعي إلي رد الفروع إلي أصولها المستقرة في الأنظمة القانونية الدولية والعربية، وخاصة النظام القانوني المصري، حيث تعرض الباحث لبعض أهم المبادئ القانونية، التي يمكن إسقاطها علي المعاملات المصرفية الرقمية، بعد النظر في مدي استيعابها كأصول قانونية متفق عليها، لما أفرزته المعاملات المصرفية الإلكترونية من قضايا قانونية مستحدثة علي العمل المصرفي، وكذلك مدي ملاءمتها لخصوصيتها في هذا الصدد، مما يتطلب معه الاستعانة ببعض الممارسات الحديثة، والتي أثبتت فاعليتها وكفاءتها وخصوصيتها، ومنها علي سبيل المثال: أدلة التعليمات المستحدثة لبعض القطاعات الرقابية بالبنوك وسياسات وإجراءات نظم وأمن المعلومات والسياسة العامة للالتزام، مع إبراز الحاجة الملحة إلي وجود قواعد مستقلة للمعاملات المصرفية الإلكترونية، وعدم كفاية القواعد العامة، حيث إن كثيراً من هذه المعاملات كانت تتم بشكل تقليدي، بغرض تقديم خدمات مصرفية متعارف عليها، وإن اختلفت وسيلة أدائها، لتتم حالياً بشكل تقني تام.
كما يهدف هذا المنهج التأصيلي إلي الإشارة إلى بعض القوانين الخاصة بالبنوك والقوانين الأخري ذات الصلة بعمليات البنوك، مثل القوانين الرقابية السارية والنظرية العامة للالتزامات المدنية والتجارية، وقانون المرافعات، وقانون الإجراءات الجنائية، وقانون العقوبات، وقانون مكافحة غسيل الأموال والإرهاب، وقانون تنظيم الأموال المنقولة وخاصة التي تخضع لولاية المحاكم الاقتصادية، وذلك للنظر في مدي ملاءمتها لما استجد في نظام عمل هذا البنك، وذلك قبل استطلاع موقف الأطر القانونية المقترحة، التي يمكن لها أن تتناول هذا الموضوع بالتنظيم، وتعرض الباحث أيضا لبعض مشاريع القوانين التي أوشكت السلطة التشريعية لإقرارها، قانون تطوير المعاملات غير النقدية)، وكذلك إصدار قانون حماية البيانات.
المنهج التحليلي:
دعت الطبيعة الفنية لموضوع البحث إلي تبني نظرية تحليلية للطبيعة الفنية لتكوين البنك وتعاملاته والخدمات المصرفية التي يقوم بها ومدي تطور التقنيات الحديثة بها، وذلك من أجل فهم جيد لطبيعة أداء الأفراد، وطبيعة مسئوليتهم في درء المخاطر المرتبطة بها، ومن ثم إيجاد قالب مناسب يحكم وينظم علاقتهم المختلفة، وقد ربط الباحث خبرته في مجال نظم المعلومات والشبكات والوسائل المختلفة في أمن المعلومات والمراجعة الإلكترونية والتدقيق المتخصص لعمليات البنك، وتحليل ما تم تطبيقه لمواجهة المشاكل الناجمة عن التطبيق، مع دراسته القانونية للتعرف علي طبيعة العلاقة بين البنك وعميله بشكل عام وبشكل تقني، وكذلك المسئولية الملقاة علي أطراف هذه المعاملات التي تتم عبر قنوات إلكترونية، وذلك من أجل تقريب الرؤية وإيضاحها بنظرة قانونية أكثر تخصصاً.
كما اتجه الباحث أيضاً إلي تحليل بعض أنواع العقود التي تحكم علاقات البنك المختلفة، سواء المتعلقة بمقدمي الخدمات الإلكترونية أم تلك المتعلقة بعلاقته بعملائه، وذلك فيما يجري عليه العمل في هذه البنوك واقعياً، ومن خلال الضوابط الرقابية المصرفية لهذه البنوك، وأهمها الضوابط المتعلقة بتقديم الخدمات المصرفية عبر الإنترنت وعبر الهاتف المحمول، من أجل تقليل المخاطر الناجمة عنها، مما قد يكون له الأثر لإحجام المتعاملين معهم عن المضي في التعاقد وإجراء المعاملات الإلكترونية مع البنك واستبدالها بوسائل تقليدية، وقد رغب الباحث أيضاً فى أن يضيف إلى منهجه التحليلى ما صدر عن القضاء من أحكام تعرضت لهذا الموضوع، وكذلك ما صدر من حالات عملية بالبنوك تم فيها البت بالقرار الملائم، وذلك للنظر في مدي مراعاة هذه الأحكام والقرارات لنظرية المسئولية المبنية علي المخاطر، إلا أن ندرة هذه الأحكام حالت دون دقة هذا التحليل، على أنه يعد كلا المنهجين التأصيلي والتحليلي من أكثر المناهج التي اعتمد عليهما الباحث في هذه الدراسة.
المنهج المقارن:
دعا غياب إطار قانوني مصري إلي استشراف ما توصلت إليه بعض التشريعات والنظم القانونية الموضوعية والإجرائية الأجنبية المختلفة من تنظيمات لهذا الموضوع، بالإضافة إلي التعرض إلى بعض هيئات التحكيم الأجنبية الإلكترونية، وكذلك الضوابط والسياسات والإجراءات المعدة من البنوك في مجال أمن المعلومات والالتزام والمخاطر، وذلك للتعرف علي طبيعة المعاملات المصرفية الإلكترونية التي تأخذ بها هذه النظم، والمقارنة فيما بينهم، من أجل التوصل لأنسب الحلول ملاءمة لطبيعة النظام القانوني؛ لتنفيذ المعاملات المصرفية الإلكترونية.
ولقد ساعد صدور القانون رقم 194 لسنة 2020 في إثراء المنهج المقارن بربط موضوعات الدراسة بما ورد من مواد في هذا القانون.
محددات البحث
واجه هذا البحث العديد من الصعوبات التي يمكن حصرها فيما يلي:
1) عدم شمولية المصادر القانونية العربية التي تناولت موضع البحث بالتنظيم، فلم نجد إطاراً قانونياً يضم أياً من التشريعات المصرية أو العربية الذي يحكم عمل المعاملات المصرفية عبر القنوات الإلكترونية بشكل كافٍ إلا في بعض الدول العربية علي شبكات متعددة، كما أن النظم القانونية الأجنبية التي عالجت هذا الموضوع عالجته بنصوص غير كافية، الأمر الذي استدعي محاولة حصر هذه النصوص قدر الإمكان، والنظر إلي أنظمة مساعدة لتطوير إجراءات التقاضي بخصوص هذه المعاملات، يضاف إلي ذلك أن هذه المعاملات لم تبلغ مرحلة النضوج الكامل، من حيث حداثتها التي يمكن القول معها بوجود أعراف سائدة في هذا الخصوص، كما أن ندرة الأحكام القضائية التي تعرضت لمشاكل هذه المعاملات والمنازعات الناشئة عنها، نتج عنه عدم ثبات المعايير التي يتم الحكم بموجبها لفض هذه المنازعات، إلا أن صدور القانون رقم 194 لسنة 2020 قد ساهم في تخفيف الصعوبة المشار إليها.
2) عدم أخذ الدراسات القانونية المتخصصة - التي تناولت هذا الموضوع بالبحث في الاعتبار - الاختلاف الجذري لهيكلة البنوك لأداء عملها من خلال القنوات الإلكترونية المختلفة، واتجاه البنوك إلي مركزية عملياتها، وتقليص دور الفروع في أنشطة محددة نتيجة القيام بالأنشطة والعمليات المصرية من خلال هذه القنوات، والدور الحالي الحديث لقطاعات الرقابية بالبنوك تجاه الرقابة علي تلك الأعمال وتعدد القنوات الإلكترونية التي يمارس البنك أعماله من خلالها.
3) الطبيعة الفنية لموضوع البحث، التي حاول الباحث من خلال خبرته في هذا المجال أن يتعرض لها، مبيناً تأثير هذه الطبيعة الفنية علي النواحي القانونية، مما يستلزم معه مرونة التعامل التشريعي للتطور الهائل في إبرام هذه المعاملات، وذلك دون الدخول في أمور فنية تفصيلية تبعد هذا البحث عن سياقه القانوني.
4) التطور الكبير الذي طرأ علي وسائل أمن المعلومات ومخاطر التشغيل ووسائل التفتيش والمراجعة الداخلية علي تكنولوجيا المعلومات والالتزام والحوكمة ومكافحة غسيل الأموال والإرهاب وكذلك المعايير المحلية والعالمية، التي تتناول أحكام الرقابة علي هذه المعاملات عبر القنوات الإلكترونية المختلفة، مما استلزم من الباحث التعرض لبعض الممارسات الحديثة لهذه الوظائف بالبنوك مع التعرض لأهم المعايير العالمية خاصة في مجال أمن المعلومات، تمهيداً لإسباغ الصيغ القانونية علي هذه المعايير، حتي تسهم في سن تشريع مصرفي ينظم المعاملات عبر القنوات الإلكترونية.
5) رغبة الباحث بعمل مقترح في الفصل الأخير من هذا البحث لإطار قانوني للمعاملات المصرفية عبر القنوات الرقمية يشمل عدة فروع للقانون الموضوعي والإجرائي والدولي والتحكيم بخلاف الموضوع الأساسي والمتعلق بالقانون التجاري، مما استدعي الباحث للبحث والتدقيق في مختلف فروع القانون وبيان ارتباطها بموضوع البحث.