Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
توظيف التراث في المسرح الشعري الصيني والمصري :
المؤلف
تهامي، دينا محمد.
هيئة الاعداد
باحث / دينا محمد تهامي
مشرف / جان إبراهيم بدوي
مشرف / سيد محمد السيد قطب
مشرف / منى فتوح
الموضوع
الأدب الصيني.
تاريخ النشر
2016.
عدد الصفحات
150 ص. ؛
اللغة
الصينية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
الأدب والنظرية الأدبية
تاريخ الإجازة
1/1/2016
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية الألسن - اللغة الصينية
الفهرس
Only 14 pages are availabe for public view

from 150

from 150

Abstract

يجب أولاً أن نفرق بين المسرح الشعري والشعر المسرحي، فالمسرحية الشعرية شكل أدبي يكتب بالشعر، المسرحية بأكملها من حوار بين الشخصيات وأحداث مبنية بالشعر، وبالتالي فهي تصلح للقراءة فقط ولا تصلح للعرض، أما الشعر المسرحي فهو توظيف لبعض التقنيات المسرحية في القصائد
تأسس المسرح الشعري في الغرب على إيقاع الشعر وصوره وأساليبه التعبيري وتعد المآسي الشهيرة للأدباء اليونانيين لكل مناسخيليوس، سوفوكليس، يوريبيديس وملهاة اريستوفانيس الدعائم التي رسّخت هذا الفن لذلك تذيع مقولة إن المسرح هو أبو الفنون لأنه يضم الشعر والدراما والتمثيل والفن التشكيلي ، استمرت حركة الإبداع المسرحي الشعري خلال القرن التاسع عشر، فنري لشكسبيرتاجر البندقية، هاملت1600-1602، الملك لير1603-1606، روميو وجوليت1593-1596، كما نجد أعمال الألماني غوته مثل فاوست 1808. وسالومي للإنجليزي أوسكار وايلد 1893
إن كتاب (الأغاني) يعد من أوائل الكتب الشعرية بالصين وكان من ضمن محتواه ما هو أشبه بالحوار الذي نُظم بالشعر. مثل: (محكمة لياو) و(الحرير الخشن) وكان هذا هو الشكل الأولي أو البدائي للمسرح الشعري، وبعدها ظهر (الأغاني التسع) لتشوي ايوان وكان هذا العمل يعد مسرحا شعريا متكاملاً. ووصل إلى الذروة. (أغاني القلب) لتشينغ شينغ من عصر امبراطورية ايوان ، كان مسرحاً شعرياً يصلح للقراءة ويصلح للعرض. كما أضافت اوبرا بكين والمسرح المحلي خلال القرنين الماضيين بكل ما تمتع به من نغم شعري رائع في تشكيل المسرح الشعري، إلا أنه لا يعد مسرح شعري حقيقي.
ومع أحداث ثورة الرابع من مايو تغيرت ملامح المسرحية الشعرية سواء في الأفكار أو الشكل القالب الفني أو الجماليات. مما لاشك فيه أن المسرح الشعري الصيني في العصر الحديث قد نشأ وتأثر بشكل كبير بالمسرح الشعري الغربي.
ومن أهم الكُتاب الذين يمثلوا تلك الفترة جواه موه روه.
فهو من مؤسسى الشعر الجديد (الشعر الحر)، كما أنه يعد من الشعراء البارزين. ابدع المسرح الشعري في العصر الحديث، ومن أهم كتُاب المسرح الشعري الحديث والمعاصر باي وي(1894-1987)، يانغ ساو(1900-1957) وخاي تزي (1964-1989).
تعود نشأة المسرح الشعري بمصر إلى عصر الفراعنة، منذ أكثر من خمسة آلاف عام، إذ تدل عليه الطقوس الاحتفالية التي تركها قدماء المصريين على جدران معابدهم وهم يسجلون أعيادهم الدينية بما فيها من مراسم متخذة من رؤيتهم يمارسونها في سلوك جماعي. ومن أشهر هذه المراسم عروض أيزيس وأوزوريس. ويعد ذلك الشكل الأولي أو البدائي للمسرح بشكل عام وللمسرحية الشعرية بشكل خاص . وقد عرفت اليونان هذا اللون الفني من مصر ومن ثم نقلته إلى أوروبا، فقد أتى فلاسفة اليونان إلى مصر وتعلموا في عين شمس ” أون ” القديمة.
كانت أول محاولة للمسرح الشعري العربي هي (المروءة والوفاء) لخليل اليازنجي عام 1876 ، لكن أمير الشعراء أحمد شوقي (1868-1932) استطاع أن يؤصل هذا الفن بعدد من المسرحيات التي استلهمت التاريخ وعبر بعضها عن عصره. ومن أشهر كتُاب المسرحية الشعرية بعد شوقي عزيز أباظة (1899-1973) صاحب قيس ولبنى وعبد الرحمن الشرقاوي(1920-1987) صاحب الفتى مهران وصلاح عبد الصبور(1931-1981) صاحب ليلى والمجنون ومسافر ليل وبعد أن يموت الملك والمسرحية التي نتخذها مادة للدرس المقارن في هذا العمل ” مأساة الحلاج ” ولعلها المسرحية الأكثر شهرة بالنسبة لأعماله لمعالجتها قضية حرية التعبير بما لها من أبعاد سياسية واجتماعية ونفسية.
والجدير بالذكر أن المسرح الشعري في الصين ومصر قد تأثر بحركة المسرح
الشعري الغربي ، فمن خلال اطلاع أدباء المسرح في الصين ومصر على المسرح الشعري الغربي سواء بالقراءة، أو المشاهدة نتيجة الرحلة أو بمتابعة النشاط الترجمي في مطلع القرن العشرين، أدى ذلك إلى دفع حركة التغيير في المسرح الشعري في الصين ومصر وبالتالي تطور مفهوم المسرح الشعري ليعبّر عن قضايا معاصرة موظفا الموروث الرمزي لتولد حركة حداثة في الشكل والرؤى ووصل هذا الفن إلى درجة من النضج التعبيري منحته مساحة جمالية في سياقات القراءة والعرض على حد سواء. وفي مصر استقبلت المسارح الطليعية والتجريبية مسرح صلاح عبد الصبور الشعري منذ ظهوره وبعد رحيل عبد لصبور أطلق اسمه على إحدى قاعات العرض المهمة بوسط القاهرة اعترافا بدوره في تحديث المسرح الشعري، فكأن الميلاد الثاني لهذا الفن كان علي يديه بعد أن أرسى أحمد شوقي قواعده في الميلاد لأول.
الفصل الثاني: أشكال توظيف التراث في المسرح الشعري في الصين ومصر في إطار مدرسة الشعر الحر.
تحرر الشعر في مصر والصين من قيود وأغلال العروض بالشعر القديم، نال حريته في الشكل، المقاطع، اللغة، ومن أهم ميزاته الجديدة:
أولها: التخلص من اللغة النمطية الجامدة التقليدية، وإدخال بعض الألفاظ أو التراكيب العامية في نسيج الشعر، خاصة تلك اللغة التي تقترب من لغة الجمهور الشعبية البسيطة وإحلالها بالكلاسيكية الغامضة، مما جعل كتابة الشعر أكثر سلاسة، يعبر عن المشاعر الصادقة والأفكار الجديدة.
ثانيها: فيما يخص قافية المقطع، تخلص من جمود القافية والعروض بالشعر القديم، كما أنه تخلص من أسلوب التلميحات وغيرها من القيود المتحجرة، تنسيق الموسيقي. وأصبح في مصر شعر التفعيلة الذي يتيح للشاعر أن يكتب ما يشاء دون قيود. لدرجة أن يصبح البيت الشعري كلمة أو كلمتين.
استطاع كل من جواه وعبد الصبورمن خلال الشعر الحر أن ينجحا في توظيف التراث وإدخال موضوعات وأفكار جديدة لم تكن موجوده من قبل. وبالتالي ابدعا مسرحيات شعرية وظفت التراث بنجاح.
أشكال توظيف التراث في المسرح الشعري في الصين ومصر ثلاثة أشكال: التقليد، النقل والاقتباس والتناص.
التقليد: مثل كتابة ”العنقاء” المسرحية الشعرية لجواه موه روه على غرار المسرحية الشعرية الغربية. كما أنها تعد محاكاة لعمل تراثي قديم ألا وهو قصة ”جوان جوان دي ديو” من كتاب ”الأغاني”
قام عزيز أباظة بتقليد ومحاكاه القصة التاريخية الشهيرة لشجرة الدر وكتب مسرحية شعرية تحمل نفس العنوان، كما كتب إيضا شهريار.
النقل والاقتباس: قام يانغ ساو في ”القلب” (1920) بنقل واقتباس الحكايات الخرافية الصينية، كما كانت مسرحية ”الوزير العاشق” (1981) لفاروق جويدة (1946- ) شكل من أشكال النقل والاقتباس لتوظيف التراث.
التناص: تلك التقنية الأدبية التي استخدمها كل من جواه في كتابة زهرة الكرز وعبد الصبور في مأساة الحلاج لربط النص الحاضر بالنص الحضاري الكلي الذي تحمله ذاكرة الأمة.
الفصل الثالث: توظيف التراث بين جو مو رو وصلاح عبد الصبور.
استخدم كل من جواه موه روه وصلاح عبد الصبور الشكل الثالث من أشكال توظيف التراث، ألا وهو التناص. أثناء ثورة الرابع من مايو أراد جواه موه روه من خلال الشعر الحر ومن خلال المسرح الشعري الذي أسسه أن يبث غضبه ونقمه مثل باقي الشعب الصيني. لكنه لم يستطع أن يقوم بهذا الشئ مباشرة، فلجأ إلي قصة حدثت قبل الميلاد وهي قصة قتل نيا تجينغ لخان شيانغ من خلال روايه (السجلات. القتله) لسي ما تشيان ومن هنا قام بالتناص بين العمل الأصلي وعمله الجديد (زهرة الكرز). عبر لنا البطلان نيا تجينغ ونيا ينيغ عن محاربتهم للشر وكراهيتهم للمجتمع المظلم آنذاك وشجاعتهم واستعدادهم للموت من أجل الوطن:” أفضل أن أموت بشجاعة على أن أحيا خلسة طويلاً” .
لجأ صلاح عبد الصبور لقصة الحلاج، تلك القصة التاريخية المستوحاه من الموروث الثقافي الصوفي الإسلامي التي تعود لأكثر من ألف عام، حتي يعبر عن طبقة المثقفين والكتّاب الذين تم قمعهم واضطهادهم خلال فترة الستينيات. كُتبت هذه المسرحية الشعرية عام 1966 وتعد عملا ناقدا لأشكال التسلط في أي سياق تاريخي ونال عنها جائزة الدولة التشجيعية، هذا يعني أن المؤسسة الثقافية المصرية في ذاك الوقت كانت تفتح الباب لآراء متعارضة بدرجة ما وكان أصحاب هذه الآراء مشاركون في صياغة الشعور الجمعي.
لقد تعرض الحلاج عند عبد الصبور لكثير من الألم والحزن والقلق أثناء سعيه للطريق المثالي للإنسان. وهذا يعني أن عبد الصبور تجاوز البعد السياسي ليناقش قضية الجدل بين الذات الفردية والسياق الاجتماعي.
إن مسرحية (مأساة الحلاج) تتخذ من أخبار الحسين بن المنصور الصوفي الذي عاش خلال فترة حكم الخليفة العباسي المقتدر. فلقد عاني كثيرا وتكبد مشقات كبيرة من جراء تحذيره للعامة وتوعيتهم بحقوقهم حتي وُضع في السجن لسنوات عديدة إلى أن عُذب حتي الموت وإن تعددت وجهات النظر بالنسبة لهذه الشخصية من قبل من يطلق الحرية الفردية ومن يقيدها بالسياق العام للمجتمع، لكن عبد لصبور اتخذ منها رمزا لثنائية البوح والقهر ليضعها في مصاف الرمز. ومازالت هذه المسرحية تعرض على مسارح الدولة في مصر من آن لآخر وفي المسابقات الجامعية التنافسية بين الشباب المثقف أيضا.
الباب الثاني: زهرة الكرز لجواه موه روه ومأساة الحلاج لصلاح عبد الصبور: التشكيل الشعري والبناء الدرامي
الفصل الأول: توظيف التراث والتشكيل الشعري في (زهرة الكرز) و(مأساة
الحلاج):
- المعجم الشعري.
- الصورة والرمز
المعجم الشعري
نجح جواه موه روه من خلال المسرح الشعري أن يستفيد من خصائص ووظائف الرمز و الاستعارة، محققاً بذلك الدلالات الجمالية للمسرح الشعري. فمن خلال ما عبر به البطلان الأخت الكبري والأخ الأصغر نيا تجينغ ونيا ينيغ من كراهيتهم للشر ومعاناتهم من المجتمع المظلم آنذاك واستعدادهم للتضحية بحياتهم من أجل الوطن.
أفضل أن أموت بشحاعة
على أن أحيا خلسة طويلا
على استعداد للتضحية بحياتي
لانقاذ حياة الناس
كما عبروا عن رغبتهم في حياة جديدة وسعيهم لها:
فلتفتح زهور الحرية
ولتُحرر الصين!
طبق جواه موه روه خصائص الشعر بالمسرح الشعري من : موضوع الشعر، الايقاع الشعري، جماليات الشعر، والحالة الشعرية.
ومن أبرزالكلمات ذات دلالة شعرية قوية ومؤثرة، كلمة ”الأخوة”.
شعر صلاح عبد الصبور متأثر بالشعر العربي الكلاسيكي وبالمذهب الصوفي من التراث الإسلامي، فضلاً عن تعلمه للشعر الأوروبي من بودلير، ريلكه، إليوت وغيرهم. فلقد أدخل الكثير من الكلام العامي المتداول بين الناس على الشعر العربي. حول عبد الصبور الشعر العربي الجديد من حالة البرود والجمود التي كان
عليها إلى أرض الواقع، واستعمل اللغة العاميه ليعبر بها عن مشاعر الناس، وبمنتهي الهدوء عبر عن كل ما يجري حوله، حتي وإن كانت من توافه الأمور الخاصه بخبراته الشخصية ما بين موت وحياة. ومن أبرز الكلمات كلمتي ”الكلمة” و”الموت”.
يمتاز شعر عبد الصبور بالسرد، كما يمتاز ايضا بالحوار. ونجد لغته أقرب إلى النثر، كل هذا جعل أسلوبه غني بالشاعرية والغنائية في آن واحد.
قتلوه...
ليس بأيديهم. ولكن بالكلمات
كيف؟ أعطوا كل واحد منا دينار ذهب لم تلمسه يد من قبل
وقالوا: صيحوا زنديق.. كافر
فصحنا: زنديق.. كافر
الصورة والرمز
نجح جواه موه روه في استغلال صورة البطل نيا تجينغ وتصويرتحمله الصعاب وتصوير لحظة الوداع التاريخية مع أخته من أجل انقاذ الوطن. فلقد استعان الكاتب بقصة بطولية تاريخية ليدلل على العزيمة القوية للمقاومة، ويشجع الشعب على التوحد لمحاربة العدو، والنضال ضد الفرق الانهزامية والأحزاب المنشقة، ومحاربة الامبريالية اليابانية.
كما أنه يرمز لروح عصر ثورة الرابع من مايو: تحطيم كل ما هو قديم، وإبداع كل ما هو جديد، والعمل على تحرير الشعب. شبه جواه موه روه الغزو التاريخي بغزو اليابان للصين، فهو يريد من ذلك العمل أن يعلمنا كيف نتعلم من القدماء وكيف نخطط ونتصرف مثلهم. فهدفه من ذلك أن نتخذ أجدادنا القدماء قدوة لنا، فلنكون قلب واحد لهذه البلد، نعمل على صلاح وسلامة البلد ونفضل الموت على الخوف.
استعان عبد الصبور بصورة الحلاج ليعبر عن المثقف الذي يواجه قهر وقمع دائماً من قبل السلطة. كما يعبر ايضا عن مشاعر الكاتب الخاصة، وسعي الكاتب الخفي للعالم الروحي. داعياً للصدق، الحرية، العدل، وهذا هو الحلم المثالي المشترك لأي مجتمع بشري، إلا أن البشرية تفتقر لهذه المثالية.
ترمز مأساة الحلاج إلى غياب الحرية السياسية بالمجتمع المصري، انهيارالاقتصاد، القيود الاجتماعيه، التزم صلاح عبد الصبور بأفكار سارتر وكيركيغارد وغيرهم من فلاسفة الوجود الذين تأثر بهم من حيث إيمانه بحق الفرد في الاختيار. ففي اعتقاد عبد الصبور أنه إذا ملك الإنسان حرية تحقيق ذاته ومسئولية ذلك فيستطيع الإضافة إلى العالم، إلا أن الإنسان في الواقع في حياته وكأنه في جهنم، وكأن الحياة أصبحت عذابا في تناص مع عبارة سارتر الشهيرة ” الجحيم هو الآخرون” لكن عبد الصبور تأثر بمسرح ت. س. إليوت بخاصة فكرة المعادل الموضوعي أي أنه تخذ من تجربة الحلاج معادلا موضوعيا لجدلية الاختيار والتسلط.
الفصل الثاني: توظيف التراث والبناء الدرامي في (زهرة الكرز) و(مأساة الحلاج):
- الشخصيات: التاريخية – المستحدثة.
- العلاقات بين الشخصيات.
- الأحداث وتصاعدها – بين الدراما المسرحية والحدث التاريخي.
- الفضاء المسرحي وتمثيل التاريخ (المكان والزمان).
أهم ما يميز زهرة الكرز هو قيام جواه موه روه بتغيير صورة نيا تجينغ من مجرد ” المعروفين أو المشهورين الذين لقوا حتفهم” في كتاب (السجلات) إلى صورة البطل ”الذي ضحي بحياته من أجل الوطن”، كما يتميز ايضا بصور الشخصيات النسائية التي تتميز بروح العصر.
الشخصيات: التاريخية – المستحدثة
عدّل جواه موه روه في الشخصية التاريخية بكتاب (السجلات. القتله) وأضاف إليها إراقة الدم الواقعية واستكمل بذلك المسرحية التاريخية. فيعبر كل من البطل والبطلة الأخت الكبري والأخ الأصغر عن رفضهم للشر، للظلم وإبدائهم للشجاعة حتي ولو كلفهم الأمر حياتهم: ” أفضل أن أموت بشجاعة على أن أحيا خلسة طويلا”، كما أنهم عبروا عن رغبتهم في حياة جديدة: ” فلتفتح زهور الحرية ولتحيا
الصين”.
إن الصور النسائية في زهرة الكرز جديرة حقاً بالذكر، ففضلاً عن شخصية نيا ينيغ الأصلية في العمل الأصلي، نجد جواه موه روه اختلق ثلاث شخصيات نسائية أخري مستحدثة، مثل تشون جو، والأم صاحبة الحانة، وابنه الرجل الأعمى العجوز. وقام بتحليل لغة وسلوك الشخصيات الأربعة خاصة شخصيتي نيا ينيغ وتشون جو، ونكتشف من هذا أن جواه موه روه قام بتغيير صورة النساء في العمل الأدبي من دور صامت قبل ثورة الرابع من مايو إلى صورة بطولية مثالية، فلقد جعل المرأة تمثل دوراً محورياً في الأدب الصيني، ولم تعد كما كانت مجرد حديث مرسل من قبل الرجال.
لم يضف عبد الصبور أو يغير أي شئ في أحداث أو شخصيات مأساة الحلاج سوي طريقة موته، فلقد كتب هذه المسرحية الشعرية وفقا للمصادر التاريخية الأصلية نقلاً عن الطبري، ابن الأسير، ابن النديم. فالحلاج هو الشخصية الرئيسة في العمل وإن ركز الكاتب على التعبير عن عالمه النفسي وعن معاناته الداخلية وعرض طريقة الخلاص لهذه المعاناة دون ان يهمل البعد الاجتماعي في التجربة الإنسانية المتضمنة في العمل الفني بحكم أن الستينيات كانت فترة ارتفاع لمفهوم الأدب للشعب، كما عرض الدور السلبي للعامة وأنهم لا حول لهم ولا قوة وإن كانوا يملكون محبة لمن يمنحهم خطابا يروي شوقهم النفسي للقيم الإيجابية:
كنا نلقاه بظهر السوق عطشا
فيروينا من ماء الكلمات
العلاقات بين الشخصيات
إن شخصية نيا ينيغ هي الأخت الكبري لنيا تجينغ. قام الكاتب ببعض التغيير القليل لهذه الشخصية، بل يمكن القول أنه ترك الملامح الروحية التي كانت عليها في العمل الأصلي، إلا أن لغة هذه الشخصية قد تغيرت وأصبحت لغة حديثة جديدة. أما شخصية تشون جو فهي مختلقة كلياً ومغزاها فريد ومميز ويستحق الذكر. ومن أهم السمات المشتركة بين الشخصيات الثلاثة (نيا تجينغ، نيا ينيغ، تشون جو): حب الوطن، دعوة الشعب للاتحاد يد واحدة من أجل حماية البلاد.
الحلاج هو البطل والشخصية الرئيسية في مأساة الحلاج، ولديه صديق واحد هو الشبلي الصوفي مثله، ولكنه كان شخصية سلبية. فلقد كان الحلاج على صلة قوية بالشعب من وجهة نظر عبد الصبور، فكان ما ينصحهم بالتحلي بحميد الأخلاق، ويدعوهم للمطالبة بحقوقهم وهذا ما جعله يتعرض للمساءلة تحت شعار الخروج على المظلة الدينية الاجتماعية، فمشكلة كثير من الشعوب عبر الأزمنة والأمكنة محاكمة أصحاب الفكر الحر بحجة مروقهم الديني في حين هم ينادون بمساحة من الحرية الاجتماعية:
الله قوي
يا أبناء الله كونوا أقوياء مثله
الأحداث وتصاعدها – بين الدراما المسرحية والحدث التاريخي
وصلت المسرحية لذروتها وتصاعد أحداثها بعد غياب نيا تجينغ لفترة قصيرة، تنكرت نيا ينيغ في شكل رجل وذهبت للبحث عنه في الحانه، وتعرفت هناك على تشون جو، وقررت أن تتنكر هي الأخري في شكل رجل لتذهب مع نيا ينيغ، وبعدما عثروا على جثة نيا تجينغ لم تستمع تشون جو لنصيحة نيا ينيغ بألا تنتحر، إلا أن تشون جو أخرجت سكيناً كان معها وقتلت نفسها لتبرهن أنها لا تخشي الموت فداءً لوطنها:
أحيا
أحيا حتي تموت أمي
أريد أن انتقم لأخي لأختي
حتي يتعلم الجميع كيف قُتل أخي من أجل التأثر لبلده
كما قامت ايضا نيا ينيغ بقتل نفسها تخليدا لذكري واسم أخيها بين الناس، التضحية من أجل النضال، تقديم حياتهم من أجل البلاد، بدون خوف أو تردد.
من مبادئ صلاح عبد الصبور في كتابه هذا اللون الأدبي ألا وهو المسرح الشعري: استحضار القديم، توظيف التراث، لذا نجد أن مسرحه الشعري لا يقدم لنا ماذا كان هناك في ذلك العصر فقط بل يتطرق إلى كيفية تطور هذه الشخصية في ذلك العصر بشكل منطقي وعقلاني. إن كل ما يعبر عنه شخصية الحلاج هو الرجل الحق، أن يصبح الإنسان إنسان بمعني الكلمة، تحقيق المثالية، مواجهه القوي الغاشمة، وأن يكون ذا ضمير حي، لذلك كان مسرح صلاح عبد الصبور الشعري دائماً ما يتخذ من الطبقات الحاكمة في التاريخ والصراع والمصادمات بينها وبين الشعب موضوعاً له. وهو دائماً ما يكون الصراع بين الاستسلام والاقدام والحرب، الخير والشر. ووصل العمل لقمته في الصراع النفسي الداخلي للحلاج نتيجة إفشائه للسر (علاقته بربه)، وأن يموت حتي تحيا الكلمة.
الفضاء المسرحي وتمثيل التاريخ (المكان والزمان)
عندما كتب جواه موه روه زهرة الكرز عام 1920 استحضر القصة التاريخية القديمة كنموذج له (فترة العصور المتحاربة عام 221 قبل الميلاد)، وعلى أساس هذه القصة طور نظرته الذاتيه وإبداعه الخاص بشكل رائع، وأعطى للشخصيات والأحداث مغزي عصري جديد، أضاف بريقاً حديثاً على الشخصيات. أنتج هذا المزيج بين التاريخ والواقع مسرحاً شعرياً عصرياً جديد كلياً. فشخصية نيا ينيغ على سبيل المثال كانت إحدي الشخصيات الأساسية في العمل الأصلى، إلا أنها عُدلت في العمل المسرحي الشعري لتجسد روح عصر ثورة الرابع من مايو عندما ضحت بحياتها من أجل وطنها ممثلة بذلك شجاعة وإقدام المرأة الصينية في العصر الحديث، فلقد اتخذ الكاتب منها وسيلة للتغني بالثورة، واستئصال الأشرار والسياسة الغاشمة، ونيل الحرية والكرامة بدم الشهيد.
استلهم صلاح عبد الصبور مأساة الحلاج من التاريخ لقصة حقيقية واقعية دارت
أحداثها في العراق في القرن الرابع الهجري، والحلاج هو الحسين بن منصور الذي كان يحرض العامة أيام الخليفة العباسي المقتدر فكان يعرفهم بحقوقهم ويطالبهم باتباع طريق الحق والعدل، لقي الحلاج في سبيل ذلك معاناة كثيرة ومتاعب أدت إلى إدخاله السجن لسنوات عديدة ثم انتهي به الأمر إلى تعذيبه حتى الموت. إلا أن الهدف المستتر وراء استلهام صلاح لمثل هذه القصة كان للتعبير عن قمع المثقفين في الستينيات. فلقد قام بتسليط الضوء على الأوضاع والأزمات في تلك الفترة، مع الوضع في الاعتبار أنها مرحلة جدلية تتباين فيها الآراء وأن عبد الصبور نفسه لم يكن مقموعا من جانب السلطة على الإطلاق، فقد كان من أعلام المرحلة وظل رمزا أدبيا فكتب شعرا عن المقاتل المصري في حرب أكتوبر وتولى منصب رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، أي كان مسئولا عن حركة النشر الرسمية في مصر.
الباب الثالث: غايات استلهام التراث في العملين:
الفصل الأول: مفهوم التناص، جذوره وأنواعه
يجب أولاً أن نوضح مفهوم التناص، كل نص يعد بمثابة مرآة لنص آخر، فكل نص يعتبر نقل أو فهم لنص آخر، فيكونا معاً عملاً متقدماً للماضي، الحاضر والمستقبل. وسيتم عرض نشأة التناص، تطوره، وأنواعه في هذا الفصل.
الفصل الثاني: غايات التناص في زهرة الكرز ومأساة الحلاج: الحرية السياسية والاجتماعية/ مناقشة قضية المثقف والسلطة/ التضحية/ مسؤلية الإنسان تجاه وطنه/ مساحة التعبير وحرية الفكر
نيا تجينغ ونيا ينيغ في كلا العملين هو تجسيد للشباب الذين على أتم الاستعداد للتضحية بأنفسهم من أجل حريته وحقه. وأن هؤلاء الشباب لديهم شعور بالمسؤلية تجاه وطنهم، ومستعدين في أي وقت لبذل أرواحهم فداء استقلال بلادهم ومستقبلها. وكانت للمرأة دور خاص في هذه المسرحية الشعرية، أعطي جواه موه روه للمرأة الصينية بعض حقوقها من خلال هذا العمل، فلقد كان دور المرأة قبل ثورة الرابع من مايو دوراً صامتاً هامشياً، أما بعد الثورة ارتفع وعي المرأة وأصبح لها دوراً بارزاً في الحياة الاجتماعية والسياسية.
صلاح عبد الصبور قد خبأ نفسه وراء الحلاج، فمأساة الحلاج هي مأساة صلاح عبد الصبور بوصفه مثقفا يخشى الاضطهاد أو يشعر بثقله في العالم من حوله، كما أنها مأساة المثقفين المقربين من العامة. بمعنى آخر، أن أمثال المثقفين الذين ينبهون العامة لظلم الحاكم ويجعلهم يفكرون في فقرهم ويطالبون بحقوقهم وحريتهم ويسعون إلى التغيير. وبالطبع لن يتخلي الحاكم والسلطة عن جشعهم من أجل انقاذ العامة فنجد رد فعلهم على أمثال هؤلاء من المثقفين إما أن يعاملوا كمعاملة الخارجين عن السلطة والحكم أو يعاملوهم على أنهم خارجين عن الدين وهذا ما هو أشد وأمّر. وهذا هو الصراع الأبدي الذي لا يحل بين المثقف والسلطة، ذلك لأن الضمير لا يبدل وأن الكلمة لا تباع. لذلك لقى الحلاج مصير المسيح عليه السلام. وإن كانت فكرة تنبيه المثقفين للعامة فيها نوع من التعالي الفكري فالثقافة مكون شعوري ذهني نتاج خبرات تاريخية وواقعية وليست نوعا من الدعاية المباشرة أو التوجيه السلوكي الذي يسود في حالات فراغ الذهن.