Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
العلاقة بين مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية /
المؤلف
الحسناوي، عبدالقادر أحمد عبدالقادر.
هيئة الاعداد
باحث / عبدالقادر أحمد عبدالقادر الحسناوي
مشرف / إبراهيم محمد العناني
مشرف / محمد رضا الديب
مناقش / إبراهيم محمد العناني
مناقش / حازم محمد عتلم
مناقش / سعيد سالم جويلي
مناقش / محمد رضا الديب
الموضوع
القانون الدولي.
تاريخ النشر
2014.
عدد الصفحات
539 ص. ؛
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
قانون
تاريخ الإجازة
1/1/2014
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية الحقوق - القانون الدولي العام
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 539

from 539

المستخلص

تختص المحكمة الجنائية الدولية بالنظر في الجرائم الأشد خطورة على سلامة وكرامة وأمن الأفراد والجماعات أينما كانوا، التي يعد مرتكبوها مسئولين مسئولية جنائية دولية، سواء أكانوا أفرادًا عاديين أم مسئولين كبار يتمتعون بحصانة قانونية، وبصرف النظر عن جنسياتهم، لذلك فهي تسعى إلى محاسبة ومعاقبة مرتكبي الجرائم الماسة بحياة الإنسان، وحقوقه الأساسية، وقيمه العليا التي حرصت على صيانتها، والحفاظ عليها، مختلف الشرائع والأديان والأعراف.
ويعتبر مجلس الأمن وفقًا لميثاق الأمم المتحدة هو الجهاز السياسي المختص بالمحافظة على السلم والأمن الدوليين، وله أن يقرر وفقًا للمادة (39) منه وقوع تهديد أو إخلال به أو وقوع أي عمل من أعمال العدوان، ومن صلاحياته أن يتخذ أيًّا من التدابير الواردة في المادتين (40، 41) من الميثاق سواء عسكرية أو غير عسكرية.
وشهد المجتمع الدولي تطورًا ملحوظًا في الحالات التي تدّخل فيها مجلس الأمن في بعض المنازعات ذات الطابع الجنائي الدولي، بموجب ما له من اختصاصات خولها له الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لحفظ السلم والأمن الدوليين.
ونظرًا لعدم كفاية الإجراءات التي اتخذها مجلس الأمن لمكافحة مرتكبي الجرائم الدولية، ولاعتباره جهازًا سياسيًّا لا علاقة له بالمسائل الجنائية، تعد المحكمة الجنائية الدولية علامة بارزة للمجتمع الدولي بإعادة تعريف العدالة الجنائية الدولية، وإحلال الاستقرار في مجال القانون الذي شهد عدم استقرار منذ مدة طويلة، ومع ذلك، فإن المحكمة التي تجاوز عمرها عشر سنوات تواجه مجموعة تحديات في ترجمة تلك الأهداف إلى واقع، والأهم من ذلك، أن المحكمة الجنائية الدولية وهي مؤسسة مركزية ثابتة، توجد في عالم، وتعمل في نظام وانضباط تفاعلي لأقصى حد، وقدرة المحكمة على النجاح والتنفيذ لتفويضها يتوقف على قدرتها على استخدام مبادئها التأسيسية للتكيف مع الظروف المختلفة والقضايا التي تواجهها.
وبدخول النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية حيز النفاذ في 1/7/2002، ساد الاعتقاد بأن القانون الدولي قد أضحى مسلحًا بجهاز قضائي دولي يكفل محاسبة كثير ممن يرتكبون بعض الجرائم الخطرة في حق الجنس البشري بالمخالفة لما تقضي به قواعد القانون الدولي منذ زمن بعيد، ولكن ما نص عليه النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية قد يغير هذا الاعتقاد، فالمادة (13/ب) منه، منحت مجلس الأمن دورًا فعالًا يتمثل في الإحالة إلى المحكمة، دون غيره من أجهزة المحكمة والتي من بينها الجمعية العامة، نتيجة للطابع غير الإلزامي لتوصيات هذا الجهاز (الجمعية العامة) في مواجهة الدول الأعضاء مقارنة بقرارات مجلس الأمن الصادرة بموجب الفصل السابع التي لها الصفة الملزمة.
والأكثر من ذلك مُنح المجلس بموجب المادة (16) من النظام الأساسي سلطة خطيرة ألا وهي إيقاف أو تأجيل تحقيق أو مقاضاة في المحكمة، وهذا ما يدعونا للتساؤل هل منح مثل هذه الاختصاصات يضمن استقلالية المحكمة التي تم التأكيد عليها في ديباجة النظام الأساسي بأن هذه المحكمة مستقلة ذات علاقة بمنظومة الأمم المتحدة، وما هو مستقبل المحكمة في ضوء هذه العلاقة بما يضمنه من مساس بعدالة المحكمة واستقلالها وأهدافها، ويجعلها عرضة للأهواء السياسية داخل مجلس الأمن، وما تأثير ذلك على أهداف الدول التي أنشِئًت المحكمة الجنائية الدولية المتعددة: إنشاء العدالة المثالية والقصاص، وتوفير سبل الانتصاف للضحايا، وتعزيز القيم الاجتماعية والإصلاح الفردي، وتثقيف الأجيال الحاضرة والمقبلة.
ونظرًا لاختلاف كل من المحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن اختلافًا جذريًّا من حيث الطبيعة بمعزل عن المشاركة في الأهداف، الأمر الذي يجعل من دراسة العلاقة بينهما على حد سواء أكثر إثارة للاهتمام وأكثر تعقيدًا، فالمجلس هو هيئة سياسية فعالة جدًا وسريعة الاستجابة، وقراراته حازمة وملزمة للحفاظ على السلم والأمن الدوليين وفقًا للفصل السابع من الميثاق، في حين أن المحكمة الجنائية الدولية، هي الجهاز القضائي الذي تم إنشاؤه استنادًا إلى اتفاق من عدة بلدان من أجل تحقيق العدالة الحقيقية ومعاقبة المسئولين عن أخطر الجرائم.
ونتيجة للأهمية البالغة التي يثيرها موضوع العلاقة بين مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية من حيث الصراع بين العدالة والسياسة، ويكشف عن التحديات الراهنة في مجال العدالة الجنائية الدولية، فقد ارتأيت أن يكون موضوعًا لأطروحة دكتوراه في الحقوق، باعتباره يسلط الأضواء على أكثر الهيئات القضائية الدولية أهمية في تاريخ القضاء الجنائي الدولي كأول محكمة جنائية دولية دائمة ومستقلة منشأة بموجب اتفاقية دولية ومكملة للقضاء الوطني، وذلك في إطار علاقاتها مع أكثر الأجهزة ازدواجية وانتقائية للمعايير القانونية ألا وهو مجلس الأمن الدولي، ولذلك فمن المناسب أن نتساءل عن دور المجلس في أداء المحكمة الجنائية الدولية في تحقيقها للعدالة المرجوة منها.
ويثير موضوع هذه الدراسة العديد من التساؤلات والإشكاليات، سواء على المستوى الدولي أو الداخلي، في مقدمتها هل العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن علاقة استقلالية أم تبعية؟ ومن خلال هذا السؤال ظهرت عدة تساؤلات أخرى، أجبت عليها من خلال هذه الدراسة، والتي منها:
- من المبادئ المستقرة والتي يجب أن تتوافر في المحاكمة العادلة استقلال القضاء، والسؤال هنا يكمن في هل المحكمة الجنائية الدولية الدائمة مستقلة عن أي سلطة أخرى في اتخاذ قراراتها؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما علاقة مجلس الأمن بالقضايا المنظورة أمام المحكمة؟
- ما الذي يضمن عدم اختلال علاقة التوازن المطلوبة بين الاختصاص الجنائي للمحكمة الجنائية الدولية من جهة، والطبيعة السياسية التي قد تميّز قرارات مجلس الأمن من جهة أخرى، خاصة في حالة لجوء هذا الأخير إلى الممارسة الخاطئة للحقوق والسلطات المخولة له بموجب نصوص في نظام روما الأساسي؟
- ما هي التحديات التي قد تواجه المحكمة الجنائية الدولية، خاصة في علاقتها مع مجلس الأمن، الذي بدأ في السنوات الأخيرة يعتمد بشكل ملحوظ عند معالجته للقضايا الدولية على سياسة العدالة المزدوجة المعايير، أي سياسة الكيل بمكيالين أو العدالة الانتقائية؟
- ما هي المبررات الذي تم الاستناد إليها في مسألة منح مجلس الأمن سلطة الإحالة؟ أو في طلبه تأجيل التحقيق أو المقاضاة؟ أو في طلبه تجديد هذا الإيقاف؟
- ما هو موقف مجلس الأمن في حالة ما إذا امتنعت دولة غير طرف عن تقديم المساعدة القانونية للمحكمة، أو عدم امتثال دولة طرف لطلب تعاون مقدم من المحكمة، وذلك في حالة ما كانت الجريمة محل الإحالة قد تمت إحالتها منه؟ هنا، هل يترك مجلس الأمن المسألة للمحكمة تقضي فيها كما ترى؟ أم يتصرف مجلس الأمن فيها بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة؟
- هل توجد أية التزامات مفروضة على الدول غير الأطراف في النظام الأساسي للمحكمة؟ وإذا كانت الإجابة بالإيجاب فهل مصدر هذه الالتزامات نظام روما الأساسي ذاته أم ميثاق الأمم المتحدة أم غيرهما؟
- ما مدى تأثير سلطات مجلس الأمن الممنوحة له بموجب النظام الأساسي للمحكمة على مبدأ التكامل؟
- ما هي الصلاحيات التي يتمتع بها مجلس الأمن في تحديد اختصاص المحكمة بالنظر في جريمة العدوان وفقًا للنظام الأساسي؟
وغير ذلك من التساؤلات والإشكاليات التي قمت باستعراضها كل في موضعها من هذه الدراسة.
واعتمدت في دراستي لموضوع البحث على منهجين: أولهما المنهج التحليلي الذي استخدمته في إبراز أهم مظاهر العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن، وكذلك أيضًا في إعطاء لمحة عن مضمون قرارات مجلس الأمن التي لها تأثير في اختصاص المحكمة، والأسانيد التي ارتكز عليها المجلس في اتخاذه لتلك القرارات، وأما المنهج الثاني الذي اعتمدت عليه كذلك فهو المنهج النقدي الذي استخدمته في تقييمي لمظاهر العلاقة بين المحكمة ومجلس الأمن.
وقمت بدراسة موضوع العلاقة بين مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية، وفقًا لخطة بحث ثنائية في بابين، مجزأة إلى تقسيمات فرعية، متبعًا في ذلك سبيلًا منطقيًا يسير جنبًا إلي جنب مع تسلسل الفكرة حرصًا على بلوغ الغاية من الدراسة، بحيث درست في الباب الأول دور مجلس الأمن في تدعيم اختصاص المحكمة، والذي قسمته إلى فصلين، الأول تركز على حق مجلس الأمن في الإحالة كآلية لتفعيل اختصاص المحكمة، وفي الفصل الثاني ألقيت الضوء على أبعاد العلاقة بين مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية على الاختصاص القضائي للدول.
وفي الباب الثاني درست فيه المحكمة الجنائية الدولية بين الموضوعية والتأثير السياسي، حيث درست تباعًا في فصلين دور مجلس الأمن في تقييد اختصاص المحكمة في الفصل الأول، وأما الفصل الثاني فخصصته لموضوع التحديات الراهنة للمحكمة الجنائية الدولية.
ومن خلال دراستي لموضوع العلاقة بين مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية، تبين أنه بموجب النظام الأساسي، أن المجلس يمتلك سلطة إحالة وتأجيل القضايا طبقًا للمادتين (13/ب، 16) من نظام روما، فالإحالة تعتبر عنصرًا حاسمًا بالنسبة لقدرة المحكمة على توسيع اختصاصها في حالات الجرائم الدولية الخطيرة (جريمة الإبادة الجماعية- الجرائم ضد الإنسانية- جرائم الحرب- جريمة العدوان) بغض النظر عن مكان وقوعها، حيث تسمح الإحالة من المجلس بامتداد اختصاص المحكمة إلى النظر في الجرائم التي تتم على أراضي الدول غير الأطراف، ومن ثم تؤدي إلى دعم إمكانية قيامها بفتح دعاوى قضائية في الجرائم الخطيرة، وفي نفس الوقت، كنتيجة للإحالة، يصبح المدعي العام ملزمًا باتخاذ قرار مستقل طبقًا لنظام روما بخصوص ما إذا كان يجب الاستمرار في التحقيق أم لا.
وبخلاف الإحالة، فإن سلطة التأجيل الخاصة بمجلس الأمن طبقًا للمادة (16) من نظام روما، يسمح لهذه الهيئة السياسية أن تفرض قراراتها على المحكمة، والحد من قدرتها على متابعة الجرائم الواقعة تحت سلطتها القضائية، كما تزيد عملية التأجيل من احتمالية عدم التمكن من رفع الدعاوى القضائية، ويبدو أن المجلس يغالط في تفسير المادة (16) من أجل تحقيق أهدافه غير القانونية، التي تمثل التجاوز الواضح في سلطاته على المحكمة الجنائية الدولية، وأنه ليس هناك أي مبررات دستورية أو قانونية تجعل أي جهة تقبل هذا التجاوز في سلطات مجلس الأمن.
كما إن مدى فاعلية المحكمة ونجاحها في تحقيق الأهداف التي أنشِئًت من أجلها، إنما يتوقف بشكل أساسي على تعاون الدول التام معها في شتى الميادين والمستويات، وتنفيذ الالتزامات المفروضة عليها تجاهها بصدق وبروح من حسن النية، لأن المحكمة تفتقد للآليات التنفيذية، فلابد على الدول أن تقوم إلزامًا أو طواعية بتنفيذ طلبات التعاون فيما يتعلق بالقبض والتقديم أو تنفيذ الأحكام، وللمجلس أن يتخذ التدابير المناسبة في حالة رفض التعاون أو تقديم المساعدة للمحكمة في حالة ما كانت القضية محالة منه.
وبما أن مجلس الأمن هو الجهاز المسئول مباشرة عن السلام والأمن الدوليين، وكذلك عن ردع العدوان، وهو يمتلك الصلاحيات اللازمة لدرء التهديد عن المجتمع الدولي، ووقف هذا التهديد عند حصوله، فله الحق في ممارسة صلاحيته بالإحالة إلى المحكمة كما فعل في حالتي دارفور أو ليبيا، أو أن ينشىء محكمة مؤقتة للنظر في الجرائم المرتكبة، لأنه لا يوجد نص في الميثاق يمنعه من ذلك، أو أن الجريمة المرتكبة من الجرائم الدولية، ولكنها لا تقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية كجريمة الإرهاب، أو أن الجريمة المرتكبة وقعت قبل دخول النظام الأساسي للمحكمة حيز النفاذ لأن هذا الأخير يسري بأثر فوري.
ومن جانب آخر قد تواجه المحكمة الجنائية الدولية في كثير من الأحيان تحديات حقيقية، مثل استخدام مجلس الأمن للاستخدام التعسفي للسلطات المخولة له من نظام روما الأساسي، ولا سيما في مجال الإحالة والممارسة على جريمة العدوان، أو إصداره لقرارات تستبعد اختصاص المحكمة، بحجة حماية رعايا الدول غير الأطراف أو قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
كما أن من التحديات التي تواجه المحكمة هو تداخل الاعتبارات السياسية في المسائل القانونية، وتأثير ذلك على الاختصاص القضائي للمحكمة، وخير ما أستدل به، موقف الولايات المتحدة الأمريكية الرافض للمحكمة الذي يشكل في حد ذاته تحديًا حقيقيًا لها، فما قامت به من الضغط على المجلس لاستصدار قرارات باستبعاد اختصاص المحكمة، أو إصدارها لقانون حماية رعاياها (ASPA)، أو الضغط على الدول لإبرام اتفاقيات ثنائية غرضها منع تسليم رعاياها إلى المحكمة، لهو دليل على استخفافها بمشاعر الدول التي أسست محكمة يكون هدفها الأساسي معاقبة كل من يرتكب إحدى الجرائم الداخلة في اختصاصها، والتي تهز الضمير العالمي، وتمس قواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وقد حاولت من خلال هذه الدراسة الإجابة عن الإشكالية الرئيسية وما أثير في ضوئها من تساؤلات فرعية، والتي أؤكد من خلالها أن المحكمة الجنائية الدولية ليست مستقلة استقلالًا كاملًا بحكم النظام الأساسي والقواعد الملحقة به عن أي مؤثرات خارجية خاصة مجلس الأمن، فما نصت عليه المادة (16) من نظامها هو خير دليل على ذلك، فمنح المجلس- بوصفه جهاز سياسي- سلطة إيقاف التحقيق أو المحاكمة في أي مرحلة كانت عليها الدعوى لمدة اثنى عشر شهرًا يمس بدرجة كبيرة عمل جهازًا قضائيًّا ألا وهي المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي سيؤثر على استقلاليتها.