Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
سياسة الانفتاح الاقتصادى فى عصر السادات1974-1981/
المؤلف
أحمد, شريف أحمد إمام.
هيئة الاعداد
باحث / شريف أحمد إمام أحمد
مشرف / عبد الخالق محمد لاشين
مشرف / أحمد زكريا الشلق
تاريخ النشر
2016.
عدد الصفحات
396 ص. ؛
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
التاريخ
تاريخ الإجازة
1/1/2016
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية الآداب - قســـم التاريخ
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 396

from 396

المستخلص

فى منتصف الستينيات، عانت رأسمالية الدولة من أزمات هيكلية اضطرت على إثرها أن تتخلى تدريجيًّا عن سيطرتها على السوق وعن استقلاليتها الوطنية؛ وذلك عن طريق فك ارتباطاتها بالقطاعات الإنتاجية وتعميق ارتباطاتها بالرأسمالية العالمية، وعندئذ دخلت البلاد فى مرحلة انتقالية بدت وكأنها انتقال نحو المجهول . فى المقابل كان هناك فاعلون جدد تتبلور ملامحهم ببطء، يدشنون بحذر ممارسات جديدة مصحوبة بخطاب إيديولوجى غامض . ومع تولى السادات الحكم، لم تكن مسارات التحول النوعية نضجت بما يكفى لظهور علاقات اجتماعية مختلفة تحدد معالم العصر الجديد، ومن ثم سعى النظام الساداتى إلى تدعيم مواقفه السياسية، وكانت أهم ” اللحظات التاريخية” فى معالم صناعة سلطة هذا النظام؛ ”حركة التصحيح” فى مايو 1971 التى بمقتضاها تم التخلص من قيادات التيار الناصرى المدافعة عن ”مكاسب الثورة” والإطار العام لرأسمالية الدولة، ثم جاءت حرب أكتوبر لتُكسب القيادة الجديدة شرعية التغيير. لقد اكتسبت القيادة الجديدة درجة عالية من الاستقلالية عن القوى السياسية والاجتماعية المعبرة عن الحقبة الناصرية، بل وبدأت سياستها المبكرة تؤتى أكلها وتنتج قوى اجتماعية جديدة معبرة عن النظام، وبات من الممكن طرح سياسة الانفتاح وقوانينه.
ومن ثم فإن التحرك نحو الانفتاح لم يكن عشوائيًّا ولا من فراغ؛ بل إنه جماع تطور الاقتصاد المصرى فى الستينيات؛ الذى لم تمثل التغيرات التى تحققت فى فترة ما يعرف ” بالتحول الاشتراكى” ، تحديًا حقيقيًّا لقوى النمو الرأسمالى، ولا تناقضًا أو قطيعة كلية معها، بل على العكس ترك لها أن تحقق تراكمًا رأسماليًا تحت مظلة القطاع العام أو فى القطاعات التى سمح لها بالسيطرة عليها كالزراعة والصناعات المتوسطة والصغيرة والتجارة الداخلية والمقاولات ونحوها . ومن ثم فإنه من غير الإنصاف توصيف الانفتاح ، بأنه فصام مع طريق رأسمالية الدولة الذى تبناه ناصر؛ خروجًا عن اقتصاد السوق الذى ورثه من رأسمالية ما قبل يوليو - والذى بدا أنه غير مناسب لطموحاته - وتحاشيًا للنموذج الاشتراكى التى لا يمكن لثوار يوليو ذوى الأصول البرجوازية القبول به؛ فالانفتاح هو التطور الطبيعى لرأسمالية الدولة وفقًا لشبكة العلاقات الإنتاجية التى صاغتها وسمحت على أثرها بخلق بيروقراطية ”متبرجزة”، فى الوقت الذى أعطت ثغراتها فرصًا لاستمرار البرجوازية التقليدية فى أداء دورها من وراء ستار.
فى المقابل، فإن القوى الدولية والإقليمية لعبت دورًا فى حض السادات على أن يسلك طريق الانفتاح؛ فلقد بدا واضحًا أن التحرك نحو الانفتاح كان جزءًا من استراتيجية السادات العامة، التى تؤمن بأن مصير نهضة مصر مرهون بيدى أمريكا وليس ملف الصراع العربى الإسرائيلى وحسب، ومن ثم كان الاتجاه نحو اقتصاد السوق وتصفية الإرث الناصرى وإنجاز السلام مع إسرائيل والتحالف مع دول الخليج ، تشكل مجموعة من المفردات المتناسقة لسياسة بدت أنها تحالف مع واشنطن أملته ميول القائد وتكوينه، أكثر من كونها تقارب تمليه مصلحة الوطن واحتياجاته.
وكما كان الوضع فى التجربة الناصرية التى نظرت للاشتراكية فى أضيق معانيها؛ باعتبارها ملكية الدولة لأدوات الإنتاج، والانتقال من الرأسمالى الفرد إلى الرأسمالى الدولة، كان الوضع فى التجربة الساداتية التى اختصرت النظام الرأسمالى فى تحرير علاقات الإنتاج بحذر، وتخلى الدولة تدريجيًّا عن ملكية أدوات الإنتاج وتشجيع رأس المال الأجنبى. إن هذا الاختزال المخل لفهم القوانين الاقتصادية التى تحكم ديالكتيك النظام الرأسمالى وآليات التراكم داخله، كانت باعثًا على خلق ”اقتصاد مهجن” يجمع بين آفات الرأسمالية ومثالب الاشتراكية ، ناهيك عن الفشل التاريخى للرأسمالية كنمط للتنمية فى البلدان المتخلفة؛ لكونها لا تؤدى بطبيعتها إلى استقلال الرأسمالية المحلية بسوقها، بل إنها تربطها بربط وثيق برأس المال العالمى؛ بحيث تتكامل معه تحت هيمنة الاحتكارات الدولية، فى الوقت الذى تزيد من حدة الاستقطاب الداخلى وتدفع بأجزاء مهمة من السكان إلى أوضاع هامشية.
ومن ثم فإن سياسة الانفتاح لم تستطيع إنهاء دور الدولة الاقتصادى، فبالرغم من تخلى الدولة تدريجيًّا عن بعض التزاماتها الاقتصادية والاجتماعية ، إلا أن ذلك لم يؤد فى الواقع إلى إضعاف دورها أو نصيبها من الإنفاق والناتج المحلى الإجمالى؛ بفعل توافر موارد مالية ” ريعية” كبيرة، كالبترول وقناة السويس والسياحة وتحويلات العاملين بالخارج و القروض الغربية و المعونة الأمريكية، منذ منتصف السبعينيات فى يد الدولة لم تكن متاحة من قبل.
لقد أحدث قانون الاستثمار رقم 43 لسنة 1974 - المعبر عن سياسة الانفتاح- وما صاحبه من تشريعات اقتصادية ؛ انقلابا شاملًا فى البنيان القانونى لرأسمالية الدولة وقطع أوصال مؤسساتها وصاغ الإطار القانونى والمؤسسى الملائم لحركة رأس المال العالمى؛ فى سعيه لإعادة دمج الاقتصاد المصرى كاقتصاد تابع. لقد تخلت الدولة بموجب تشريعات الانفتاح عن أى تخطيط، وتم تصفية احتكارها للنشاط المصرفى والتجارة الخارجية وألغيت المؤسسات العامة وسمح بالوكالة التجارية للأفراد.
ومع دخول سياسة الانفتاح حيز التنفيذ، صار جليًّا ضآلة نصيب الاستثمارات الأجنبية المتدفقة للاقتصاد المصرى ”المنفتح”، وعدم تناسبها مع حجم الضمانات والامتيازات التى تقررت لهذه الاستثمارات. بل إن معظم الاستثمارات توجهت للقطاعات غير الإنتاجية كالبنوك وشركات الاستثمار والسياحة تاركة القطاع الصناعى للاستثمار الحكومى. كما سعت الاستثمارات الأجنبية لإقامة أشكال جديدة من الاستثمار المشترك مع القطاع العام، وهى مشاركة تضمن لها إقامة علاقات مالية واقتصادية متينة مع الحكومة، وتضمن لها السيطرة على أسواق البلاد. ولم يكن سلوك المال العربى مختلف عن رأسمال الأجنبى، ففضَّل قطاعات السياحة والبناء و البنوك.
وكان عام 1976 حاسمًا فى عمر الانفتاح وشاهدًا على دخوله فى نفق مظلم؛ حيث باتت المؤشرات الاقتصادية تشير إلى تفاقم عجز ميزان المدفوعات وتراكم الديون لا سيما المصرفية وانخفاض معدل الاستثمار المباشر، وبينما كانت مصر تتورط أكثر فأكثر فى الديون، لم تُبدِ أيًّا من القوى الخارجية التى شجعت مصر على السير فى هذا الطريق أى استعداد لوضع حد لمتاعب الاقتصاد المصرى؛ فالولايات المتحدة و دول الخليج والهيئات المالية الدولية اشترطوا إعادة هيكلة الاقتصاد المصرى وفق شروط صندوق النقد الدولى؛ كشرط للحصول على المساعدات المالية. والمشكلة الأعمق أن الشروط التى وضعها صندوق النقد كانت قائمة على نموذج مفرد للتنمية، لا يأخذ فى الحسبان التنوع الكبير فى المؤسسات والبنى وتوجهات السياسة فى البلدان النامية. وهذا النموذج ينطوى على مجموعة من الأحكام القيمية المنحازة للتنمية القائمة على توجهات السوق، والمناهضة لتدخل الحكومة فى الاقتصاد.
وبالفعل، ذهبت مصر شوطًا أبعد نحو تحقيق مطالب الصندوق؛ فخفضت من القيود على الاستيراد، وسمحت للأفراد بحيازة النقد الأجنبى، وضيقت الفجوة بين قيمة الجنيه الرسمية وقيمته السوقية .. الخ. ومع ذلك ظل صندوق النقد غير راضٍ عن الدعم الذى تقدمه الحكومة للسلع الضرورية و لشركات القطاع العام. ولم يخفف من قسوة خبراء صندوق النقد فى إملاء شروطهم إلا أحداث يناير 1977، والتى أقنعتهم بضرورة تأجيل بعض الشروط.
مع نهاية عام 1977 كانت سياسة الانفتاح قد أعيد لها الأمل مجددًا عبر دفعات القروض والمنح من دول الخليج والولايات المتحدة والمؤسسات المالية الدولية ونادى أصدقاء باريس، وشارفت معدلات النمو على 9%، وإن ظل الاستثمار المباشر عند مستويات منخفضة. لقد حلت القروض الأجنبية بشروط يختلط فيها ما هو سياسى بما هو اقتصادى حتى باتت أقرب إلى الوصاية على الاقتصاد المصرى، ولم يكن الأمر وقفًا على القروض الغربية بل إن دول الخليج طالبت بإشراف مماثل على الاقتصاد المصرى. وفى المقابل، صدت تلك التدفقات المالية الإدارة المصرية عن تنفيذ إصلاحات اقتصادية جديدة، وعن التواصل مع صندوق النقد؛ خصوصًا وأن توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل بات على بعد خطوة وبعدها ستتدفق أموال جديدة فى صورة مشروع كارتر هكذا كان النظام المصرى يمنى نفسه.
دخل النظام الساداتى عام 1979 فى ظل جو من التفاؤل، زاد منه توقيعه معاهدة السلام مع إسرائيل غير آبه بحجم التنازلات التى قدمها؛ فالرجل لم يكن يبصر سوى المليارات التى تنتظره من جراء هذا السلام فى صورة ”مشروع وهمى” أسماه السادات مشروع كارتر وحدد رأس ماله بقرابة 15 مليار دون أن تعد الإدارة الأمريكية بشيء . لكن الأمور تبدلت؛ فبوغت السادات بالموقف الخليجى الذى قرر الانفصال عن المسار الذى ارتضى الشراكة فيه من قبل ، وتوقفت الاستثمارات غير المباشرة التى كانت تأتى من الخليج ودخلت القاهرة فى قطيعة مع العرب، بالتوازى مع توقف التعاون المصرى مع صندوق النقد. وجاء عجز الإدارة الأمريكية عن توفير مشروع لدعم مصر يكون بديلًا عن الدعم العربى؛ لتسد كل الطرق فى وجه السادات وتخلق نهاية مأساوية لعصر الانفتاح.
لقد فشل الانفتاح فى تحقيق هدفيه وهما نقل رأس المال الأجنبى والتكنولوجيا الغربية؛ لكنه نجح فى تحقيق أهداف القوى الداخلية والخارجية التى دفعت نحو تبنيه كخيار تنموى. لقد أنتج الانفتاح اقتصادًا مشوهًا منقسمًا إلى عدة أجزاء، لكل منها قواعده وآلياته الخاصة، وسط نمو للأنشطة الطفيلية وتوسع فى مجالات الاقتصاد الخفى، وارتفاع فى الاستهلاك التفاخرى. وبات الاقتصاد أكثر تبعية للاقتصاد الرأسمالى العالمى فى ظل تفاقم الدين الخارجى وارتفاع تكلفة خدمته وتفاقم عجز الميزان التجارى وزيادة معدل التركيز فى التجارة الخارجية لصالح التجارة مع الولايات المتحدة.
لقد خلق الانفتاح لنفسه نخبته الخاصة ذات طابع مهجن متعدد الروافد جمعت بين البرجوازية التقليدية ، ما قبل نظام يوليو، و البرجوازية البيروقراطية الأجيرة القادمة من رحم رأسمالية الدولة والرأسمالية الكمبرادورية التى نمت بفعل اتساع الوكالة التجارية للأفراد وتجارة العملة والمضاربات ونحوها. بالإضافة إلى أن مصدر التكوين والتراكم الرأسمالى لنخبة الانفتاح جاءت من الخارج؛ أى من رؤوس الأموال الموظفة فى الاستثمارات المباشرة والأموال القادمة عبر الاستثمارات غير المباشرة التى تكونت خارج القطر المصرى فى دول الخليج و الغرب وبخاصة الولايات المتحدة؛ مما يعنى أن هذه الأموال لم تتولد من العملية الإنتاجية من الداخل.
ورغم أن النخبة الانفتاحية تطابقت رؤيتها مع رؤية النظام الساداتى، إلا أنها لم تكن لتفرض توجهاتها أو تعمل من أجل الإسراع بإنفاذها بدون مساندة ودعم من قمة السلطة السياسية التى فتحت أمامها سبل خلق شبكات الاستثمار المشترك والأعمال المشتركة فى الأقطار النفطية العربية وكذلك دوائر الأعمال والمال الغربية؛ وذلك بإلغاء القوانين المنظمة للنشاط الاقتصادى والمالى والتجارى التى كانت تضمن سيطرة القطاع العام على النسبة الكبرى من الإنتاج والتوزيع والتصدير والاستيراد.
وأخيرًا فإنه لا يمكن الحديث عن سياسة الانفتاح الاقتصادى باعتبارها سياسة مُورست فى حقبة تاريخية مضت وسكنت خانات الفعل الماضى، حقبة من المفترض أنها انقضت واحتلت مكانها على جدران ذاكرة الإنسان المصرى وراح يبحث لنفسه عن سبيل جديد للتنمية الاقتصادية. فالانفتاح لا زال ممتدًا وموجودًا فى الواقع المعاصر وإن تغير مسماه.