![]() | يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام |
المستخلص لقد فُطر الناس منذٍ أمد بعيد على حب المفاضلة بين الأشياء خاصة التي تنتمي إلى أصل واحد، أو تنحدر من مصدر واحد، وكان ميدانا فسيحا لهذه المفاضلات أو الموازنات بين الشعراء قديماً وحديثاً، منها ما لم يدّون ولم يصل إلى أيدي النقاد إلا في صورة أخبار متناثرة في كتب الأدب والتراجم، ومنها ما حفظته ذاكرة التاريخ وأفاد منه الدارسون؛ فقد وازن النقاد بين امرئ القيس والنابغة وزهير والأعشى في الجاهلية، وكذا وازنوا بين جرير والفرزدق والأخطل في العصر الأموي، ووازنوا بين أبي نواس ومسلم بن الوليد وأبي العتاهية في العصر العباسي، كما وازنوا بين شوقي وحافظ في العصر الحديث.. والموازنة فن أدبي، يتميز به ردئ الشعر من جيده، ولذا فهي مهمة شاقة على الناقد، لما تحتاج إليه من البصر بأساليب البيان، ولما تتطلبه من ذوق أدبي، يتكون من طول الممارسة، وكثرة المطالعة للتراث الأدبي القديم. والموازنة في اللغة من ” وَزَنَ الشيئ، إذا قدّره، والوزن ثقل شيئ بشيئ مثله، وهذا يوازن هذا إذا كان على زنته أو كان محاذيه، ووازنه : أي عادله وقابله ”. في حين أن الموازنة في النقد الأدبي قد اتسعت مدلولاتها وتعددت فبعض النقاد يرى ” الموازنة نوعاً من النقد، وهي كذلك نوع من الوصف؛ فالذي يوازن بين شاعرين إنما يصف ما لكل منهما وما عليه بأدق ما يمكن من التحديد ”. ومن هنا فإن الموازنة بهذا المفهوم فن أدبي قديم ظهر في النقد العربي منذ الجاهلية، فقد كان القدماء يتحاكمون إلى النابغة الذبياني الذي يعد من أوائل النقاد العرب، حيث كانت تضرب له قبة حمراء في سوق عكاظ، حيث كان في نظر الشعراء المبتدئين، آنذاك، أقدر الشعراء على وزن الكلام ومعرفة جيده من رديئه. |