Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
شكري القوتلي ودوره السياسي في سوريا:
المؤلف
محمود, سعاد عبدالغني.
هيئة الاعداد
باحث / سعاد عبدالغني محمود
مشرف / خلف عبدالعظيم الميري
مشرف / نازك زكي إبراهيم
مشرف / ماجدة محمد حمود
تاريخ النشر
2016.
عدد الصفحات
262 ص. ؛
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
التاريخ
تاريخ الإجازة
1/1/2016
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية البنات - التاريخ
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 262

from 262

المستخلص

قدم تاريخ سوريا في السنوات التي تناولتها هذه الدراسة صورة عاصفة لتاريخ مثقل بأحداث سياسية معقدة وتحولات جذرية في طبيعة المجتمع السياسية ، فقد كانت سوريا مسرح الفكرة القومية التي جاهد من أجلها القوتلي ورفاقه وكون أول حزب سياسي في سوريا ، هو حزب الاستقلال العربي في عام 1918، والذي اختلف في طبيعته عن نظام الجمعيات الوطنية التي كانت سائدة في العهد العثماني.
إلا أن هذا الحزب ظل منطوياً على نفسه ، ومقتصراً على طبقة سياسية ضئيلة ، ولم يحاول ضم عناصر جديدة له ، ولكن يحسب له أنه حاول إطلاع الشعب على حقيقة قضيته وتوعيته ليكون على بينة من مستقبله ، ولكن المؤمرات الاستعمارية كانت أكبر من هذا الوعي ، فلم يستفد السوريون شئ سوى إثارة حماستهم ، وعاشوا فترة وجيزة مغلفة بالآمال والأحلام ، التي مالبثت أن تحطمت على صخرة الواقع بفرض الانتداب الفرنسي ، فلا ظلوا تحت لواء الإمبراطورية العثمانية الضعيفة ، ولا نجحوا في تكوين دولة عربية تضم كل الناطقين بالضاد. وكانت تنقص القوتلي وحزبه الخبرة السياسية ، فلم يطلع على حقائق السياسة العالمية وأساليبها ، فتحول القوتلي من كفاحه ضد الدولة العثمانية إلى مقاومة الانتداب الفرنسي.
وفي السنوات الأولى من الانتداب الفرنسي على سوريا لم يتمكن القوتلي وزملاء النضال من قيادة الأمور السياسية ب(فن الممكن) ، التي يمكن بواسطتها للضعيف أن يأمل في النجاح السياسي ، بل لم يكن هناك إدراك كافي لصعوبة المهمة التي يواجهها كزعيم وطني في بداية طريق نضال ظنه قصيراً ، نظراً لعدم وجود خبرة سياسية كافية ، كما لم يقدر القوتلي المواقف السياسية حق قدرها ، وظل سنوات يظن أن عدم التشدد في النضال ؛ ضعف في مواجهة العدو.
وبعد سنوات من مقاومة الانتداب كان أقصى مايمكن أن يطمح إليه القوتلي ، هو استقلال سوريا ككيان منفصل عن بقية بلاد الشام ، وهو ما لم يكن هدفه عندما قرر مؤازرة الثورة العربية ودعم الأمير فيصل بن الحسين في الانفصال عن الدولة العثمانية ، وإقامة دولة عربية موحدة على رأسها حاكم عربي.
أما الانتداب نفسه فقد حاول أن يطبق في سوريا النظام الديمقراطي الغربي ، ولكن بشروط الدولة المنتدبة ، فأصبحت ديمقراطية هذا النظام في الظاهر فقط ، وأثبت هذا النظام فشله ، لأنه لم يعطي سوريا معه لا القوة ولا الزمن الكافي لكي يصلب عوده ، ويحقق نوعاً من التآلف بين مؤسسات الجسم السياسي ذاته وبين المجتمع السوري ، وهكذا زرعت فرنسا المنتدبة نبتة غريبة في مناخ غير ملائم لشروط نموها ، فنمت ضعيفة عرضة للسقوط أمام أية أزمة داخلية أو خارجية.
ومنذ الاستقلال ألقي على عاتق القوتلي مهمة بناء دولة عصرية ، وخلق مؤسسات ديمقراطية سليمة ، وتنمية إقتصاد قائم على النظام الفردي ، إلا أن القوتلي لم يكن على مستوى إنجاز تلك المهام ، مع أنه كان في نظر شعبه بطل الجلاء والاستقلال ، وتمتع في بداية عهده بشعبية كبيرة ، وبقدرة على التحكم في سياسة البلاد عن طريق شبكة أنصاره ومؤيديه في المدن والأرياف ، ولكنه فشل في الحفاظ على موقعه ، وأضاع هيبته تدريجياً ، ولم يكن على دراية بنمو طبقات جديدة سيكون سقوط نظامه على يديها.
الحقيقة أن القوتلي افتقد إلى الخبرة والمؤهلات اللازمة لحكم مجتمع متفتت في بنيته بسبب تعدد طوائفه الدينية وعرقياته المختلفة ، كما أن هذا المجتمع كان يعيش عصر يقظة سريعة ذات طابع فوضوي ، فكان هذا المجتمع يحتاج من القوتلي إصلاحاً جذرياً ، إلا أنه ظل يحكم بعقلية قديمة متشبتثة بالروابط القديمة والولاءات الضيقة ، كما أنه كان حريص على الوضع الذي يتيح له - ولطبقته الاجتماعية من الأسر ذات النفوذ القوي- الحفاظ على امتيازاتهم القديمة.
لقد جاء القوتلي إلى الحكم بعقلية المناضل ، ورجل الكفاح لا يستطيع أن يتحول إلى رجل حكم بين ليلة وضحاها ، لذلك - مع مرور الوقت - نشأت هوة عميقة بينه وبين الشعب ، وخاصة بعد هزيمة فلسطين 1948، وراح شعبه ينظر إليه نظرته إلى الأجنبي ، لأنهم كانوا يرون في نظام حكم القوتلي نظاماً يفرض نفسه عليهم من أعلى ، وكان من المفروض على القوتلي أن يحاول سد هذه الهوة إلا أنه زادها عمقاً واتساعاً.
وبدأت تبرز معارضة قوية من القوى الجديدة المستبعدة عن السلطة ، ووجدت متنفساً لها ، في ظل جو ديمقراطي في شكله ، لكنه أوتوقراطي في مضمونه ، واهتز نظام القوتلي بعمق عندما واجه أول الأزمات الخارجية ” كارثة حرب فلسطين” ، حيث ساد عقبها إحباط عام وغليان شعبي ، ومشاعر معادية للنظام وللقائم عليه ، ومهدت هذه الأجواء السبل لبداية عملية هدم النظام القديم ، واتخذت شكلاً عنيفاً عندما أسقط الجيش نظام القوتلي ، وجعل من النظام العسكري الجديد أداة للإصلاح ، ولكن ذلك لم يحدث أيضاً ، لأن الديكتاتوريات العسكرية التي استمرت تحكم البلاد من عام 1949 وحتى عام 1954 ، لم تحقق لسوريا الاستقرار المنشود ، بل إن حكمها خلف ندبات في المرحلة الجديدة من حكم سوريا ، وهي مرحلة عودة النظام القديم مرة أخرى ، بعد أن يأس الشعب من الوصول إلى نظام ديمقراطي سليم.
في هذه المرحلة والتي بدأت في أغسطس ، 1955نمت الأحزاب السياسية بشكل ملحوظ ، كما برزت صورة ” الضابط العقائدي ” وتشارك هؤلاء الضباط مع القوى الخارجية متمثلة في مصر والسعودية في إعادة النظام المدني القديم شكلياً ولكن يشاركهم الضباط في تحريك الحياة المدنية ، فأصبح القوتلي في تلك المرحلة مفعولاً به ، نظير أن يظل على رأس البلاد ولو شكلياً ، وبذلك أصبحت طبقة الضباط هي المهيمنة على مقاليد الأمور السياسية فعلياً ، وظاهرياً يبدو على السطح الحكم مدنياً.
وقد أثارت صراعات القوى اليمينية القديمة - متمثلة في الحزب الوطني وحزب الشعب - واليسارية معاً أزمات داخلية أغرقت البلاد في فوضى سياسية لم يستطع القوتلي أن يقف أمامها ، وكان هذا نذيراً بانهيار حزبه الوطني ، كما كان للصراع الأمريكي السوفيتي على سوريا في تلك الفترة أثره في ممارسة ضغوط شتى على القوتلي لمحاولة استقطاب بلاده إلى إحدى القوتين ، فاعتقد الضباط الذين كانت مقاليد الأمور بيدهم أن الحل يكمن في الوحدة مع مصر ، ولم يكن أمام القوتلي سوى الرضوخ لارادتهم بعد أن بدا ضعفه واضحاً للعيان.
وولدت الجمهورية العربية المتحدة في شباط (فبراير) 1958، فما كان من القوتلي إلا أن أيدها ، وتنازل عن الحكم طواعية للرئيس المصري جمال عبدالناصر ، وحصل على لقب المواطن العربي الأول ، كتتويج شرفي لتقديمه المصلحة القومية على المصلحة الإقليمية.
ويبدو أن القوتلي كان في حلقه غصة من فقده السلطة إلا أنه كان يخشى إن رفض أن يطاح به مرة أخرى بانقلاب عسكري جديد ، ووقتها لن يتمكن من مقاومته ، كما أنه إن رفض سوف يكون متهماً في نظر شعبه بمعادات أي مشاريع وحدوية ، سواء أكانت تحت زعامة الهاشميين أم غيرهم.
وإذا ماكانت الوحدة تتويجاً لمرحلة أنهت المشاكل التي كانت تعاني منها سورية ، إلا أنها خلقت مشكلة أخرى أشد تعقيداً وهي الاختلافات الجوهرية في الواقع الاجتماعي والاقتصادي بين مصر وسوريا فكان الانفصال في أيلول (سبتمبر) 1961، وهنا حاول القوتلي بتأييده للانفصال إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ، إلا أن الوقت قد مضى ، وانبثق في سوريا عهد جديد قضى على كل نفوذ للطبقة القديمة ، وكان وصول حزب البعث إلى السلطة في أذار(مارس) 1963، قطع جذري لكل علائق الماضي ، فقد صادر أملاك القوتلي ، لينهي أمله وأمل الطبقة البورجوازية في أي إمكانية لربط الماضي بالحاضر ، وعاش القوتلي بعدها أربع سنوات متنقلاً بين مصر والسعودية ولبنان وبعض العواصم الأوربية ، إلى أن توفي ببيروت بعد أيام من هزيمة يونيو 1967، وذلك في 30 حزيران (يونيو) 1967، فنقل جثمانه إلى دمشق، وصليّ عليه في جنازة غير رسمية في الجامع الأموي ، قبل أن يوارى الثرى في مقبرة الباب الصغير.
وفي وسط كل هذه الانتقادات لنظام حكم القوتلي ، لا ننكر أنه نجح إلى حد كبير على مستوى السياسة الخارجية خلال فترتي حكمه ، وخاصة في علاقاته بمصر والسعودية أقوى دعامتين للوطن العربي في ذلك الوقت ، وبالرغم من محاولات الهيمنة الهاشمية بفرعيها في الأردن والعراق إلا أنه نجح أيضاً في التصدي لأي أطماع خارجية في دولته الناشئة ، وبنظرة عامة لتاريخ سوريا المعاصر، ومقارنة الماضي بالحاضر، نجد أن حكم القوتلي جسد الاستقرار الداخلي في البلاد ، حتى ولو لم يخلو هذا الاستقرار من بعض المنغصات.