Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
الضمانات الدستورية والقانونية لحرية الاجتماع في العراق ومصر:
المؤلف
علوان, عمار محسن.
هيئة الاعداد
باحث / عمار محسن علوان
مشرف / علي عبد العال سيد أحمد
مشرف / ربيع أنور فتح الباب
مشرف / صبري محمد السنوسي
تاريخ النشر
2016.
عدد الصفحات
516 ص. ؛
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
قانون
تاريخ الإجازة
1/1/2016
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية الحقوق - القانون العام
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

المستخلص

لقد تبين لنا في نهاية بحثنا عن حرية الاجتماع إن العلاقة بين ممارسة هذه الحرية والنظام العام هي علاقة تكاملية غايتها استقرار المجتمع وضمان أمنة من جهة وإلى تمتع المواطنين بحرياتهم الدستورية من جهة أخرى.
وتجدر الإشارة إلى إن من المستقر في فقه القانون الدستوري عدم التعارض بين الحرية وتنظيمها لأن تنظيمها هو الذي يوفر المناخ الملائم لممارستها، وبدون التنظيم تصبح الحرية فوضى لا يمكن للفرد أن يتمتع بها.
فالحرية المطلقة تؤدي إلى الفوضى والانفلات الأمني وإلى مفسده مطلقة، لذلك فإن النص الدستوري ليس مطلقاً لأنه يقر بإحالة تنظيم حرية الاجتماع العام بموجب قانون. وإن حرية الاجتماع تعد أحد أنوع الحريات السياسية التي لا يجوز تقييدها إلا بإتباع الوسائل الموضوعية والإجرائية التي يتطلبها الدستور أو يكلفها القانون.
ولذلك فإن النص في الدستور على الحقوق والحريات لا يكفي بذاته لضمان ممارستها على النحو الصحيح، حيث أن القوانين التي تصدر بتنظيم هذه الحقوق والحريات قد تتجاوز نطاق تنظيمها إلى تقييدها بقيود تصل إلى مصادرتها، ويرجع السبب في ذلك إلى أن الأصل في سلطة المشرع في هذا المجال أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معين تحد من إطلاقها وترسم بالتالي حدوداً لممارستها لا يجوز تخطيها، واتضحت هذه الحقيقة بدراسة التنظيم المقيد بشدة لحرية الاجتماع الذي وضعه القانون رقم 14 لسنة 1923 بشأن الاجتماعات العامة والمظاهرات في الطرق العمومية في مصر وكذلك القانون رقم 107 لسنة 2013 الخاص بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية النافذ حالياً في مصر، إضافة إلى قانون الاجتماعات العامة والمظاهرات رقم 115 لسنة 1959 الملغي في العراق، وذلك على الرغم من النص الصريح في العديد من الدساتير العراقية والمصرية على كفالة حرية الاجتماع.
ونتيجة لأهمية حرية الاجتماع فإن تطويرها وإنماءها من خلال الجهود المتواصلة الساعية إلى إرساء مفاهيم هذه الحرية ليس فقط على المستوى الداخلي بل أيضاً على المستوى الدولي بين الأمم المتحضرة أصبح اليوم مطلباً أساسياً تأكيداً لقيمتها الاجتماعية وتقديراً لدورها في مجال إشباع المصالح الحيوية المرتبطة بها وقد واكب هذا السعي وعززه بروز المجتمع المدني ومنظماته المختلفة في إضراب ومنظمات وجمعيات تمارس أغلب نشاطها في مجال العمل الجماعي.
وانتهينا في معالجتنا لمفهوم لحرية الاجتماع أنه يمكن إلحاقها بالحريات المعنوية والفكرية، كما أنها تعتبر أحدى الحريات الجماعية أو حريات التجمع على أساس أن الفرد لا يمكن له ممارستها إلا في التجمع على أساس أن الفرد لا يمكن له ممارستها إلا في جماعة. وتتمثل عناصر الاجتماع العام في كل من التنظيم أو التدبير السابق والتأقيت، وتبادل الأفكار والآراءمن أجل الدفاع عن المصالح المشتركة وعمومية الدعوات. كما أن هذه العناصر كفيلة بتمييز الاجتماعات العامة عن غيرها من أنواع التجمعات التي قد تتشابه معها كالاجتماعات الخاصة والمظاهرات والمواكب والتجمهر. وأوضحنا أن حرية الاجتماعات العامة تعتبر من أهم الحريات المعنوية والفكرية التي تؤثر في تكوين الرأي العام الذي يعد بدوره أقوى ضمانات الحرية في مواجهة بطش السلطة وتعسفها. كما أنها تمثل أهم وسائل ممارسة الحرية الحزبية فضلاً عن كونها ضمانة كبرى لممارسة باقي الحريات. ولذلك تتمتع حرية الاجتماعات العامة بمكانة متميزة في إعلانات الحقوق والمواثيق والاتفاقيات الدولية حتى تكاد تمثل العامل المشترك بينها جميعاً.
وفي ضوء دراستنا لهذه الحرية في العراق حيث يراد تطبيق النظام الديمقراطي وجدنا إن قانون الاجتماعات العامة والمظاهرات رقم 115 لسنة 1959 الملغى هو الذي كان ينظم هذه الحرية ولكن بعد الاحتلال الأمريكي للعراق صدر أمر سلطة الائتلاف رقم 19 لسنة 2003 ليحل محل القانون المذكور في تنظيم هذه الحرية إلا إن هذا الأمر وعلى الرغم من أنه بين في أسبابه الموجبة بأنه صدر بهدف تمكين الأفراد من ممارسة حرية الاجتماع بشكل أفضل مما كانت عليه في السابق إلا أنه في الواقع صدر بصوره مستعجلة جداً فلم يضع التنظيم المناسب لممارسة حرية الاجتماع في مجتمع يراد له تطبيق النظام الديمقراطي فجاء بأحكام غريبة لم يسبقه إليها قانون دوله من الدول التي تقرر هذه الحرية وقيدها بقيود تصل إلى حد مصادرتها.
وبمقارنة التنظيم القانوني لحرية الاجتماع العام في العراق بالتنظيم الذي اتبعه المشرع المصري باعتباره المصدر الثاني بعد المشرع الفرنسي الذي استقى منه المشرع العراقي معظم أحكامه المتعلقة بحرية الاجتماع، نجد أن القانون المصري والعراقي قد عمدا إلى فرض العديد من القيود الشديدة على ممارسة تلك الحرية، كما أنه منح سلطات الضبط الإداري سلطات استثنائية واسعة، فضلاً عن النص على عقوبات جنائية قاسية في مخالفة الأفراد لأحكامه في مصر وكذلك العراق رغم أنه لا توجد نصوص لمخالفة أحكام قانون الاجتماع العام إلا فيما يخص التجمهر.
لذلك وفي ختام بحثنا سوف نقارن باختصار شديد بين احكام الدستورين العراقي لعام 2005 النافذ حالياً والدستور المصري لعام 2014 النافذ حالياً ايضاً فيما يخص (حرية الاجتماع والتظاهر السلمي)واهم الفروق بين الدستورين في تناول الاجتماع والتظاهر السلمي هي:-
1- ان الدستور العراقي لعام 2005 قيد (حرية الاجتماع والتظاهر السلمي) بقيدين مطاطيين خطيرين هما (النظام العام) و (الآداب) وذلك في نص المادة 36( ), والمعروف ان مثل هذين القيدين هما مقتل للحريتين او الحقين المذكورتين، حينما تستغلهما السلطة التنفيذية لتعطيل حرية التعبير والاجتماع والتظاهر السلمي، فما اسهل من الادعاء بان ممارسة تلك الحقوق قد تجاوزت الآداب او خرقت النظام العام، خصوصا وان هذين المفهومين (النظام العام والآداب) مصطلحين مطاطيين لم يتمكن احد - لحد الان - من تحديد مفهوم واضح لهما ابدا. في حين لم يقيد الدستور المصري الجديد حرية الاجتماع والتظاهر السلمي باي قيد مطلقا، فهما حقان مطلقان يمارسهما الناس بلا خوف من ان يدعي (تنفيذي باغ) او (قاض ذليل تابع) بان هناك تجاوز لحدود الحق في الاجتماع او التظاهر السلمي.
2- قطع (الدستور المصري الجديد لعام 2014) كل جدال ونقاش في كون الاجتماع والتظاهر السلمي يحتاج الى (اذن) بإقامة الاجتماع او التظاهر السلمي من السلطات، ام انه لا يحتاج الا الى (اخطار) بهما فقط، فنص على ان اقامتهما لا يحتاج الا الى (اخطار) فقط، وليس للسلطات – بالتالي – حق منع احد من اقامة اجتماع عام او خاص او تظاهرة سليمة لأي سبب مهما كان، ولا يجوز للسلطة التشريعية ولا لرئيس الوزراء ولا لرئيس الجمهورية ان يمنع احد من اقامة اجتماع عام او تظاهرة سليمة، ولا يمكنهم اصدار قانون او قرار او امر بمنع ذلك باي حال من الاحوال وتحت اية حجة من الحجج و وذلك في نص المادة 73 من دستور مصر لعام 2014 النافذ حاليا والتي نصت على (للمواطنين حق تنظيم الاجتماعات العامة, والمواكب والتظاهرات, وجميع أشكال الاحتجاجات السلمية, غير حاملين سلاحا من أي نوع, بإخطار علي النحو الذي ينظمه القانون.
وحق الاجتماع الخاص سلميا مكفول, دون الحاجة إلي إخطار سابق, ولا يجوز لرجال الأمن حضوره أو مراقبته, أو التنصت عليه)( ).
بينما ترك الدستور العراقي الامر سائبا، لذا فأن السلطة التنفيذية وتابعيها في مجلس النواب يصرون على النص في (مشروع قانون تنظيم حرية التعبير والاجتماع والتظاهر السلمي) - الذي كان معروضا على مجلس النواب في فترة سابقة - بمنع اقامة اي اجتماع او تظاهر السلمي الا بأذن من الجهات الادارية المختصة، ولهذه الجهة الادارية - بتحكم مزاجي كامل لا ضوابط ولا اسس - الحق في الاذن او رفض اعطاء الاذن، فهي سترخص من الاجتماعات والتظاهرات التي تحلو لها وتمنع من لا يروقها اقامتها او تقييد عليها من حيث المكان او الزمان.
فيكون حق الناس في التعبير عن مطالبهم وآرائهم عن طريق الاجتماع والتظاهر السلمي مرهون بإرادة اداري واحد، اي ان الدستور العراقي ترك ارادة الشعب - مصدر السلطات - مرهون بمزاج حزبي فاشل لا احد يعلم كيف وضع في منصبه. في حين حمى الدستور المصري حق الشعب في التعبير والاجتماع والتظاهر بطريقة لا يمكن ان يدخل منها (باغ) ليمنع الناس من التعبير عن مطالبهم بالتظاهر او الاجتماع.
وكان من اهم اخطر اثار اغفال الدستور العراقي النص على هذه المسئلة ان قامت السلطة التنفيذية بتقييد الحق في الاجتماع والتظاهر السلمي بقرار من رئيس مجلس الوزراء، فمنع اقامتها الا بأذن مسبق رغم انه لا يملك ذلك، ثم جاءت بأشد انواع القيود صرامة على حرية التعبير والاجتماع والتظاهر السلمي في مشروع القانون المشار اليه.
3- ان الدستور العراقي جاء بصياغة توحي بان حرية التعبير والاجتماع والتظاهر السلمي انما هما منحة من الدولة بقوله في بداية النص (تكفل الدولة...) في حين جاء الدستور المصري بصياغة اكثر وعيا لطبيعة الحقين المذكورين ولم تجعلهما كأنهم منحة من الدولة بل نص :- بأنها (مكفولة). فلم يربطهما بالدولة، لانهما حقين اصليين للإنسان لا تتفضل الدولة بمنحهما، بل هما اقدم واسمى واعلى منها.
4- الا ان الدستور المصري تضمن عيبا واحد - تجنبه الدستور العراقي - هو ان الدستور المصري منح الحق في الاجتماع والتظاهر السلمي والحق في الحصول على المعلومات (للمواطنين) فقط، في حين ان الحق في الحصول على المعلومات والحق في الاجتماع والتظاهر السلمي حقين من حقوق الانسان الاصلية فلابد من كفالتهما لكل انسان على اقليم الدولة سواء اكان وطني ام اجنبي.
وفي ختام دراستنا المتواضعة لحرية الاجتماع لا يسعنا إلا أن ننهي هذا البحث ببعض النتائج التي توصلنا إليها وبعض التوصيات الخاصة بممارسة هذه الحرية في العراق ومصر، وهي على النحو التالي:
أولاً: النتائج:
1. اتضح لنا من خلال الدراسة أهمية حرية الاجتماع في المجتمعات الديمقراطية وتأثيرها الكبير على تكوين الرأي العام باعتبارها إحدى الحريات الأساسية التي لها عظيم الأثر على الحريات الأخرى وخصوصاً حرية التعبير والرأي فحرية التعبير تفقد الكثير من قيمتها إذا جدد المشرع حق من يلوذون بها في الاجتماع المنظم وحجب بذلك تبادل الآراء في دائرة أوسع بما يحول دون تفاعلها وتصحيح بعضها بعضاً ويعطل تدفق الحقائق التي تتصل باتخاذ القرار.
فهدم الحرية إنما يقوض الأسس التي لا يقوم بدونها نظام للحكم يكون مستنداً للإدارة الشعبية ولا تكون الديمقراطية فيه حقيقية وإنما تصبح إجماعاً زائفاً أو تصالحاً مرحلياً لتهدئة الخواطر سرعان ما يظهر زيفه وسرعان ما يتم اللجوء إلى أساليب أخرى غير ديمقراطية للتعبير عن الرأي كالثورات والانقلابات.
2. إذا كانت الدساتير قد أباحت تنظيم استعمال حرية الاجتماع بقانون فإنها لم تقصد الانتقاص منها ومن ثم يكون كل قانون يصدر وهو ينتقص من هذه الحرية أو يهدرها قانوناً غير دستوري وجديراً بالإلغاء.
3. تعتبر حرية الاجتماع من الحريات الأساسية التي يتعدى أثرها الفرد إلى المجتمع وإلى السلطة، وبالتالي تحتاج إلى تنظيم يبعدها عن تعسف الإدارة في قيامها بوظيفة الضبط الإداري لتحقيق متطلبات حماية النظام العام.
4. يتعين تقييد سلطة الضبط الإداري بقيود تمثل ضمانات قانونية للحرية كالنص عليها في الدستور، وأن يكون تنظيم الحرية بقانون يكفل تحقيق أسباب التوسط والتوازن بين اعتباري الحرية والنظام، وأن تتوفر للأفراد وسائل المطالبة القضائية وأن يحقق القضاء لهذه الحريات ضمانات جدية في مواجهة السلطات العامة بحيث يصبح احترام الحريات التزاماً قانونياً تلتزم به السلطة.