Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
المرأة بين العاطفة والوحشية في مسرح سوفوكليس وسينيكا/
المؤلف
حسن, إيمان يحيى ربيعي.
هيئة الاعداد
باحث / إيمان يحيى ربيعي حسن
مشرف / فايز يوسف محمد
مشرف / فريد حسن الأنور
تاريخ النشر
2017.
عدد الصفحات
236 ص. ؛
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
الآداب والعلوم الإنسانية (متفرقات)
تاريخ الإجازة
1/1/2017
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية الآداب - الحضارة الأوربية القديمة
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 236

from 236

المستخلص

لعبت المرأة دورًا كبيرًا في المجتمعين اليوناني والروماني مما انعكس بالطبع على الأدب الذي يعد مرآة المجتمع، فكما كانت المرأة شريكة للرجل في المجتمع كانت شريكته أيضًا في الأدب، ولذلك برع كتاب المسرح اليوناني والروماني وخاصة سوفوكليس وسينيكا في إظهار خصائصها وعواطفها وانفعالاتها من خلال أعمالهما المسرحية، فقد اهتما بصورة كبيرة بإظهار عاطفة الحب التى تكنها المرأة للرجل وكيف تتحول هذه العاطفة إلى الوحشية إذا أحست أنها فقدت من تحب. وقد برع سوفوكليس وسينيكا في معالجة وجهين مختلفين للمرأة، فهي تحب وتخلص وتضحي، ولكن إذا خانها من تحب أو تركها يتحول هذا الحب إلى كراهية ويتحول الإخلاص إلى خيانة والتضحية إلى غيرة قاتلة تدمر كل شيء. ولذلك قسمت موضوع البحث إلى تمهيد وأربعة فصول كالآتي:
الفصل الأول بعنوان ”صورة المرأة في المجتمعين اليوناني والروماني”، وتعرضت فيه لنقطتين مهمتين يتناولان دراسة مختصرة لوضع المرأة في المجتمعين اليوناني والروماني من خلال أدوارها المختلفة كزوجة وأم داخل الأسرة، كما يتناول هذا الفصل الدور الديني الذي تلعبه المرأة في المجتمع وكيف ينظر إليها القانون في المراحل المختلفة من عمرها، وكذلك أهم قوانين الزواج والطلاق التى تخضع إليها المرأة، وتناولت الوضع السياسي للمرأة وما هو مسموح لها به وما كان محظورًا عليها. وقد دعمت هذه الدراسة ببعض الاستشهادات التى تؤكد وجهة نظرنا من خلال المصادر اليونانية والرومانية سواء التاريخية منها أو الأدبية.
فالمرأة اليونانية كانت تعيش حياة منعزلة عن المجتمع داخل المنزل، فكانت العائلة هي الواجب الذي خلقت من أجله، فكان عليها أن تنجب الأطفال وتقوم على تربيتهم، كما كان عليها أن تحافظ على حياتها الزوجية وتطيع أوامر زوجها. وهذا الدور الذي لعبته في الأسرة كان تعويضًا لها عن ابتعادها عن الحياة العامة والظهور علانية في المجتمع. ولكي يحافظ الرجل على هذا الوضع الذي فرضه على المرأة وضعها تحت وصايته في كل مراحل حياتها قبل زواجها وبعد الزواج، كما فرض العديد من القوانين التى تنظم هذا الأمر منها القوانين الخاصة بالزواج والطلاق والتي كانت فيها المرأة خاضعة لوصاية والدها أو زوجها، حتى عند طلاقها كانت تعود لسلطة والدها أو تخضع لسلطة ابنها. ونتيجة لهذه العزلة ظهرت مجموعة من القيم والفضائل التى يجب أن تتوافر في المرأة المثالية وإذا أخلت المرأة بأي من هذه الفضائل وجب عليها العقاب والمحاسبة على عكس الرجل تمامًا. على أي حال كانت الأسرة هي مركز اهتمام المرأة، ولكن هذا لم يمنعها من الحصول على بعض الاستثناءات الخاصة منها على سبيل المثال الاشتراك في أداء طقوس عبادة معينة، أو القيام بطقوس الدفن الخاصة بأحد أفراد الأسرة. أما فيما يخص السياسة فقد كان محظورًا تمامًا على المرأة اليونانية أن تلعب أي دور بارز فيها؛ حيث كانت السياسة هي مركز قوة الرجال ونفوذهم وكانت مقصورة عليهم. أما المرأة الرومانية فتشابهت مع المرأة اليونانية في كثير من الأمور الخاصة برعاية الأسرة وإنجاب الأطفال وتربيتهم، ولكنها في الوقت نفسه حظيت ببعض من الحرية على مرور الوقت، فكان مسموح لها الظهور مع زوجها في المناسبات، كما حظيت بالحرية في أداء بعض الطقوس الدينية لدرجة وجود بعض العبادات لا يقوم بها سوى النساء، كما أنها حظيت ببعض الحقوق القانونية مثل حق التملك أو الإدلاء بالشهادة في المحاكم إذا اقتضت الظروف. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل استطاعت المرأة المشاركة في الحياة السياسية بطريقة غير مباشرة عن طريق التأثير على أزواجهن وأبنائهن أو بطريقة مباشرة من خلال القيام بأدوار مهمة أثناء فترات الحروب. ولكن ما حظيت به المرأة الرومانية من حرية في الحياة العامة لم يحميها من الخضوع لوصاية الرجل وكذلك خضوعها للقوانين المنظمة للزواج والطلاق. وبمقارنة المرأة اليونانية والرومانية على مر الفترات يتضح أن الحرية التى حظيت بها الرومانية جعلتها تتخلى عن فضيلتها وانتشر بين النساء ميلهن إلى الرزيلة والانحراف مما أدى إلى انتشار الحوادث المشينة والطلاق، الأمر الذي دفع المجتمع الروماني إلى الانحلال أخلاقيًا وذلك لأن المرأة هي النواة الصغيرة للمجتمع إذا صلحت صلح المجتمع وإذا فسدت فسد المجتمع، وهذا ما لم تفعله المرأة اليونانية؛ لأن الرجل لم يسمح لها بهذه الحرية التى منحت للمرأة الرومانية.
الفصل الثاني بعنوان ”الغيرة القاتلة ووحشية المرأة”، يتناول معالجة كل من سوفوكليس وسينيكا للغيرة القاتلة وعلاقتها بالوحشية، فقد برع كل من الكاتبين في تصوير الحب وهو يتحول إلى غيرة قاتلة، ويدفع المرأة إلى القيام بأمور وحشية وذلك من خلال معالجة شخصية ديانيرا في مسرحية نساء تراخيس لسوفوكليس ومسرحية هرقل فوق جبل أويتا لسينيكا، وكذلك شخصية ميديا في مسرحية ميديا لسينيكا.
فقد تحولت ديانيرا بسبب الحب إلى الوحشية حيث كانت تحب زوجها حبًا كبيرًا وتتألم لفراقه، ولكنها كانت تعيش على أمل أن يعود إليها، ولكن لم يحدث ما تتمناه، فعندما حانت لحظة عودته علمت بحبه لفتاة أخرى الأمر الذي جعلها تشعر بالغيرة الشديدة، وجعلها تشعر بأن شبابها بدأ يذبل، لذلك حاولت أن تستعيد حب زوجها ولم تجد أمامها سوى اللجوء للسحر، فتذكرت هدية نيسوس وقررت أن تستخدمها. وبعد الانتهاء من خطتها علمت أنها ارتكبت خطأ كبيرًا حتى لو كان عن غير قصد. فكانت نتيجة غيرتها أنها تصرفت بعصبية الأمر الذي أودى بحياة زوجها بدلًا من استعادته. ولذلك عاقبت ديانيرا نفسها على خطأها وقررت الانتحار، وكأنها بذلك تتطهر من جريمتها، حيث دفعت حياتها ثمنًا لحبها الذي قادها إلى الغيرة والتي قادتها بدورها إلى الانتحار. أما ميديا فالأمر مختلف بالنسبة لها، في البداية كانت تعيش مع زوجها حتى قرر الزواج من أخرى، الأمر الذي جعلها تشعر بالغيرة الشديدة، ودفعها دفعًا إلى الانتقام وليس لمحاولة استعادة حب زوجها، وبدلًا من الحديث عن جمال عشيقتها مقارنة بنفسها استفاضت في وصف التضحيات التى قامت بها من أجل زوجها. ومثلها مثل ديانيرا لجأت إلى استخدام السحر، ولكن ليس لاستعادة زوجها بل لكي تنتقم من عروسه الجديد وأبيها اللذين كانا سببًا في تدمير حياتها الزوجية. ولم تكتف بالانتقام عند هذا الأمر بل ارتكبت فعلًا وحشيًا لا يقوى على فعله بشر وهو قتل طفليها لكي تنتقم من أبيهما. وبذلك دفعت الغيرة ميديا إلى الانتقام بوحشية من كل من تسبب في حزنها، ولم تحاول أن تستعيد حب زوجها بل قتلت أطفالها منه بوحشية حتى تقضي على الرباط الذي يربطهما، فهي لم تنتحر كما فعلت ديانيرا حزنًا على زوجها، ولكنها أذاقت زوجها ألوان العذاب بقتلها لأبنائهما بوحشية أمام عينيه.
الفصل الثالث يتناول معالجة كل من سوفوكليس وسينيكا للخيانة الزوجية وعلاقتها بالوحشية، فصورا وجهًا آخر لعاطفة الحب التى تدفع المرأة إلى الخيانة من خلال شخصية كليتمنيسترا في مسرحيتي إليكترا لسوفوكليس وأجاممنون لسينيكا، وكذلك شخصية فايدرا من خلال مسرحية فايدرا لسينيكا. فالحب حينما يسيطر على عقل المرأة يجعلها تخطئ في حق زوجها بخيانته، وقد لا تكتفي بذلك بل تقتل زوجها أو نفسها بوحشية في سبيل عاطفتها.
فقد كان الحب هو الدافع الأساسي لخيانة الزوجات، فكليتمنيسترا خانت زوجها أجاممنون وفايدرا خانت زوجها ثيسيوس، ولكن ابتعاد الزوج عن زوجته واشتياقها له وفقدانه هو المحرك للخيانة، فالزوجة التى تحيا وحيدة تبحث عن حب جديد يملأ حياتها، وهذا ما فعلته كليتمنيسترا لترد على غياب زوجها لمدة طويلة، فوجدت في أيجسثوس الحبيب، ولذلك خانت زوجها وهى تضع لنفسها الكثير من الأسباب لتبرر خيانتها، ومن أهم هذه الأسباب أن أجاممنون هام بحب امرأة أخرى وهى كساندرا، فشعرت كليتمنيسترا بالإهانة على الرغم من خيانتها هي الأخرى لزوجها، ولم تكتفِ بذلك لكنها قررت أن تقتله بوحشية لكي تتخلص من تهمة الخيانة، ولكن الجريمة لا بد لها من عقاب، فجاء أبناؤها وقتلوها بوحشية انتقامًا لمقتل والدهم.
أما حب فايدرا الآثم فكان جريمة ناتجة عن سلوك بشري، فقد أقدمت على ارتكاب جريمتها وهى مدركة تمامًا لما تفعل ولكنها لا تستطيع أن تغير هذا الواقع، كما أن حالتها النفسية جعلتها تظهر بصورة سلبية مشوشة مرهقة جسديًا، فهي في مناجاتها لنفسها تدرك أن عشقها لهيبوليتوس خطيئة، ولكنها لا تستطيع أن تتحكم في العاطفة الآثمة التى أصابتها، لذلك ترفض أن يناديها هيبوليتوس بلقب أمي، وعندما تصف ملامحه ومفاتنه يعتقد أنها تصف أبيه الذي طال غيابه وتشتاق إليه ولا يخطر بباله ولو للحظة واحدة أنها تحبه، ولكنها عندما تصرح له بحبها يثور عليها ويرفض هذا الحب الآثم. وهنا لم تكتفِ بخطيئتها الأولى تجاه زوجها في خيانته بحبها المحرم لهيبوليتوس بل تندفع هي والمربية بوحشية لاتهامه بأنه حاول اغتصابها، وهنا عاطفة الحب جعلتها تقوم بعمل غير أخلاقي ووحشي إذ تسببت في مقتله بطريقة وحشية، فالحب حولها إلى وحش ولكن سرعان ما تقودها عاطفة الحب مرة أخرى وتجعلها تشعر بتأنيب الضمير على كل ما فعلت من خيانة وحب محرم وانتقام من شاب بريء فتقرر أن تتحمل عاقبة جرائمها، فترتكب عملًا وحشيًا آخر وتنتحر.
أما الفصل الرابع يتناول الاضطراب العاطفي للمرأة وعجزها عن مواجهة الواقع والذي يدفعها إلى الانتحار، والانتحار هو عمل وحشي ولكن هذه المرة تجاه النفس وليس تجاه الآخرين، فالحب الكبير الذي تشعر به المرأة تجاه زوجها أو أخيها أو ابنها يجعلها تشعر بالظلم أو الحزن أو الخزي والعار وهذا يدفعها إلى التصرف بطريقة غير ملائمة تصل بها إلى التخلص من معاناتها بالانتحار بوحشية، كما حدث لأنتيجونى في مسرحية أنتيجونى لسوفوكليس عندما شعرت بالظلم الشديد، لأنها كانت تحب أخاها وتحاول الدفاع عن حقوقه، فخالفت قوانين كريون، وضحت بحياتها في سبيل إنقاذ جثة أخيها ودفنه بطريقة لائقة وفى سبيل ذلك تعرضت لكثير من الأفعال الوحشية منها الحرمان من الزواج والسجن في كهف تحت الأرض لتموت جوعًا، الأمر الذي دفعها إلى الانتحار في النهاية. وحدث الأمر نفسه ليوكاستى في مسرحية أويديبوس ملكًا لسوفوكليس وسينيكا عندما شعرت أن حبها لزوجها كان السبب في الخزي والعار الذي لحق بها، الأمر الذي دفعها إلى الانتحار؛ لتتخلص من هذا الإثم، وكذلك يوريديكى في مسرحية أنتيجونى لسوفوكليس والتي فقدت السيطرة على مشاعرها عندما علمت بموت ابنها فقررت الانتحار بعد شعورها بالحزن، فما فعلته ليس بالضرورة أن تفعله أي أم أخرى فليس كل أم تفقد ابنها تنتحر، ولكن يوريديكى نتيجة لاضطرابها وحزنها الشديد لم تستطع مواجهة الواقع الذي أصبح أليمًا عليها فانتحرت.