Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
الاغتراب في شعر سعدي يوسف :
المؤلف
إسكندر، رضا عطية.
هيئة الاعداد
باحث / رضا عطية إسكندر فرج
مشرف / محمد صلاح الدين فضل
مشرف / عبد الناصر حسن
مناقش / محمد صلاح الدين فضل
الموضوع
الشعرالعربي.
تاريخ النشر
2017.
عدد الصفحات
370ص. :
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
الأدب والنظرية الأدبية
تاريخ الإجازة
19/8/2017
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية الآداب - اللغة العربية وآدابها
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 360

from 360

المستخلص

مقدمة
لئن كان الشاعر العراقي سعدي يوسف (1934) هو أحد أبرز الشعراء العرب المؤسسين للحداثة الشعرية العربية في تجربة فنية خصبة وسفر شعري يمتدُّ موصولاً لأكثر من ستة عقود بدءًا من 1954 حين بدأ سعدي في نشر قصائده الأولى التي كان أغلبها عموديًّا ثم ما لبث أن تحوَّل بعدها بدءًا من العام 1955 ليكتب أغلب قصائده في قالب الشعر التفعيلي، وصولاً لنصوصه الشعرية التي كتبها في العام 2017 وقت الانتهاء من هذه الأطروحة- فإنّ اختيارنا لشاعر كسعدي يوسف يتيح لنا دراسة تجربة ثرية، حافلة بالكثير من الملامح الجمالية والتحوّلات الفنية التي تتسم لدى سعدي بنوع من التؤدة والتَمهُّل.
وإذا كانت حياة الشاعر سعدي يوسف تُوسَم بالقلق واللااستقرار والوقوع تحت الملاحقة والفرار والرحيل، والنضال والتمرد والثورية الذي دفع حريته أحيانًا بسجنه ثمنًا لكلّ هذه القيم التحررية التي آمن بها بوصفه مثقفًا عضويًّا، حتى كاد أن يدفع حياته ثمنًا باهظًا لثوريته وشيوعيته في العام 1963 إثر انقلاب النظام العراقي الحاكم على الشيوعيين ومسعاه لسحقهم بل إفنائهم- فإنّ اختيارنا لتيمة الاغتراب في شعر سعدي يوسف يأتي لأنّ تبديّات الاغتراب بأشكاله وأنواعه المختلفة تبدو ماثلة بوضوح في خطابات سعدي يوسف، فضلاً عن أنّ تجربة المنفى قد أسهمت في تعميق الشعور الاغترابي لديه، وهو ما تبدى في شعره في منافيه.
تأتي تجربة سعدي يوسف الممتدة طوليًا في الزمن لنيف وستين عامًا مع الشعر وأفقيًّا مع الفن عمومًا فقد كتب سعدي إلى جوار الشعر المسرح والقصة والرواية، ومع السياسة ونضالاته من أجل الوطن والحرية، لتكون بمثابة مرآة عاكسة للتحوُّلات السياسية الإقليمية والعالمية على امتداد أكثر من ستة عقود في النصف الثاني من القرن العشرين وحتى وقتنا هذا في العقد الثاني من الألفية الثالثة؛ فبإمكاننا أن نتمثّل في خطابات سعدي يوسف الشعرية التيارات الفلسفية والسياسية والمجتمعية فضلاً عن الصياغات الفنية وتحولات كل هذا باختلاف المراحل الزمنية. فقد حمل شعر سعدي يوسف في مرحلته الأولى ألوية التحرر الوطني في حقبة ما بعد الكولونيالية في أعقاب الحرب العالمية الثانية واعتناقه الأيديولوجية الشيوعية وإيمانه بالمنهج الماركسي في تثوير الحياة السياسية وانخراطه في الحركات الثورية المدافعة عن حقوق العمال والكادحين والمهمشين في مناداتها بثورية بروليتارية تؤسس لعدالة اجتماعية وحرية سياسية.
ثم تأتي تجارب سعدي يوسف في منافيه، بعيدًا عن الوطن، لتعمِّق هذا الشعور الاغترابي بفقد الوطن من ناحية وتجعله يعاين في منافيه الغربية وجوه هذا الآخر، الغربي، في اختلافاته الهوياتية عن الذات وقيامه أحيانًا بتهميش الآخر المختلف عنه عرقيًّا مثلما يفعل مع الزنوج وعدم تقبُّله الآخر عمومًا مثلما كان يغلب على شعور الذات هذا الإحساس الاغترابي في منافيها بالمكان الآخر.
ونظرًا لما يحفل به شعر سعدي يوسف من تيارات سياسية وثقافية ومجتمعية، ولكونه ”دفترًا” لتجليات الوعي الجمعي في تمثيله للشخصية الجمعية العراقية على امتداد ما يناهز ثلثي قرن مر خلالها العراق والعالم بتحولات فارقة، بزوغ فلسفات وأفولها لتحل أخرى محلها، جدل سياسي استمرّ وقلق اجتماعي بين استبداد مهمين وشغف مرهف إلى الحرية ثم سقوط العراق في قبضة الاحتلال الأمريكي الذي يُمثِّل الإمبريالية الجديدة، وعلى صعيد عالمي شهد العالم تحوّلات كبرى في أنظمته بدءًا من فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حقبة ما بعد الكولونيالية والحرب الباردة بين المعسكرين: الغربي الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية والشرقي الشيوعي والاشتراكي بزعامة الاتحاد السوفييتي. ثم ما مر به العالم بعد ذلك، وفق النظام العولمي الجديد وانحسار الشيوعية، لذا فقد كان اختيارنا لمنهج النقد الثقافي كأداة منهجية في دراستنا لتجربة سعدي يوسف الشعرية بغية اكتشاف ما وراء الجمالي من خلفيات سياسية واجتماعية وثقافية والكشف عما يعتمل تحت جلد النص الشعري الجمالي من أيديولوجية أو بالأحرى صراع أيديولوجيات وفق المفهوم الماركسي للأدب بوصفه تمثيلاً لصراع قوى متضادة. كما أنّ القراءة الثقافية لشعر سعدي يوسف تساعدنا على الكشف عن تشابكات الوعي الفردي للذات المبدعة بالوعي الجمعي للذات الكلية والشخصية الجمعية للطبقة التي ينتمي المبدع إليها وللوطن عمومًا.
وفي قراءتنا الثقافية لشعر سعدي يوسف قد حاولنا أن نتلافى ما يقع فيه كثيرٌ من النقاد والباحثين عند تطبيقهم النقد الثقافي بتصوُّر أو بالأحرى بتوهم أنّ القراءة الثقافية ما هي إلا استخراج للأيديولوجي والسياسي والاجتماعي من النص دونما عناية بجمالياته، لذا فقد كان في دراستنا لشعر سعدي يوسف من منظور ثقافي عناية بالفني والجمالي والتحوّلات الفنية في كتابة سعدي يوسف والسمات التعبيرية المائزة لشخصيته الفنية بقدر عنايتنا بتَلمُّس التجليات الأيديولوجية والسياسية والاجتماعية في خطاباته.
في دراستنا لتجربة سعدي يوسف واغتراباته وفقًا لمنظور مكاني باعتبار أنّ المكان بما يحمله من آثار التحولات الزمنية وتبدياته الزمكانية هو مرآة عاكسة لملامح الوعي الفردي والجماعي وتمثّلات الشعور الاغترابي نؤسس لمصطلحين خاصين بالمكان: المكان الأول تعبيرًا عن الوطن، مهد الذات ومنشأها ومسرح تكوُّنها الثقافي والفكري، والمكان الآخر بمعنى المكان المختلف سواء كان يعبر عن المهجر أو المنفى، نظرًا لما يُمثِّله مفهوم ”الآخر” في الدراسات الثقافية من بؤرة مفاهيمية للتعبير عن المختلف ثقافيًّا وهوياتيًّا عن الذات سواء في كينونته الفردية أو الجمعية.
وتنقسم هذه الدراسة حول ”الاغتراب في شعر سعدي يوسف” إلى مدخل أول ”في الاغتراب”، ومدخل ثانٍ ”في النقد الثقافي، وثلاثة مباحث: الأول: عن الاغتراب في المكان الأول، والثاني عن الاغتراب في المكان الآخر، والثالث: عن استعادة المكان الأول.
في المدخل الأول عن الاغتراب نتناول التعريفات اللغوية والاصطلاحية المتنوعة للاغتراب، كما نتناول المفاهيم الفلسفية المختلفة للاغتراب سواء في التراث العربي أو في التراث العالمي، وكذلك التصوّرات المفاهيمية التي قدّمتها المدارس الفلسفية الرئيسية عن الاغتراب عند مدارس التعاقد الاجتماعي والمثالية الألمانية كما عند هيجل ثم فيورباخ والمادية الماركسية كما عند ماركس وأتباع الماركسية المجددين لها كما عند أصحاب مدرسة فرانكفورت والنظرية النقدية كإريك فروم وماركوز، فضلاً عن تصوُّرات الاجتماعيين كدوركايم وماكس فيبر لمفهوم الاغتراب، وكذلك تصوُّرات تيار الفلسفة الوجودية للاغتراب خصوصًا عند هايدغر وسارتر، وصولاً للمفهوم النفسي الفرويدي للاغتراب. ثم ننتقل بعد ذلك لبيان التَمثُّلات المختلفة لأنواع الاغتراب لدى سعدي يوسف.
وفي المدخل الثاني حول ”النقد الثقافي” نبدأ بتعريف مفهوم ”النقد الثقافي” وإبراز مجالات الدراسات الثقافية التي تنتقل من النص الجمالي إلى سياقاته الاجتماعية والسياسية والثقافية، مع تناول أبرز مقولات الفلسفة الماركسية المتعلقة بالنقد الثقافي كمفاهيم: البنية الفوقية والبنية التحتية، وصراع الأضداد، والوعي الطبقي والأيديولجيا، ثم ننتقل لتناول إسهامات مدرسة فرانكفورت وأصحاب النظرية النقدية في النقد الثقافي، مع بيان أهمية ألا يغفل التحليل الثقافي العناصر الجمالية والفنية للعمل المنقود، وصولاً إلى تقديم تصور حول كيفية تقديم قراءة ثقافية لشعر سعدي يوسف والآليات المنهجية التي استخدمناها في ذلك.
وفي المبحث الأول من دراستنا نتناول ”الاغتراب في المكان الأول”، الوطن، في تجربة سعدي يوسف، ابتداءً من الاغتراب الاجتماعي المتمثِّل في أنواع مختلفة من الاغتراب كالاغتراب الأسري والعائلي، وإحساس الذات بفقدان البيت الذي كان يضمها، ثم الاغتراب المديني الذي صاحبه حالة من التحنان للريف واستعادة الذات قريتها، منشأها الأول، ثم تتعرض الذات في انعطافة تاريخية ذات بعد إسقاطي لما عُرف بثورة الزنوج التي قادها علي بن محمد في العصر العباسي بوصفها رمزًا لثورة المهمشين ضد الاستغلال والاستبداد. ثم نتناول تجليات الاغتراب السياسي والأيديولجي المتبدي في إقصاء المثقف وتهميشه، ورفض الذات للهيمنة الأجنبية. وفي المقابل فقد رصدنا وقوع الذات بأثر اعتناقها الشيوعية في شرك الانسحاق الأيديولوجي والتبعية الساذجة للمركزية السوفييتية بتعليق أحلام عريضة على القطب الروسي بوصفه قوة ستعمل على تحرير العالم والنهوض به، مع تناول تمثلات معاناة الطبقة البروليتارية وتعرض الذات للقمع والملاحقة الأمنية، وختامًا تشبث الذات بالأمل واستمساكها بحلمها اليوتوبي في عراق سعيد ومدينة فاضلة.
أما المبحث الثاني من الدراسة فيتناول ”الاغتراب في المكان الآخر”؛ حيث تتابع القراءة تبديات هذا الاغتراب المتمثلة في شعور الذات بوحشة المكان وعزلتها فيه، تلك الوحشة المتبدية في عديد من المظاهر كإحساس الذات باللابيتية، وانكماشها بالمكان الضيق المنحسر كالغرفة، مع محاولاتها تخفيف عزلتها بتنافذها وإطلالتها على الخارج، ثم شعور الذات بوحشة المكان الخارجي أيضًا، ما يفضي إلى انكفاء الذات على نفسها وانقطاعها عن العالم وعزوفها عن وسائل الاتصال التكنولوجي. ثم ننتقل لدراسة تبديات الاغتراب الزمني لدى الذات في مكانها الآخر، حتى نصل إلى ”الاغتراب الثقافي” الذي تعانيه الذات في المكان الآخر، المتمثل في إحساس الذات بعدم تقبُّل الآخر لها، وفي الاغتراب الماركسي مع إحساس الذات بأفول الماركسية وتراجعها على الصعيد العالمي في ظل وطأة الإحساس بطغيان الرأسمالية، في مقابل تمسُّك الذات بالحلم الشيوعي وهو ما يُفاقِم اغتراباتها.
أما المبحث الثالث من هذه الدراسة فيتناول استعادة الذات لمكانها الأول، الوطن، بفعل التخيُّل والحنين، في عز اغترابها بمنافيها بالمكان الآخر؛ حيث تتبدى استعادات الذات لمكانها الأول، وطنها، في عديد من المظاهر كالصراع الهوياتي ومغالبة المكان الأول للمكان الآخر في وعي الذات، وعمل الذات على تمثُّل واستعادة آثار المكان الأول، كأماكنه البارزة ومدنه الرئيسية، فضلاً عن استعادتها أزمنة المكان الأول، ثم استعادتها أشخاصه بوصفهم علامات أيقونية دالة على الوطن، وصولاً إلى رثاء الذات وطنها وبكائها مكانها الأول بعد وقوعه تحت نير الاحتلال الأمريكي منذ 2003، مما أدى لتعرّض هوية الوطن للنسخ واستلاب الشخصية الجمعية العراقية.