Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
مدى تأثر الفارابى بالفلسفة السياسية والقانونية اليونانية/
المؤلف
سليمان, إيناس ممدوح محمد محمد.
هيئة الاعداد
باحث / إيناس ممدوح محمد محمد سليمان
مشرف / طه عوض غازى
مشرف / محمد على الصافورى
مشرف / السيد عبد الحميد فودة
تاريخ النشر
2016.
عدد الصفحات
487 ص. ؛
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
قانون
تاريخ الإجازة
1/1/2016
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية الحقوق - قسم فلسفة القانون وتاريخه
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 487

from 487

المستخلص

ظلت الدولة المثالية حلماً ملحاً على عقول الفلاسفة نتيجة لرفضهم لواقعهم السياسى والاجتماعى وتصورهم لعالم أفضل يعيش حالة من الانسجام بين طبقات مجتمعه ويتسم بالهدوء والتوازن وهو تصور أخلاقى فى المقام الاول للدولة المثالية. وكان للفلسفة اليونانية الدور البارز فى وضع قواعد النظام السياسى والاجتماعى للدولة خاصة أفكار افلاطون وارسطو السياسية التى لعبت دور هام فى النظام القانونى للدولة وذلك بالتفكير والتأمل فى القيم السياسية والاخلاقية فى المجتمع كالعدل والمساواة والحرية، وبذلك تكون فلسفتهم السياسية تتمحور حول الغايات المستخلصة من السلطة بصفتها الاداة الضرورية لتحقيق القيم الاجتماعية. فجاء تصور افلاطون لمدينته المثالية لخلق مدينة صالحة تعد نموذجاً لباقى المدن، وأرسى فى جمهوريته مبدأ ان قيادة الدولة هو علم فى حد ذاته رافضاً أنظمة الحكم التى أثبتت فشلها سياسياً وأجتماعياً وهو ماترتب عليه انهيار الدولة الاثينية فى الحرب البولينزية، وان الأفضل للجمهورية هو خضوعها لحكم الملك الفيلسوف الذى يعد هو أكثر العقول خبرة سياسية. ولما كان على الدولة ان تتأسس على العقل فأن قوانينها يجب ان تكون قوانين عقلية وذلك لن يتم الا بأشخاص عقلانيين أى الفلاسفة لأنهم الأجدر على تحقيق العدل. ولعل أهم كتاب تركه أفلاطون هو الجمهورية ولكن الجميع يتناسى عنوانه الثاني العدالة على الرغم من أهميته و قصد أفلاطون في محاورة الجمهورية تجديد صورة الدولة المثالية التي تتحقق فيها العدالة الاجتماعية، من حيث هي فضيلة النفس الفردية، ونظام يتعلق ببيان تكوين الدولة، ليتمكن من تحديد الظروف الواجب توافرها كي تتحقق العدالة في كل منهما.‏ وقد تضمنت محاورة الجمهورية تعريف العدالة وتحديد شروط تحققها وعرض آراء مختلف لتعريف العدالة ‏و بيان مصادر الفساد في الدولة وفي الفرد وفي نشوء الدولة. يرى أفلاطون أن الفرد وحده ضعيف، ومن ثم يكون الاجتماع ضرورة تحتمها الحياة الإنسانية، وعن اجتماع الأفراد نشأت الحاجة إلى تقسيم العمل فيما بينهم من أجل توفير كافة احتياجاتهم الضرورية، ولا تقتصر حاجات الإنسان على متطلبات الحياة المادية، وإنما ينبغي لأهل المجتمع أن يتذوقوا الفنون والآداب، وبارتقائهم في أساليب الحياة تزيد حاجاتهم الكمالية فتشتبك المصالح وتنشأ الحروب، ومن هنا ينبغي تكوين طبقة من المحاربين المحترفين يتولون حراسة المدينة والدفاع عنها كما تحتاج المدينة إلى طبقة من الحكام، يوجهون الرعية إلى العمل الصالح ويرشدون المدينة إلى طريق الخير ويحققون لها العدالة ويؤكد أفلاطون على انقسام المجتمع إلى ثلاث طبقات متميزة ويرى أن لكل طبقة منها وظيفة هيأتها لها الطبيعة وخصتها بها، بحيث لا ينبغي لها أن تتدخل في العمل الطبقة الأخرى، فالعدالة هي اهتمام كل فرد بما يخصه.‏
وخلاصة القول فإن أفلاطون يذهب في السياسة مذهباً أرستقراطياً يخالف فيه ديمقراطية ”أثينا” حيث يرى أن تدخل الأكثرية في السياسة والحكم يثير الفوضى، ويخالف مفهومه للعدالة الذي يقوم أساساً على تخصص طبقة أرستقراطية في الحكم، لأن لها فوق سواها مواهب الحكمة والشجاعة والعدالة والمساواة يجب أن يقترنا معاً في طبقة الحكام لذلك نادى بالشيوعية وبمساواة النساء والرجال في هذه الطبقة فتشارك المرأة الرجل في جميع الأعمال الخاصة بالطبقة، والحكام عند أفلاطون يجب أن يكونوا من الفلاسفة، كما يرى ان المعرفة أهم من القوانين لذلك نجده فى جمهوريته يستبدل القوانين بالتعليم لكنه عاد ليعترف بضرورة القوانين. ويرى انها بالرغم من عجزها فى احتواء كل الحياة البشرية الا انه لا يوجد نظام قانونى كاملا نظراً لتعدد أاتجاهات البشر، كذلك نجد انه لم يعد من أنصار الحكم المطلق بل أيد وجود القوانين ونادى بعمل مقدمات لها لتضفى عليها عنصر الاقناع وطالب بضرورة معرفة الافراد للقانون وفهم أسبابه ودوافعه. ويؤكد فى الجمهورية الى ان الغاية هو تحديد صورة الدولة المثالية التى يتحقق فيها العدالة التى تعد فضيلة النفس الفردية، كذلك تمثل نظام الدولة الذى اقتضى بحثه تفسير طبيعة الانسان وتكوين الدولة على حد سواء حتى يمكن تحديد الظروف الواجب توافرها كى تتحقق العدالة لكلا منهما.
أما ارسطو فيعد فكره السياسي هو المدخل الأمثل لفهم بدايات التفكير المنهجي في موضوعات الديموقراطية فى الدولة والحكم على حد سواء. ولقد انتقل من أسلوب المحاورات المعروفة لدى أفلاطون إلى أسلوب المحاضرات المعروفة بدقتها وشكلها الأدبي، وقد اتسم منهج أرسطو في البحث بالواقعية و معالجة العلوم الإنسانية من خلال الاعتماد علي الملاحظة العملية الدقيقة و استخلاص النتائج، وهو ما يعني أنه قد أتجه إلي الواقع.
يرى أرسطو بأن الهدف الحقيقي للدولة يجب هو الارتقــاء بمواطنيهــا، وتعتبر الدولة في رأي أرسطو أسمى من الفرد والعائلة والمدينة لأنها تمثل الكل، والكل أسمى من الجزء لأنه إذا فسد الكل لا يبقى الجزء. كما آمن أرسطو بأن توزيع الثروة العادل في المجتمع من الأمور الأساسية لضمان الاستقرار السياسي وذلك من خلال وجود طبقة وسطى كبيرة. فالدولة عند أرسطو أساسها هو المجتمع لذلك يسعى لتحقيق قيم المواطنة داخل المدينة، لتحقيق الغاية الاساسية و ي الحياة الفاضلة أي سعادة المواطن وتحقيق العدالة والمساواة بين افراد المجتمع. والمواطن لديه هو من يقوم بممارسة السلطة السياسية والمشاركة فيها بشكل مباشر، فهو ساكن المدينة المتفرغ للشأن السياسي العمومي. أما الأجانب والعبيد فهم الافراد الذين لم يصلوا إلى درجة المواطنة، فلم يكن لهم حق المشاركة في الحياة السياسية للمدينة.
ويؤكد أرسطو على أن المصلحة العامّة هي معيار السياسة فالدساتير السليمة أو الطبيعية هي التي تُمارس فيها السلطة بغية تحقيق هذه المصلحة العامّة والدساتير الغير السليمة أو المنحرفة هي التي تُمارس فيها السلطة بهدف خدمة المصلحة الخاصّة لمن يتولاها ونظرا لأن هذه السلطة، هي بالضرورة، بيد رجل واحد أو أقلية أو جماهير المواطنين فمنه يمكن تمييز ثلاثة أشكال سليمة للأنظمة الحاكمة هي: الملكية، والأرستقراطية والجمهورية بينما الحكومات المنحرفة تتمثل فى الطغيان والأوليجاركية والديمقراطية.
وبالرغم من ان الفلسفة اليونانية قد انتقلت الى بلاد المشرق الذين قاموا بترجمة العديد من الكتب والمؤلفات اليونانية، وكثير من فلاسفة العالم الاسلامى قد تأثروا بالفلسفة اليونانية خاصة أبى نصر الفارابى الذى قام بنقل الكثير من شروح ومؤلفات ارسطو كذلك تأثره بجمهورية أفلاطون وبمدينته المثالية فقام بوضع اسس لمدينته الفاضلة التى يهتم فيها بالمسائل الاجتماعية ويشيد بتكافل المجتمع وتضامنه لحل مشاكله الدنيوية والتى يتحقق التعاون والعدل بين افرادها للوصول فى النهاية الى تحقيق سعادة أفرادها لذلك نجده فى مدينته الفاضلة يوضح الفرق بينها وبين المدن الضالة والشروط الواجب توافرها فى حكام هذه المدينة وهو لا يرى تساوى الافراد فقط فى الحصول على نفس القدر من الدخل والثروات بل نادى فيها بتقسيم العمل بين أفراد المجتمع تقسيماً يتناسب مع كفاءتهم شريطة ان تسود روح التعاون والتضامن وبالتالى اتسعت دائرة أفكاره المثلى عن المجتمع ولم تعد تختص الامور المعتادة كالتعاون على البر والتقوى بل اتسعت لتشمل التكافل الاجتماعى فيصف علم السياسة بانه السعادة الجماعية بين كل الناس فى الدولة.
الفارابي فقد ظن أن معاني الجمهورية الأفلاطونية تتخلص في الرئيس الفيلسوف، ورأى أن الناس قد جمعتهم الضرورة، وأخضعتهم لإرادة رئيس واحد، تتمثل فيه المدينة بخيرها وشرها فتكون فاسدة إذا كان حاكمها جاهلاً بقواعد الخير أو كان فاسقاً أو ضالاً.‏ أما المدينة الخيرة أو الفاضلة، فهي نوع واحد، ويرأسها فيلسوف والفارابي يصف رئيسه بكل فضائل الإنسانية، أما مصادر القانون لديه فتتلخص فى آرائه في الموجود الأول التى تتفق كل الاتفاق مع مبادئ الإسلام وما يقرره في صدد الذات العالية وصفاتها، وتنم عن قوة إيمان الفارابي وسلامة عقيدته، فهو يقرر أن الله لا يمكن أن يشوب وجوده وجوهره عدم. لذا هو أزلي دائم.
وأخيرا أفلاطون والفارابي فيلسوفان كبيران، تتطابق النظرية السياسية لكل واحد منهما مع فلسفته العامة، وكلاهما أرسى دعائم نظرية سياسية خاصة، تعبر عن أزمة العصر الذي عاش فيه من الوجود بجوهره وذاته من غير أن يكون به حاجة إلى شيء آخر يمد بقاؤه.‏
فقد وضع الفارابي تصميماً لمدينته الفاضلة، وقد جاء تصميمه هذا مشابهاً لجمهورية أفلاطون مع بعض فروق نتيجة تأثره بمبادئ الدين الإسلامي.‏ وتكلم فى مدينته الفاضله عن احتياج الإنسان إلى الاجتماع والتعاون.‏ و خصال رئيس المدينة الفاضلة.‏ومضادتها والعدل وأهم وظائف المدينة الفاضلة وأكثرها خطراً في نظر الفارابي هي وظيفة الرياسة وذلك لأن رئيس المدينة هو السلطة العليا التي يستمد منها جميع السلطات، وهو المثل الأعلى الذي ينظم جميع الكمالات، ومنزلته من سائر أفرادها كالقلب من أعضاء الجسم، بل إن منزلته فيهم كمنزلة الله من العقول وسائر الموجودات.‏ ولذلك لا يصلح للرئاسة إلا من زود بصفات فطرية ومكتسبة تتمثل فيها أقصى ما يمكن أن يصل إليه الكمال في الجسم والعقل والعلم والخلق والدين.‏
وأفكار الفارابى المثالية لم تكن بعيدة عن أبجديات النظام السياسى فى الاسلام الذى أرسى قواعد أساسية ووضع لها أطر عامة قابلة للتطور والاجتهاد وهذه هى إحدى فضائله التى تميز بها عن غيره، فكرم الاسلام العلم وحث المسلمين على البحث والاستفاضة فيه للاستفادة منه فى تنوير العقول والارتقاء بالمجتمعات الإنسانية وإرساء قيم العدالة والمساواة بين افراد مجتمعه معترفاً بان العدالة هى مبدأ اخلاقى للحياة الاجتماعية تقوم على الاعتراف بحقوق الاخرين واحترامها فيكون حق طبيعيا ويسمى إنصافاً وقد يكون حق وضعياً فيسمى قانوناً.
وأخيرا أفلاطون والفارابي فيلسوفان كبيران، تتطابق النظرية السياسية لكل واحد منهما مع فلسفته العامة، وكلاهما أرسى دعائم نظرية سياسية خاصة، تعبر عن أزمة العصر الذي عاش فيه.