Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
المسئولية المدنية الناتجة عن تلوث البيئة البحرية بالزيت /
المؤلف
حسين، عصمت إبراهيم الطوخي.
هيئة الاعداد
باحث / عصمت إبراهيم الطوخي حسين
مشرف / فيصل ذكي عبد الواحد
مناقش / عاطف عبد الحميد حسين
مناقش / محمد السعيد رشدي
الموضوع
التلوث.
تاريخ النشر
2017.
عدد الصفحات
412 ص. ؛
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
قانون
تاريخ الإجازة
18/6/2017
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية الحقوق - القانون المدني.
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 412

from 412

المستخلص

لا شك أن الحق في بيئة نظيفة حديث نسبيا، لذا تعددت التعاريف المحددة لماهية هذا الحق ومضمونه، فهناك تعريف واسع للبعض مؤداه أن البيئة هي ”الوسط الذي يتصل بحياة الإنسان وصحته في المجتمع سواء كان من خلق الطبيعة أم من صنع الإنسان ، لأن البيئة تتكون من عنصرين الأول طبيعي، وهو الذي لا دخل للإنسان في وجوده ومن مظاهره الصحراء والبحار، وأما العنصر الثاني فهو الصناعي أو المشيد وتشمل البيئة المشيدة استعمالات الأراضي للزراعة والمناطق السكنية والمناطق الصناعية والمراكز التجارية.
ومشكلة تلوث البيئة البحرية ناجمة عن تسرب بقايا فضلات المصانع إلى البحار والمحيطات، إلا أن المشكلة الأساسية ناجمة عن تسرب النفط والغاز من الآبار النفطية الكائنة في قيعان البحار والمحيطات، ومن حوادث الاصطدام بين ناقلات النفط العملاقة، بحيث أصبحت هذه المشكلة على درجة كبيرة من الأهمية، واسترعت انتباه الدول والمنظمات الدولية، فباتت مشكلة التلوث البيئي تؤرق فكر المصلحين والعلماء والعقلاء وتقض مضاجعهم، فبدءوا يدقون نواقيس الخطر، ويدعون لوقف أو الحد من هذا التلوث الذي تتعرض له البيئة البحرية نتيجة للنهضة الصناعية والتقدم التكنولوجي في هذا العصر، فالتلوث مشكلة عالمية لا تعترف بالحدود السياسية لذلك حظيت باهتمام دولي، لأنها فرضت نفسها فرضا، ولأن التصدي لها يجاوز حدود وإمكانيات التحرك الفردي لمواجهة هذا الخطر المخيف، والحق أن الأخطاء البيئية لا تقل خطرا عن النزاعات والحروب والأمراض الفتاكة إن لم تزد عليها.
والبيئة البحرية سميت بذلك إذ أنها تشمل كل ما تحويه المياه من أسماك وأعشاب ومعادن... الخ نظرا لضرورتها وأهميتها، وهي المعنية بالحماية بالإضافة إلى كون الماء في المقام الأول في الاهتمام لأهميته لكل كائن حي.
ويعد الإخلال بالتوازن الطبيعي للبيئة بالشكل الذي يؤثر على أحياء ذاك الوسط يفيد معنى التلوث، وأصبحنا اليوم نجد مفاهيم أكثر تخصصا للتلوث كالتلوث المائي، والتلوث البحري والضوضائي، والتلوث الميكروبي، وغيرها من المفاهيم.
لقد أصبح التلوث البحري مشكلة اجتماعية، باعتبار الظاهرة اقتصادية ظاهرة اجتماعية تخضع إلى سرعة التغير والتحول في البيئة الطبيعية التي تحتضن الترابط والتكامل الاجتماعي والثقافي الذي يؤسس لترابط مجموعة أنشطة والذي يضمن الإمداد الكافي لعناصر الثروة، فيما تضمن بدورها الرخاء الاجتماعي لجموع الأفراد.
ويعتبر تلوث مياه البحر بالنفط من أخطر الملوثات وأكثرها شيوعاً والمشاكل المتعلقة به ظهرت منذ اكتشافه وامتدت خلال جميع مراحل الإنتاج والنقل والتكرير والتصنيع والتخزين والتسويق وحتى التخلص من المنتجات المستعملة، هذا وقد أدّت الزيادة المستمرة في كل من هذه الأنشطة إلى ظهور كميات متزايدة من الملوثات النفطية بمياه الشواطئ والبحار والمحيطات.
وقد ثبت أن مياه البحار والمحيطات تستهدف بالتلوث بعدة ملايين من الأطنان من النفط كل عام وخاصة أن معظم المصانع والمصافي مقامة بمحاذاة الشواطئ الأمر الذي بات يهدد وينذر بمشاكل بيئية خطيرة قد تؤثر على التوازن البيئي في البحر واليابسة على حدٍ سواء، ويصعب التحكم في التلوث البحري أو منع انتشاره حيث أنه خطر عائم ومتحرك يتحكم فيه اتجاه الرياح وعوامل المد والجزر وشدة الأمواج وبذلك تصعب السيطرة عليه حيث ملوّثات منطقةٍ ما تنتقل بعد فترة إلى مناطق اُخرى إما بطريقة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة عن طريق الأسماك الملوثة.
وتعتبر مشكلة تلوث المياه من المشاكل التي ازدادت حدتها في الآونة الأخيرة، خاصة عند الدول الفقيرة بالمياه، مثل دول الوطن العربي وذلك لوقوعها في المناخ الجاف وشبه الجاف، وقلة الموارد المائية فيها.
وقد سهلت كل من اتفاقية لندن المبرمة في 2 سبتمبر 1972، المتعلقة بمنع تلوث البحر الناجم عن إلقاء النفايات، واتفاقية أوسلو المبرمة في 15 فبراير 1972، المتعلقة بمنع تلوث البحر الناجم عن الإلقاء من السفن والطائرات، واتفاقية هلسنكي المبرمة في 23 مارس 1974، المتعلقة بحماية البيئة البحرية في بحر البلطيق، الأعمال التحضيرية لهذا البروتوكول، بحيث تضمنت كلها تدابير خاصة متعلقة بالغمر، وبالتالي مهدت الطريق لإيجاد حلول لمشاكل التلوث بالغمر، وقدمت حلول دقيقة لها.
ويعتبر البروتوكول المتعلقة بالإلقاء في اتفاقية برشلونة، آلية قانونية شاملة تأخذ بعين الاعتبار كما ورد في ديباجته ”اتفاقية لندن لعام 1972 المتعلقة بمنع التلوث الناجم عن إغراق النفايات والمواد الأخرى الضارة، وهذا يشكل تكييف إقليمي مع النموذج الدولي.
وانسكاب النفط هو تسرّب المواد الهيدروكربونية البترولية السائلة إلى البيئة البحرية، بسبب النشاط البشري، وهي تعتبر أكثر الظواهر المرتبطة بتلويث السفن شيوعًا. على الرغم من أنها لا تحدث بصفة يومية مثل التلوث الذي يحدث خلال العمليات اليومية، إلا أن لها آثار مدمرة. وبالرغم من كونها سامة للحياة البحرية، إلا أنه من الصعب جدًا تنظيف الهيدروكربونات العطرية المتعددة الحلقات والمكونات الموجودة في النفط الخام، وهذه المركبات تستمر لسنوات عديدة في البيئة البحرية، الأحياء البحرية المعرضة للهيدروكربونات العطرية المتعددة الحلقات، تعاني من مشكلات في النمو ودورة تكاثرها، وتصبح أكثر عرضةً للمرض. أحد أشهر التسربات النفطية المعروفة، كانت حادثة السفينة إكسون فالديز والتي جنحت في ألاسكا، وتسرب منها كمية هائلة من النفط إلى المحيط في مارس 1989. وعلى الرغم من جهود العلماء والمسئولين والمتطوعين، فإن أكثر من 400,000 طير بحري، وحوالي 1,000 ثعلب بحر، وأعداد هائلة من الأسماك لقوا مصرعهم.
وتتضمن المخلفات الصلبة الناتجة على سطح السفن كل من الزجاج والورق والكرتون المقوى والألمنيوم والعلب الفزلاذية والبلاستيك. يمكن أن يسبب بعضها خطراً على البيئة البحرية، حيث تشكل هذه المخلفات ما يعرف باسم القمامة البحرية والتي يمكن أن تشكل خطراً على الكائنات البحرية والإنسان والمجمعات الساحلية والصناعات التي تستخدم المياه البحرية. تعالج السفن البحرية عادةً المخالفات الصلبة عن طريق حرقها وإعادة تدويرها، لكن مع ذلك فإن 75% من المخلفات الناتجة من على سطح السفن والرماد الناتج عن حرق هذه المواد يلقى في مياه البحر. تسبب هذه المخالفات قتل أو جرح الثدييات البحرية والأسماك والسلاحف البحرية والطيور عن طريق الوقوع في شراك المخلفات البلاستيكية. يولد الراكب الواحد على سطح السفينة في المتوسط رطلين من المخلفات الصلبة يومياً، وبذلك يكون من أجل سفن سياحية كبيرة تحمل آلاف الركاب فإن كميات المخلفات الصلبة اليومية ستكون هائلة، وتصل كمية المخلفات الصلبة للسفن السياحية الكبيرة حوالي 8 طن أسبوعياً وقد قدر أن 24% من المخلفات الصلبة الملوثة لمياه البحار تنتج عن طريق السفن السياحية، وعلى الرغم من أن الكثير من السفن السياحية تقوم بعملية حرق النفايات إلا أنه لايمكن حرق جميع النفايات كالألمنيوم والفولاذ كما أن ناتج الحرق يتم رميه بشكل عام في البحار بسبب عدم قدرة الكثير من الموانئ على استقبال نواتج هذه العملية.
وتلقي السفن السياحية أيضًا نحو 37،000 غالون من المياه الملوثة بالزيوت، وأكثر من ثمانية أطنان من النفايات الصلبة، وملايين الغالونات من مياه الموازنة التي قد تحتوي على أنواع أحيائية غازِية، والنفايات السامة الناتجة عن التنظيف الجاف ، تزامن ذلك مع تضاعف انبعاثات حرق الوقود، لتكون لها آثار ضارة على البيئة. من عام 1993 إلى عام 1998، شاركت السفن السياحية في 104 حالة مؤكدة لتصريف النفط غير المشروعة والقمامة والنفايات الخطرة..
ويتطلب القانون الدولي توفر شروط معينة لترتب المسؤولية الدولية؛ وهي وقوع إخلال بالتزام دولي، وإسناد هذا الإخلال إلى شخص دولي، وكذلك حدوث ضرر غير مشروع يلحق بشخص دولي آخر أو برعاياه.
أ- وقوع إخلال بالتزام دولي: حيث تترتب المسؤولية الدولية على عاتق الشخص الدولي نتيجة إخلاله بالتزام دولي ُملقى على عاتقه بموجب أحكام القانون الدولي، ويشمل الإخلال بالالتزام الدولي القيام بعمل يحظر القانون الدولي إتيانه (ومثال ذلك شنّ الدولة حرباً عدوانية ضد دولة أخرى)، أو إهمال أو تقصير في القيام بالتزام تفرض قواعد القانون الدولي على الدولة القيام به (ومثال ذلك التقصير في حماية الأجانب الموجودين على إقليم الدولة أو الافتئات على حقوقهم التي تحميها قواعد هذا القانون).
إن ثبوت المسؤولية الدولية يفرض على عاتق الطرف المخالف التزاماً بالتعويض، ويُقصد بالتعويض عامة القيام بجبر الأضرار الناشئة من ارتكاب فعل أو أفعال مخالفة للقانون الدولي أو إصلاحها، فهو مصطلح قانوني هدفه إزالة الأضرار التي أصابت أحد أشخاص القانون الدولي بسبب الفعل الدولي غير المشروع الذي ارتكبه شخص آخر.
ويتخذ التعويض صوراً عديدة يمكن حصرها في التعويض العيني، والتعويض النقدي، والترضية التي تقدمها الدولة المخالفة للطرف المتضرر.
التعويض العيني: أي إعادة الشيء إلى أصله أو إلى الحالة التي كانت عليه قبل وقوع الضرر. فهو يعني إصلاح الضرر برد الدولة المسؤولة الحقوق إلى أصحابها بموجب التزاماتها الدولية وفقاً لقواعد القانون الدولي بحيث يجب أن يمحو ـ بقدر الإمكان ـ الآثار كافة المترتبة على العمل غير المشروع الضار كما لو لم يرتكب.
التعويض المالي: وهو التزام الدولة المسؤولة بدفع مبلغ مالي إلى الطرف المضرور لتعويضه عما أصابه من ضرر يكون كافياً لجبر هذا الضرر. وهذا التعويض هو الصورة الأكثر شيوعاً في العمل الدولي عند وضع المسؤولية الدولية موضع التنفيذ؛ لأن النقود هي المقياس المشترك لقيمة الأشياء المادية؛ فضلاً عن وجود حالات كثيرة يتعذر فيها التعويض العيني.
ومن صور التعمد فيها عندما تقوم دولة ما بمحض إرادتها بإحراق آبار البترول وما ينتج عنه من الحاق الضرر بالبيئة الهوائية من خلال تكوين الأمطار الحمضية التي تؤثر بالسلب على حياة البشر خاصة وغيره من الكائنات الأخرى عامة.
وهناك بعض الاتفاقيات الدولية حسب التسلسل التاريخي ومنها:
(1) اتفاقية دولية لمنع تلوث البحار بالنفط المبرمة في لندن عام 1954 وتعديلاتها وأن ترى هذه الاتفاقية على السفن المسجلة في أقاليم الدول الموقعة عليها وعلى السفن التي لا تحمل جنسية تلك الدول، عدا بعض الناقلات التي حددتها الاتفاقية
(2) اتفاقية الأمم المتحدة لأعالي البحار المبرمة في جنيف عام 1958. وقد ألزمت هذه الاتفاقية كل الدول بوضع أنظمة لمنع تلوث البحار بتصريف النفط من السفن وخطوط الأنابيب أو نتيجة لاستغلال واستكشاف قاع البحار وباطن أرضها آخذه في الاعتبار أحكام المعاهدات الخاصة في هذا الشأن
(3) الاتفاقية الدولية المتعلقة بالتدخل في أعالي البحار في حالات الكوارث الناتجة عن التلوث النفطي المبرمة في بروكسل 1969 ، وتهدف تلك الاتفاقية إلى حق الدولة الساحلية في التدخل في أعالي البحار لاتخاذ كافة التدابير اللازمة لمنع أو الحد من درجة التلوث الذي قد يقع نتيجة حادث مفاجئ.
(4) الاتفاقية الدولية حول المسئولية المدنية عن أضرار التلوث بالنفط بروكسل 1969.
تعد المسئولية المدنية الناتجة عن حادثة التلوث بالنفط من السفن من أهم القضايا التي تشغل فكر فقهاء القانون الدولي، حيث ألقت المسئولية المدنية عن حادثة التلوث بالنفط سواء كان صورة التلوث بالتسريب أو الإلقاء على مالك السفينة حيث ورد ذلك في المادة الثانية والثالثة الفقرة الأولى من بنود المسئولية على ذلك.
وهناك العديد من الاتفاقيات بشان البيئة البحرية سواء كان التلوث بالاغراق, أو عن طريق السفن, أو عن طريق التلوث النووي, أو عن طريق التلوث من المصادر الأرضية.
وخطط التدابير تشمل عامة تقييم للآثار البيئية وإدارة الأنظمة الحيوية الساحلية والتحكم فى المخلفات الصناعية والزراعية والداخلية وخطط الطوارئ المعدة لحالات التلوث والتشريع البيئي والبروتوكولات الفنية والترتيبات المادية. يعتبر تأثير الكيماويات السامة على مياه البحار صفة مشتركة لجميع هذه البرامج وهناك خطط تدابير إقليمية تخص بحار آسيا الشرقية (يتم التفاوض بشأن اتفاقية هنا) وشمال غرب المحيط الهادى وبحار آسيا الجنوبية وخطط تدابير يتم دراستها تخص مناطق جنوب غرب المحيط الأطلنطى وشمال شرق المحيط الهادى. والاتفاقيات الإقليمية التسعة التالى ذكرها جارى العمل بها وهى مذكورة طبقا لتاريخ التصديق عليها.
وتقوم المسئولية المدنية التقصيرية بشكل عام على ثلاثة أركان هي: الخطأ، والضرر، العلاقة السببية بين الخطأ والضرر، وهذه الأركان يجب توافرها في المسئولية لإقامتها، ولكن الخلاف هو في التعرف على أساس هذه المسئولية، لأن تحديد أركان المسئولية التقصيرية يتأثر إلى حد بعيد بالأساس الذي تقوم عليه، فالنظرية الذاتية تقيم المسئولية على أساس الخطأ، فهي تعد بسلوك الرجل المسئول وبحالته النفسية ويخضع التعريف فيها إلى بحث حالة المسئول المعنوية.
وقد قسم فقهاء القانون ورجاله مصادرالالتزام إلى نوعين هما: مصادر إرادية ومصادر غير إرادية ، وأدرجوا تحت الإرادية؛ العقد والإرادة المنفردة، وأدرجوا تحت اللا إرادية القانون، والعمل غير المشروع، والإثراء بلا سبب والتي تعد من الوقائع القانونية التي تختلف عن التصرف القانوني.
ومسئولية مسبب الضرر أو التلوث البحري هي مسئولية مدنية وإن كان بالإمكان الجمع بينها وبين المسئولية الجزائية، وهذه المسئولية المدنية من الممكن أن تكون عقدية إذا ما توافرت أركان هذه المسئولية، ويمكن أن تكون تقصيرية وهو ما نفضله كأساس للمسئولية المدنية في نطاق التلوث البحري عموما، وذلك لأنه في مجال أضرار التلوث البحري عادة لا يكون ثمة عقد بين المضرور ومسبب الضرر، وبالتالي حصول الضرر ليس نتيجة لعدم الالتزام، ولكن هذا لا يمنع من قيام مسئولية عقدية عن الأضرار البيئية إذا تحقق أركانها، أما عن كون المسئولية المدنية عن الأضرار التي تصيب البيئة هي مسئولية تقصيرية، فذلك مرده إلى أن المسئولية التقصيرية عامة ذات نطاق أوسع وأشمل من المسئولية العقدية، بحيث أنها تستوعب صور تعدي الإنسان على البحار عموما وخطورة هذا التعدي، كما أن قواعد المسئولية التقصيرية متصلة بالنظام العام، وبالتالي لا يجوز الاتفاق على التخفيف أو الإعفاء منها، كما أن التعويض عن الضرر في نطاق المسؤولية التقصيرية يشمل الضرر المباشر المتوقع وغير المتوقع، في حين يشمل التعويض في المسئولية العقدية الضرر المباشر المتوقع فقط، لذلك كان تأسيس المسئولية المدنية عن الأضرار التي تصيب البحار مسئولية تقصيرية أشمل وأوسع.
وتقوم المسئولية المدنية التقصيرية بشكل عام على ثلاثة أركان هي: الخطأ، الضرر، علاقة السببية بين الخطأ والضرر. وهذه الأركان يجب توافرها في المسئولية لإقامتها، ولكن الخلاف هو في التعرف على أساس هذه المسئولية، لأن تحديد أركان المسئولية التقصيرية يتأثر إلى حد بعيد بالأساس الذي تقوم عليه، فالنظرية الذاتية تقيم المسئولية على أساس الخطأ، فهي تعد بسلوك الرجل المسئول وبحالته النفسية ويخضع التعويض فيها إلى بحث حالة المسئول المعنوية، أي أن المسئولية الشخصية تقوم على أساس الخطأ سواء كان واجب الإثبات، كما في حالة المسئولية عن الفعل الشخصي، أو خطأ مفترض يقبل إثبات العكس كما في مسئولية متولي الرقابة، أو لا يقبل إثبات العكس كما في مسئولية حارس الأشياء.
وقد قسم فقهاء القانون ورجاله مصادر الالتزام إلى نوعين هما: مصادر إرادية ومصادر غير إرادية ، وأدرجوا تحت الإرادية؛ العقد والإرادة المنفردة، وأدرجوا تحت اللا إرادية القانون، والعمل غير المشروع، والإثراء بلا سبب والتي تعد من الوقائع القانونية التي تختلف عن التصرف القانوني .
ومسئولية مسبب الضرر أو التلوث البحري هي مسئولية مدنية وإن كان بالإمكان الجمع بينها وبين المسئولية الجزائية، وهذه المسئولية المدنية من الممكن أن تكون عقدية إذا ما توافرت أركان هذه المسئولية، ويمكن أن تكون تقصيرية وهو ما نفضله كأساس للمسئولية المدنية في نطاق التلوث البحري عموما، وذلك لأنه في مجال أضرار التلوث البحري عادة لا يكون ثمة عقد بين المضرور ومسبب الضرر، وبالتالي حصول الضرر ليس نتيجة لعدم الالتزام، ولكن هذا لا يمنع من قيام مسئولية عقدية عن الأضرار البيئية إذا تحقق أركانها، أما عن كون المسئولية المدنية عن الأضرار التي تصيب البيئة هي مسئولية تقصيرية، فذلك مرده إلى أن المسئولية التقصيرية عامة ذات نطاق أوسع وأشمل من المسئولية العقدية، بحيث أنها تستوعب صور تعدي الإنسان على البحار عموما وخطورة هذا التعدي، كما أن قواعد المسئولية التقصيرية متصلة بالنظام العام، وبالتالي لا يجوز الاتفاق على التخفيف أو الإعفاء منها، كما أن التعويض عن الضرر في نطاق المسؤولية التقصيرية يشمل الضرر المباشر المتوقع وغير المتوقع، في حين يشمل التعويض في المسئولية العقدية الضرر المباشر المتوقع فقط، لذلك كان تأسيس المسئولية المدنية عن الأضرار التي تصيب البحار مسئولية تقصيرية أشمل وأوسع.
وقد جاءت اتفاقية لوجان والصادرة في يونيه 1993، وكذلك الاتفاقية الأوربية المتعلقة بالمسئولية المدنية عن الأضرار التي تنتج أثناء نقل البضائع الخطرة والتوجيهات الأوربية المتعلقة بالمخلفات، تحدد مفهوم الضرر الذي يجب التعويض عنه بأن يشمل الإصابات الجسدية والوفاة والضرر الذي يلحق بالأموال.
وقد أقرت الاتفاقية صراحةً مبدأ جواز التعويض عن الأضرار التي تلحق بالبيئة في حد ذاتها وهي ما تسمى أضرار البيئة المحضة.
ومن المعروف أن فكرة التأمين من المسئولية يهدف إلى تعويض المضرور الذي يصاب الذمة المالية للمؤمن له، وفي نفس الوقت تعويض للمضرور الذي وقع عليه الضرر من المسئول المؤمن له، وإذا نظرنا في العصور القديمة ومنها القانون الروماني نجد أن في بداية الأمر كان هناك تحفظ لديهم بشأنه ويرجع ذلك خوفاً من تحمل المؤمن لخسائر كبيرة، أو ربما يؤدي ذلك إلى إبراء المؤمن له، أو يرجع إلى إهماله، وذلك بسبب عدم اتخاذ الحيطة والحذر تجاه الغير.
فإن نشأة التأمين لم تكن من فعل المشرع أصلاً بل كان نتاج تطور نشأته بسبب ضغط الحاجة العملية الملحة وخصوصاً في مجال التجارة البحرية، فالتأمين هو ثمرة تطور بطئ وثمرة كفاح طويل قام به الإنسان ليدرأ عن نفسه مخاطر البحر.
و نظرا للتطور الهائل والسريع في مجال الثورة الصناعية في القرن العشرين مع انتشار وسائل النقل البري والجوي والبحري وحاجة البشرية اليها، فقد ترتب عليها الي زيادة هائلة في نشاط التجارة والنقل، نتج عن هذا زيادة في الحوادث وما ترتب عليها من الحاق الضرر بالإنسان، لذلك فقد لجأوا إلى التأمين من المسئولية عما يقع من ضرر تجاه الغير، واصبح التأمين من المسئولية نظام ضروري وأساسي في العصر الحديث بسبب تنوع أنشطة الإنسان المختلفة وما ينتج عنها من مسئوليات، وهذا بسبب الثورة الصناعية الهائلة والمتطورة بصفة دائماً.
فكان لزاماً على معظم الدول أن تصدر تشريعاً وتقره ليضمن حماية المضرور من الأضرار التي تقع عليه جراء الحوادث ولضمان المسئولية بالتأمين.
ونجد أن المشرع المصري لم ينظم كافة أنواع التأمين من الأضرار ومنها التأمين من المسئولية بل أنه نظم فقط التأمين عن الحرائق على اعتبار أن هذه الأحكام من الأحكام الخاصة بالتأمين ويطبق عليها كافة أنواع التأمين من الأضرار.
ويلعب صندوق التعويض دوراً مزدوجاً ذات منفعة للمضرور الذي أصيب جراء حادثة التلوث من ناحية, والمسئول عن حادثة التلوث من ناحية في آن واحد، فهو بهذا يقدم الضمان اللازم للمضرور حيث يطمئن المضرور لوجود شخص يستطيع أن يقدم له التعويض
وقد ورد في معاهدة 1971 في شأن صندوق التعويض عن أضرار التلوث وكذلك برتوكول 1992 النظام المعمول به في الصندوق ولكي نعرف ذلك لابد من معرفة النظام الأداري وكيفية تمويل الصندوق ولضمان استقلالية الصندوق.
ويخضع التعويض وفقاً لمعاهدة بروكسل لمبدأين أساسيين مبدأ تحديد المسئولية ومبدأ الإعفاء من المسئولية، إلا أن هذين المبدأين قد تقلص أهميتهما عند تطبيق معاهدة 1971 التي تعد جزء مكمل لمعاهدة 1969، وقد أكد هذا المادة 4/1 من معاهدة 1971 بأن يلتزم الصندوق بتعويض أي شخص لحقه ضرر التلوث إذا عجز المضرور عن الحصول على التعويض الكامل والمناسب مع الضرر، وهذا يدل على أن مشكلة التعويض عن الضرر بالزيت لم تعد تعتمد على المسئولية التقليدية بل اعتمدت على فكرة الضمان التي تهدف إلى كفالة الحماية القانونية الفعالة للمضرور من التلوث والتي تؤدي إلى توزيع المخاطر بين الصناعة الملاحية والصناعة البترولية وهو يسمى بمبدأ جماعية المخاطر وذلك وفقاً للمادة 4/1 من المعاهدة.
وقد أنشأ الصندوق الدولي للتعويض لحماية المضرور نتاج حادثة التلوث وحصولة على التعويض المناسب لقدر الحادثة وبجانب ذلك نجد أن الصندوق يقوم بدور آخر إلا وهو تحمل جزء من العبء عن مالك السفينة في حالة تطابق المسئولية عليه في حدود معاهدة 1969 وكان المشرع في ذلك الوقت قد يدر ذهنه أن أقساط نوادي الحماية والتعويض من ناقلات البترول وقد زادت بصورة كبيرة.
وقد صار بروتوكول على نهج صندوق التعويض لسنة 1971 حيث أقر أن أمتداد الحادث في بروتوكول المسئولية 1992 لحالات التهديد المحض وأن مجال التغطية لناقلات البترول الفارعة وبعض السفن المختلفة التي تنقل الزيت سائب كبضاعة واقتصارها على الزيوت المعدنية سواء كانت منقولة كبضاعة أو موجودة في عنابرها هي نفس ماورد في بروتوكول المسئولية 1992 والتي تنص على أن التعويضات المدفوعة على سبيل حدوث تلف البيئة، غير فوات الكسب الناشئ عن هذا الإتلاف تتحد بتكاليف الإجراءات المعقولة التي تتخذ فعلاً لإعادة الوضع لما كان عليه قبل وقوع حادثة التلوث. كما أن الأمتداد المكاني في البروتوكول قد تجاوز ما وراء البحر الإقليمي إلى المنطقة الاقتصادية الخالصة بما لا يزيد عن 200 ميل بحري من خطوط الأساس التي يبدأ عندها قياس عرض البحر الأقليمي للدولة المتعاقدة.
فقد اتفق بروتوكول 1992 فيما ورد في شأن مفهوم الزيت ومفهوم الضرر ومفهوم الحادثة مع الصندوق الدولى للتعويض 1971 بنفس المفهوم.
وتعد فرنسا من الدول التي حرصت على إصدار وثائق تأمين تعالج من خلالها القصور في القواعد التقديرية للتأمين والتي لا تتناسب مع أخطار التلوث، لذلك أصدرت وثيقة تأمين نموزجية تعرف باسم Garopol وقد استحدثت من خلالها مجالات تأمينية جديدة مثل تغطية أضرار التلوث الطارئة والمتدرجة وتغطية الحوادث غير الفجائية، وبذلك تفصل في المسئولية المدنية التي تثبت في حالة الضرورة أو بناء على أمر صادر من الجهات المعنية بمنع التلوث والحد من خطورته وأحكام هذه الوثيقة ضد أخطار التلوث.
وتحتل وثيقة كلاركسون البريطانية مكانة رائدة في سوق التأمين ثورة على نظام التأمين التقليدي من حيث أسس التأمين الفنية، وكذلك عدم التفرقة بين التلوث العارض وغير العارض، ومضمون تلك الوثيقة تحديد وتحليل لنماذج التلوث وما يكون منها قابل للتأمين أو غير قابل مع وضع جدول أقساط لكل نوع من أنواع التلوث، وما يتناسب وحجم الأخطار وفقاً لنماذج هذه الوثيقة ومنها التلوث المتعدد والتلوث العارض أو المفاجئ والتلوث الكامن الذي لا يظهر خطورته إلا بعد الكشف عنها علمياُ والتلوث المتحد نتيجة اتحاد أكثر من مادة معاً قد ينتج عنها أضرار. ونظمت تلك الوثيقة التغطية التأمينية لكافة أشكال التلوث على أساس أن هذه الأشكال قابلة للتغطية التأمينية ما عدا التلوث التعمد، لأنه يتنافى مع المبادئ العامة في التأمين حيث أنه يجب على المؤمنين عدم تقدم يد العون لأعمال غير مشروعة ومتعمدة.
وقد أنشأ نظام كريستال بعد حادث توري كايتون الشهيرة أثر اتفاق نوفاب ومعاهدة بروكسل 1969 وكان الهدف منه تكملة الضمان المالي وكفالة حقوق المضرورين ومرعاه ملاك السفن. وقد أخذ نظام كريستال بالمسئولية الموضوعية عن الأضرار التي تنشأ عن ناقلات البترول ويتجاوز الضمانات المعروضة على ملاك السفن بموجب اتفاق نوفالوب أو في حالة عجز الناقل عن السداد في حدود 30 مليون دولار.
وحيث ان السوق التاميني المصري لم يذكر في معظم الوثائق التاميني اخطار التلوث،، مع انه قد يتم استثنائه من التغطية التامينية في حالات نادرة.