Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
الأنثروبولوجيا الرمزية :
المؤلف
عثمان، دعاء رمضان محمد.
الموضوع
الأنثروبولوجيا الثقافية.
تاريخ النشر
2007.
عدد الصفحات
214 ص. ؛
اللغة
العربية
الدرجة
ماجستير
التخصص
علم الاجتماع والعلوم السياسية
مكان الإجازة
جامعة بني سويف - كلية الآداب - الأجتماع
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 209

from 209

المستخلص

من الواضح أن آراء ” جيرتز ” فيما يتعلق بالرموز الثقافية وتأويلها تتفق مع ما صرح به ، بأنها تهتم بمفهوم الثقافة . فعلى الرغم من تعريفه للثقافة عام 1960 على أنها ” نموذج للمعنى الصادر من العوامل التاريخية المغروسة في رموز ، نسق من المفاهيم المأثورة والمجسدة كأشكال رمزية متنوعة وفقاً لتبدل الأفراد ، كما أنها ( الثقافة ) معرفة مطورة عن الحياة واتجاهات الأفراد نحوها ” . إلا أن ” جيرتز ” عام 1970 وضع ركيزة أولى لمفهوم الثقافة الدلالي – مثل ” ماكس فيبر ” – بأن الثقافة تمثل شبكة من المعاني نسجها الأفراد بأنفسهم .
لقد أكد ” جيرتز ” بهذا المفهوم الجديد ، أن الأنثروبولوجيا تعد اتجاهاً تأويلياً يعطي معاني واسعة للحياة أكثر من أي علم تجريبي يبحث عن القوانين . فقد اتفق ” جيرتز ” مع الرؤية الحديثة للأنثروبولوجيين ما بعد الحداثيين – على أن الأنثروبولوجيا ليست علماً فيزيقياً ، لكنه تأويل يبحث عن المعنى . ولعل تلك الأفكار التي صرح بها ” جيرتز ” تتشابه إلى حد كبير مع آراء ” ادموندليتش Leach ” فيما يتعلق برفضه أن تكون الأنثروبولوجيا علماً يبحث عن القوانين . وفي هذا الصدد اعتبر الأثنوجرافيا – كأسلوب ميداني فعال وحيوي للأنثروبولوجيا – تصوراً Fiction بمعنى أنها تنتج من تصور الأنثروبولوجي للواقع، كما أن الحقائق التي تتضمنها الأثنوجرافيا ذاتية ، وتعبير عن الجانب الإسقاطي لشخصية الملاحظ . ( Geertz, 1973, P. 5)
رأى ” جيرتز ” أن المهمة الأساسية للأنثروبولوجيين هي العمل الأثنوجرافي ، الذي لا يقتصر على تأسيس العلاقات وانتقاء الأخباريين وتسجيل النصوص ورسم الخرائط وكتابة اليوميات ولكنها مجهود عقلي . فهو وصف مكثف Thick description . ( Ibid, P. 10) فسلطة الأثنوجرافي كما يراها ”جيرتز” هي القدرة على إقناع القراء ... بأن ما يقرءونه هو وصف واقعي حقيقي وموثوق به. إذا أن السلطة الأثنوجرافية ترتكز على طريقة صياغة النص الأثنوجرافي ، وعلى القالب اللغوي الأدبي . فهو بذلك ينظر إلى العمل الأثنوجرافي على أنه استنباط لأبنية فكرية معقدة ومتشابكة على نحو معقد ، وفي نفس الوقت غريبة وغير منتظمة – لكي يدركها ويصدرها على مستوى الواقع . فيقر أن الأثنوجرافيا خيال كما تشابه مع ” ليتش ” على أساس أن مصدر المعرفة هو براعة الأنثربولوجي . ولذلك يؤكد ” جيرتز ” على ان أهمية التقرير الأثنوجرافي لا ترتكز على مقدرة المؤلف للاستئثار بالحقائق التي يجمعها من أماكن بعيدة كما لو كانت سراً ، ولكن هي قدرته على توضيح ما هو موجود في هذه الأماكن ليحل لغز تلك الحقائق . ( Ibid, P. 16)
ومن هذا المنطلق انتقد ” جيرتز ” مبدأ ” مالينوفسكى ” الذي يؤسس السلطة الأثنوجرافية من خلال توضيح ” تواجد الأنثروبولوجيين في الميدان ثم اختفاء أي علامة على تواجده في داخل النص المكتوب . فقد دعى ” جيرتز ” إلى بعثرة وتشتت السلطة من خلال الحوار والتجريب . ويؤسس الأثنوجرافي سلطته من خلال تنظيم النص أو أسلوب كتابة النص . ويحدد ” ماركوس وكوشمان ” أسلوبين لإجراء وكتابة الأثنوجرافيا : الأول يرتكز على الحوار مع عينة من الأخباريين وفي هذا الأسلوب يرتكز التفسير على التفاعلات بين الأثنوجرافي ومجموعة منتقاة من أبناء الثقافة موضوع الدراسة . الأسلوب الثاني : هو الأسلوب الذي يتم من خلاله تقديم الأثنوجرافي على أنه مراقب أو مترجم للنصوص التي تكون خاضعة أساساً لسلطة أبناء الثقافة .( Marcus George E. & Michael fisher, 1986. P. 33)
وأتفق ” جيرتز ” مع اتباع الأثنوجرافيا الجديدة ، التي ترى أن دراسة الثقافة ما هي إلا وصف لهذه الثقافة وتحليلها كما يراها أفراد المجتمع . لا كما ينظر إليها أو يفسرها الباحث الأثنوجرافي ذاته . لذلك فقد اهتم ” جيرتز ” بالمعلومات التي يدلى بها الأخباريون ، وإبراز السياقات والظروف التي أُعطيت فيها تلك المعلومات لاستخراج ما في مفرداتهم من مفاهيم ومضامين وما قد تحتويه من قيم وأفكار وتصورات لا يمكن معرفتها أو التوصل إليها عن طريق ملاحظة السلوك الظاهري لأفراد المجتمع .
وأوضح ” جيرتز ” أن الفرق بين الرؤية Vision والمفهوم Conception في تعريفاته الأساسية للثقافة مأخوذة من مفاهيم الرمز Symbol والمعنى Meaning والبعد الوجودي Ontological ، والذي يشير إلى الثقافة ومفاهيمها – ففي دراساته يتضمن المعنى نمطاً أكيداً في مقابل المذهب اللغوي والبنائي ، ومؤكداً على رؤيته الخاصة في جوهر إحساس ثابت وعميق من الفعل ، لمحاولة الرجوع من عالم مراوغ لعمليات رمزية ودلالية إلى وضوح عالم حقيقي من النسق والعاطفة . ( Geertz, 1973, opcit, P. 214) ، وهنا يستحث ”الكسندرJ.C.Alexander” التنافرالظاهري في وجهة نظر”جيرتز” المتناقضة. إذ أنه فضل بناء نظرية للرموز الثقافية رغم اهتمامه بأفعال اجتماعية .
- اهتم ” جيرتز ” بدراسة رموز الثقافة ، وأكد على وصف معنى هذه الرموز الثقافية كشيء جمعي يمثل في أفعال اجتماعية ، كفعل لا يحتوي على تنظيمات فقط لكنه أيضاً يشكل من ظواهر أخرى ثقافية . فكتب ” جيرتز ” قائلاً ( لابد لنا من الانتباه للفعل . لأن اهتماماتنا التي يجب أن تكون واقعية أكثر ودقيقة – ما هي إلا اندفاع مباشر نحو الفعل أو الأفعال الاجتماعية حتى تتكامل الأشكال الثقافية في داخل تحليلنا وتأويلنا لمعاني رموزها. وعليه أخضع ” جيرتز ” الفعل في نظريته لبناء يدرك من داخل الفعل .(Windchuttle,Keith, 2002, P. 5)
- تمثل حركة ” جيرتز ” نظرية راديكالية أقر من خلالها أن الثقافة ” ليست شيئاً قابعاً في أذهان ( عقول ) الأفراد ، ولكنها شيء متضمن في الرموز العامة ، وهي الرموز التي يتحقق من خلالها اتصال أفراد المجتمع ، عن طريق رؤية العالم والتوجهات القيمة وروح الجماعة أو الثقافة Ethos ببعضهم البعض وبالأجيال القادمة – وبالأنثروبولوجيين – بمعنى أن هذه الرموز هي قناة الاتصال بين كل هؤلاء . فقد مثلت هذه النظرة بؤرة اهتمام للاتجاه الفلسفي كبراجماتية ظهرت في القرن (20) ، ترى أن دراسة الرموز وعلم النفس – أظهرها ”جيرتز” بوضوح في ما أسماه النظرية العرضية للفكرThe Extrinistic Theory of Thought- في بداية عام 1960 كخلفية أدركتها الأنثروبولوجيا عن طريق منهجية” جيرتز ” التأويلية – نصاً يُشرح ويُأول . (Ortner, 1984, P. 29)
- وظف ” جيرتز ” في دراساته للثقافة – كلمة فكر Thought ليشير إلى أن المظاهر الفكرية أو الذهنية ليست حالة ثابتة و لكنها كما أسماها في أعماله ( مظهر عقلي كلي ) . فهو بذلك قد أنكر أن فكر الحياة للإنسان البسيطه وصف على أنه أساس اجتماعي وعام ، وأنه مثل الحدث النفسي التابع والثانوي . لأن الفكر يتضح لديه في جانبين : الأول : يشير إلى القدرة والفكرة والاتجاه والعاطفة . فهو وجود مستقل في الإدراك لكنه يستطيع إظهار أفعال ثابتة ومباشرة . ثانياً : أن الفكر انبثاق للإنسان يعتمد على مواد موضوعية لعملية الفعل ، والتي تحتوي على الوجود المادي للإنسان ذاته .
- وأوضح في منتصف القرن (20) مفهوم الفطرة العقلية أراء بعض الفلاسفة الوضعيين مثل ” Wittgenstein , Ryle ” ، نقطة التحول الأكيدة في داخل فكر ” جيرتز ”، والمتجه نحو أهمية مفهوم الفطرة Disposition ، التي أشار إليها ” Wittgenstein ” و ” Ryle ” على أنها قدرة وعاطفة وتخيل وحافز يبتكر من أحداث نفسية وعاطفية . كما أنه إدراك ومعرفة تمثل تعبيرات للواقع المعاش . لأن الفكر ليس فقط القدرة على الاتصال ، لكنه ارتباط وثيق مع العاطفة والحافز . وربما معرفة ” جيرتز ” لهذا الواقع ترى من مظاهر متنوعة لرؤيته المشارة إلى عمليات عقلية من الفكر – فقد رأى ” جيرتز ” أن العقل كفطرة بخلاف الفعل والشيء ، لكنه نسق تنظيمي من فطرة متنوعة مثبته في بعض الأفعال والموضوعات . لذلك فإن القوة النفسية والخاصية الروحية صنعت للانفصال عن مجال الخبرات الخاصة . ( Geertz, 1973, opcit, P. 58)
- اقتبس ” جيرتز ” نظرية الأشكال الوجدانية من ” لانجر langer ” في رؤيته الرمزية ، التي ترى مراكز الفطرة الوجدانية Sentimental Dispostion تنظيم جاد يستطيع صنع تأثير لاستجابات عاطفية من داخل أحاسيسنا الطبيعية في مواقف متنوعة وثابتة، أحاسيس القداسة Holiness واتجاه تكريسى للشعائر على أنها رموز من إحساس وجداني عام ينتج القداسة والتكريس في عاطفة المشاركين – كما أوضح أن رؤية صراع الديكة في بالى ، تعليم وجداني . لأنه رؤى نادرة واستثنائية من الحياة إلى الموت ، كذلك قسوة عاطفية وعمليات عامة للفعل تصنع خبرة البالى المتنوعة من عواطف قاسية . ( Ibid, P. 810)
- لقد رأى ” جيرتز ” أن الفرق بين الفطرة في كل هذه الافتراضات – تحليل ممارس وفعل يوضح الفطرة في ( كل ) معبر عنه . لذا تفكير الإنسان ليس أنشطة سرية وإنما هو جوهر عام واجتماعي في ساحة قتال أو سوق أو أنشطة دينية بدلاً من العقل . فهي ميادين متنوعة له . وهذا ما أكد عليه ” جيرتز ” في السنوات الأخيرة عندما تخلص من آراء الفلسفة الوضعية ، إدراك أن الفعل دليل أكيد لعمليات ثقافية مرئية ، التي لا تحث بدراسة وضعية بواسطة الملاحظة والتعميم ولكنها طبيعة نصية توضح أن دراسات الثقافة ليست نظرية عامة للقانون بواسطة العلم الوضعي ، ولا أنها حل شفرة الحروف الرمزية المتشابكة بواسطة المذهب البنائي ، لكنها تأويل نصي . ( Ibid, P. 56)
- اتجه ” جيرتز ” إلى نقد الرؤية البنائية لـ” ليفى ستروس ” ، التي تتمثل في ضعف الرصد الأثنوجرافي للسلوك الثقافي الاجتماعي المراد دراسته . فيرى ” جيرتز ” هذا الضعف تجاهل بواسطة النظرة البنائية في سبيل الوصول إلى اكتشاف قوانين عامة ومجردة يتم من خلالها إعادة التركيب ذهنياً لأنساق المفاهيم ، ذلك من خلال الكشف عن الأعماق التي تقع تحت سطحها . ورغم اتفاقه مع بنائية ” ليفى ستروس ” في الاهتمام بالمظاهر العامة لقدرة البشر على استخدام الرموز إلا أن اهتمام ” ليفى ستروس ” محدود بالعمليات المعرفية المحددة تجريبياً . (Chene Mary Des, 1996, P. 1275)
- عرض ” جيرتز ” أن معرفة الأنثروبولوجي للفعل الثقافي أكيدة من معرفته للعقلية الثقافية . لأن هذه الأفعال منفردة لا تصنع إحساس لو أننا أرادنا تفريغها من المعنى . لذا يجب وضعهم بداخل سياق نصي – يستطيع إنجاز هذه الأغراض فقط بواسطة تكامل هذه الأفعال . إنها بوضوح عملية تأويلية للباحث- عجزت النظرية المعرفية للعالم ” M. Polary” عن تطبيقها، مع أنها نظرية تستطيع الإشارة إلى التفكير في مقابل المذهب النصي لـ” جيرتز”. ( Keith Windschuttle, 2002, opcit, P. 13) ، فقد تأثر في بادئ الأمر ” جيرتز ” بآراء ريكور وديلثاي فيما يتعلق بالنصوص الثقافية وتأويلها – وأكد ” ريكور Paul Ricoeur ” على أن استخدام الرموز والإشارات لها أهمية كبرى في فهم النص Text الثقافي ، كما أكد على أن النص يمكن تركيبه وتفكيكه ليس على أساس أنه مجرد سياق متسلسل من الكلمات أو العبارات يمكن فهمها بصورة منعزلة، لكنه كل تلعب فيه العلاقات دوراً هاماً في تحديد معناه. (Ricoeur Paul, 1971, P. 555)
- واتفق كلاً من ” ريكور وديلثاي ” على أن تأسيس النصية Textualiztion عملية يمكن بواسطتها للسلوك غير المكتوب والكلام والمعتقدات والطقوس والشعائر – أن تصبح مكتوبة أو ثابتة في شكل نصي ، يمكن فصله وعزله عن الحديث أو الخطاب Discourse اليومي ، وهو ما يشبه الوصف الأثنوجرافي المكثف Thick لدى ” جيرتز ” .
( Ibid, GF. P. 555)
- تُعد مناقشة ” جيرتز ” للنصية الثقافية في الاتجاه التأويلي – في لعبة صراع الديكة في بالى – أفعال ثابتة ومتنوعة يمكن تأويلها كشيء أسطوري ووصف ثاقب مستمر للأنثروبولوجي ، الذي يستطيع رؤيته من الدراسات الأنثروبولوجية أكثر من منهج بسيط يتبعه . فإن فكر ” جيرتز ” في رؤية الثقافة كنص – كتب في الفعل وتسمى ( رموز ) – تشير إلى أن الثقافة أفعال ثابتة ومتنوعة ، وتدعى هذه الأفعال ( بالفعل الرمزي ) Symbolic action . لذا أكد ” جيرتز ” من أجل فهم النص الثقافي . لابد من أن يكون الباحث الأنثروبولوجي في حضور المتكلم ، ومن أجل تحويل الخطاب أو الحوار إلى نص مكتوب . يجب أن يفصل عن الحديث الفعلي للكلام ويسجل ويؤول من خلال معايشة الباحث لموقف البحث ليستطيع إعادة أو تكرار تأويله The recycling of interpretation . وبناءاً عليه يمتلك النص خاصية الانتقال من مكان لأخر ليمكن الباحث من تأويله مرة أخرى خارج موقف البحث . وهذا ما يجعل الدراسات الأثنوجرافية أكثر ثرءاً وتطوراً مستمراً .
- ورأى كلاً من ” Fisher & Marcus ” الكتابة الأثنوجرافية طرق لمشروع الأنثروبولوجيا النقدية – كنقد أدبي ثقافي يسعى لتطبيق التجريب Experimentation مع نماذج تصورية Representation في الكتابة الأثنوجرافية ، التي توجد بها وسائل نستطيع إدخال افتراضات ثقافية خاصة في داخل أسئلة محورية للباحث . وأن الإدراك الذاتي Self-Consciounsess – عن عملية الكتابة مع تجريب الكتابة الأثنوجرافية أساس لاعتراضات الوصف المكثف ، مزاعم لكتابة أثنوجرافية عن موضوعات معرفية جديدة ، تفتحت محتواها لتعدد الأصوات والمنظورات المختلفة للأنثروبولوجي ، والتي تنبثق من اعتبارات أثنوجرافية جديدة . (Ted lock Barbara, 1991, P. 70)
- إن الأعمال متعددة الأصوات في رأي ” جيرتز ” تكون منفتحة بالضرورة على قراءات متنوعة ، وتؤكد النظرية الأدبية أن فهم النص بطريقة منسقة – أو قابلية النص لأن يكون مفهوماً – يعتمد على مقاصد أو مزاعم المؤلف المبدع ، وبدرجة أكبر على النشاط الإبداعي للمؤلف . وهو ما يجعلنا نقول أن كتابة الأثنوجرافيا – كنشاط جامع متعدد الذاتيات – يتحقق لها التماسك والترابط المنطقي من خلال أفعال القراءة . فإذا كان النص يستنتج من الاقتباسات أو الاستشهادات المستقاة من مراكز ثقافية لا يمكن حصرها ، فإن وحدة النص لا تكمن في أصل النص ولكن في معنى ودلالة هذا النص . ( Geertz, 1988, PP. 52 - 53)
- بيد أن الرؤية البنائية لكتابة الثقافة التي تحتل مكاناً لدى ” ليفى ستروس ” – هي مفهوم يدور حول الإشارة أو الرمز من خلال العلاقة بين الطبيعة والثقافة التي تؤلف جوهر البحث الأنثروبولوجي . فقد نظر ” ليفى ستروس ” إلى الثقافة على أنها نسق من الإشارات والرموز ذات الدلالات والمعاني المستترة ، التي لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال المنهج البنيوي . كما أوضح أن هناك وسيط بين التخيلات Images ومفاهيمها Concepts وبالتحديد الإشارة ، التي تعرف بطريقة دي سويسير كنوع من الإشارات اللغوية التي ترتبط بين الدال والمدلول . ( Honigmann, J., 1976, P. 325)
- وجه الأنثروبولوجي التأويلي ” كليفورد جيرتز ” نقداً لأراء ” ليفى ستروس ” و ” سويسير ” – لينظر إلى الثقافة من نظرة تأويلية رمزية – ترى أن ” ليفى ستروس ” لم يعتمد على استخلاص المعاني الرمزية من الأفراد أنفسهم – الذين يستخدمون هذه الرموز - بل اعتمد على الأنساق الرمزية مثل ( الطوطمية والأساطير والمحرمات ) كعلاقات داخلية بين الرموز والمكونات الأساسية لكل نسق . فالمعنى المرتبط بالرمز لا يعتمد على رؤية الفرد ذاته ، بل على علاقة الرمز بالرموز الأخرى . وهو ما رفضه ” جيرتز ” لأن الثقافة من وجهة نظره نتاج للتفاعل الإنساني – أي أنها عامة لا توجد في داخل عقل الفرد . إنما تعتمد في رؤيتها على معاني الدلالات التي نسجها الإنسان بذاته . فهو يبحث عن طرق لفهم الثقافات الإنسانية بدلاً من محاولة تفسيرها عن طريق وسائل نظرية سببية تستخدم قوانين عامة للسلوك . ( Geertz, 1973, opcit, P. 5)
- وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهها ” كليفورد جيرتز ” للبنيوية ، إلا أن ” ديفيد شنيدر ” دافع بصورة مكثفة عنها من قبل الأنثروبولوجيا الرمزية ، كأحد أنصارها في الولايات المتحدة . فأوضح ” شنيدر Schnedier ” أن استخدام تعريف الرمز يقترب إلى حد كبير من استخدام ” ليفى ستروس وسويسير ” – الذي يرى الرمز شيء يمثل أو يصور شيء أخر ، ليس لوجود علاقة ضرورية بينهما وإنما نتيجة علاقة تعسفية بين الرمز والمرموز . فتطبقه للمنهج البنيوي على دراسته للقرابة في المجتمع الأمريكي ، جعله يركز على مفهوم الثقافة والأشكال الرمزية كمعاني ودلالات مرتبطة برموز مستخدمة ، تظهر معانيها على أساس العلاقة القائمة بين تلك الرموز . وهذا ما يتفق مع مقولته ” أنني لست مهتماً بالوصف ( للأنماط الفعلية للسلوك ) أو بما يفعله الأفراد في الواقع ، وإنما اهتم بنسق الرموز والمعاني وليس الوصف على أي مستوى ” . ( Schneider, 1980, P. 135)
- رفض ” جيرتز ” رؤية الثقافة على أنها بناء رمزي مستقل بذاته لا يرتبط بأفعال الأفراد ، ويذهب ” جيرتز ” إلى أن ” شنيدر ” قد أغلق النسق الثقافي على ذاته ، أغفل العوامل الاجتماعية والقوى الخارجة وأفعال الأفراد في حياتهم اليومية . ونموها وانتشارها وتغير معانيها تبعاً لذلك التغير ، واقتصر على كشف معناها من خلال علاقات ثابتة شكلية بينهما . على عكس ما أكد عليه ” جيرتز ” في اهتمامه بأفعال الأفراد اجتماعياً ، مؤكداً على أن الثقافة والرمزية تتبلور بصورة قوية من خلال الفعل الاجتماعي . ( Geertz, 1973, opcit, P. 17)
- ومن هذا المنطلق قدم ” جيرتز ” نموذجاً تاريخياً للدراسات الرمزية في أعماله – التي تمثل تعويضاً مخالفاً لأغفال البنيوية العوامل التاريخية – فوجد أن العلاقة بين التاريخ والأنثروبولوجيا الظاهرة منذ القدم ، اتجاه قوي في الأنثروبولوجيا الرمزية ، يطبق المنهج التاريخي خاصة في دراسات التغير الثقافي والتاريخي من خلال التركيز على الأشكال الرمزية المرتبطة بمراحل تاريخية معينة . وعلى العكس من ذلك – أوضح ” ليفى ستروس ” عام 1963 أن التاريخ ربما خُصص لدراسة محتويات في بعد زمني يركز على أفراد وخصائص في دراسته ، كذلك رأى ” ايفانز بريتشارد Evans Pritchard ” عام 1962 في اقتراح له أن العلاقة بين التاريخ والأنثروبولوجيا – تأويل وتفسير لا يهدف للعلم أو لإدراك الحياة الاجتماعية لأفراده ، لكنها تأويل وترجمة لظاهرة اجتماعية وثقافية . تكلم عنها ” بواس Boas ” من خلال مذهبه الأُحادي التاريخي ، الذي افترض رابطة قوية بين الفرعيين في الدراسة التاريخية الدقيقة . (smith, 1986, P. 137)
- قدم ” جيرتز ” دراسة تاريخية رمزية في أندونيسيا ( داخل مقالته التاريخ الاجتماعي المتخيل ) كمحاولة منه للكشف عن الشخصية الاجتماعية ، وركز الاهتمام على صور التفاعل بين العوامل الثقافية والبيئية والاقتصادية وبين البناء الاجتماعي لفترة زمنية . ولإعطاء بعض النتائج الهامة حول أهمية هذه العناصر في تشكيل الحياة الإنسانية – أشار ” جيرتز ” في كتاب تأويل الثقافات إلى أن المداخل الوظيفية في دراستها للتغيرات وضعت تغير البناء الاجتماعي في قوالب ثابتة مرتبطة بأنماط القديم والبدائي والتقليدي والمعاصر ، والتي لا تتفق مع طبيعة المجتمعات المتغيرة . فقد قامت بالتركيز على أنساق متوازنة من الاتزان الاجتماعي وصور بنائية قادت إلى ثبات المجتمعات المتكاملة في توازنها ، وأغفل الوظيفيون من وجهة نظر ” جيرتز ” التمزق وعدم التكامل النفسي لأنماط السلوك الديني المبدلة لأوضاع اجتماعية وثقافية في المجتمع ، التي ظهرت داخل مصطلحات ثقافية ودينية وداخل البناء الاجتماعي ككل . ( Geertz, 1973, opcit, P. 143)
- ونتيجة لما قدمه ” جيرتز ” في دراساته التاريخية ، المشار لها في القصص والحكايات ، التي جمعها من الدراسة الأثنوجرافية للتراث التاريخي الشعبي – أكد على أن هذه الروايات والقصص تتضمن رموزاً ونماذجاً ذات دلالة ومعناً للمجتمعات . كما أسس ” بول رابينو Paul rabinow ” منهجيته الخاصة المتأثرة بمنهجية ” جيرتز ” التاريخية – دراسته للأشكال الرمزية في داخل كتاب ” الهيمنه الرمزية في المغرب ” – كمحاولة منه للكشف عن صور مفصلة عن الأشكال الرمزية في ثباتها وتغيرها في فترات زمنية معينة من تاريخ المجتمع . ( Sahlins, 1985, P. 50)
وتوصل ” رابينو ” إلى نتيجة مخالفة لـ” جيرتز ” – رغم اتفاقهما على أن الرموز الثقافية تفهم بطريقة أدق من خلال العودة للماضي ، بغرض تتبع ظهورها ونموها . ( Geertz, 1973, opcit, P. 235) ، إلا أنه أكد على أن الرموز المهيمنة والمرتبطة بتصورات البركة والقداسة وسمات الشخصية الكارزمية وما ترتبط به من قيم العدالة والكرم ، مازالت موجودة ومستمرة في المغرب رغم التغيرات الناشئة في الحياة الاقتصادية والمادية – على عكس ما تقدم له ” جيرتز ” في أن التغير في الحياة الدينية والسياسية للمغرب ، أدت لظهور تحول من الرموز الدينية المعتمدة على الطرق الصوفية إلى السلطة الدينية ، التي تعتمد على الكتاب والسنة. (Rabinow Paul, 1975, opcit, P. 24)
- نجد أن ما تقدم به ” جيرتز ” في عمله الميداني ما هو إلا حركة معتمدة على التحليل المتزامن Synchronic والملاحظة بالمشاركة كتنظيم أنثروبولوجي احتاج إلى معلومات تاريخية ليؤكد على أن دراسته للأشكال الرمزية في أندونيسيا والمغرب لم تهتم بالتتبع التاريخي للأحداث ، بغرض توثيقها ، وإنما سعى دائماً لإظهار الصورة الجوهرية لآليات عملية التغير ، التي تنجم عنها أشكال رمزية ذات دلالة ومعنى يختلف في دلالته ومعناه عن السابق .
يتلخص مما سبق أن أفكار ” جيرتز ” في الأنثروبولوجيا الرمزية ( التأويلية ) اشتملت على منظورات مختلفة وأفكار متعددة ، وتفادت نظريته أوجه نقد كثيرة لفروع علمية أخرى، التي جعلتها رؤى حديثة نسبياً في العلم تنظر إلى دراسة الثقافة والرمز كالآتي :
(1) إن الثقافة عامة Public تتألف من رموز ومعاني هي الأخرى عامة، من خلال تطوير فكرة النسق الثقافي أو الرمزي، وتحررها من الأُطر الجامدة عند كل من ”بارسونز Parsons ” ونظرية الفعل فذهب ” جيرتز ” إلى أن دراسة الفعل الرمزي Symbolic Action تُعد ضرورة لنمو وتطور النظرية الوظيفية الاجتماعية. إذ لا يمكن استبعاد الأعمال والأشكال الفنية والثقافية عند دراسة المجتمع .
(2) إن النسق الثقافي عبارة عن نسق رمزي يدخل في فعل الأفراد . لذا يرى أن الموضوعات الثقافية الرمزية جزءاً من الشخصية لأنها تنظيم داخلي وذاتي . فأكد ” جيرتز ” على أن نظرية الفعل إذ لم تتضمن أوجه النظر الذاتية لدى الفاعل والنسق الرمزي . فمن الصعب استخدامها في بناء نظرية عن الفعل الاجتماعي . ( Parsons, 1968, P. 44)
(3) استخدم ” جيرتز ” مفاهيم ( التصورات – الخيال ) أو الرمز كي يكشف عن أنماط ثقافية معينة في مجتمعات بعينها – كما هو الحال في دراسة الباليين من خلال الوصف المكثف لظاهرة صراع الديكة Cockfight ، وفي مناقشته الجوانب السياسية في دراسة المسرح Theatre . فقد نجح ” جيرتز ” في إثارة الاهتمام حول القضايا التي درسها وحول المنهج الذي استخدمه . ( Geertz, 1989, P. 297)
(4) أخضع ” جيرتز ” منهجه العلمي إلى طبيعة الدراسة التأويلية الرمزية ، والتي تهدف إلى تحليل أنساق المعاني المتضمنة في الرموز ، وربطها بالعمليات الاجتماعية ومن ناحية أخرى ربطها بأنماط التفاعل الاجتماعي . فإنه نظر إلى مجتمعات وجماعات محلية ، إلى الخصوصية والنسبية الثقافية والرمزية ليؤكد على اختلافه مع وجهة النظر البنيوية لـ” ليفى ستروس ” فيقول ” أن ليفى ستروس اهتم بالعقل البدائي العام العالمي ، الموجود في جميع الناس على حساب العقول المحلية الخاصة بجماعات بدائية تعيش في أماكن وغابات معينة ” . ( Geertz, 1973, opcit, P. 365)
(5) طور ” جيرتز ” الدراسة الأثنوجرافية وعمقها داخل منهجية الوصف المكثف Thick Description لتصبح جوهراً للمدخل التأويلي الرمزي ، من خلال رؤية المواطن التي لا تتطلب الاتصال الوجداني أو التعاطف أو الدخول في عقول هؤلاء الأفراد ، وإنما الاتصال الذي يعتمد على المشاركة والتبادل . فمن خلال النقاش أو الحوار اليومي تتكرر الرسائل وتصبح بتبادل فهمي حتى يتم الاتفاق على معنى معين بغرض تحقيق دراسة مقارنة أو تقاطع ثقافي Cross-Cultural من خلال ما أسماه ”جيرتز” التجربة عن قرب Experience-near. ( Marcus and Fisher, 1986, P. 30)
(6) اعتمد ” جيرتز ” في دراسته اعتماداً كبيراً على التحليل اللغوي ، وأن كان قد تحقق بصورة مختلفة – عن مداخل أخرى طبقاً لتوجيهات نظرية لكل مدخل – بتأسيس نسيج من المعاني ذات طبقات متعددة تحملها اهتمامه بمفهوم النص الذي يشير إلى أهمية اللغة وما تتضمنه من رموز ومعاني .
(7) شبه ” جيرتز ” الأثنوجرافيا بقراءة النص الأدبي أو التحليل النصي Textual analysis بقوله ” أن المادة التي يتعامل معها الأثنوجرافي هي عبارة عن أبنية تصورية متنوعة ومتعددة . فالأشكال أو الأنماط الثقافية يمكن دراستها وفهم معناها على أنها نصوص وأعمال خيالية ، تتألف من مواد اجتماعية لا تنفصل عن الأحداث والأفعال موضع الدراسة في قراءتها لتلك الأحداث والأفعال ، إلا أصبحت خالية من المعنى ” .
(8) أكد ” جيرتز ” على دور الأثنوجرافي – في مقاله ” الإدراك الأثنوجرافي ” عام 1974 – المتعامل مع الأحداث الاجتماعية وأفعال الأفراد على أنها نصوص يمكن عزلها مؤقتاً عن الموقف ، بحيث يمكن الأنثروبولوجي من قراءتها وفهم معانيها فيما بعد ، وفي غياب الموقف ذاته . مع أنها ليست منفصلة عن المضمون العام للموقف .
(9) أوضح ” جيرتز ” أن دور الأنثروبولوجي في كتابه ( ما أستوعبه ) في تقرير علمي ما هو إلا تأويل أنثروبولوجي ، يُعد تصنيف وترتيب وتنظيم لما يقوله ويعتقد به الأخباريون . فالتقارير والكتابات التي يقدمها الأثنوجرافي أو الأنثروبولوجي عبارة عن تأويلات أو نماذج لنفس تأويل الأخباري الذي قدمه – لأن هذه التأويلات أو الأوصاف التي يقدمها الأخباري تشبه إلى حد كبير الرواية أو السرد القصص ، لأنها تخضع لعملية صياغة وتأليف من خلال الحوار والمناقشات . ( Geertz, 1973, opcit, P. 15)
من هذا المنطلق نقد ” جيرتز ” محاولات بعض الباحثين التي تنظر إلى الثقافة على أنها فولكلور أو تراث شعبي يقومون بجمعه أو تحويله إلى سمات Traits يحصونها أو يحولونها إلى نظم تُوصف . لأنها من وجهة نظر ” جيرتز ” محاولات تبتعد عن فهم المعنى الحقيقي للثقافة . بيد أن بعض الانتقادات وجهت للأنثروبولوجيا التأويلية عامة وأفكار ” جيرتز ” خاصة ، من أهمها :
( أ ) أن الأنثروبولوجيا التأويلية تركز على الجوانب الذاتية في اهتمامها على حساب الموضوعية العلمية – فقبل ” جيرتز ” هذا النقد قائلاً : أن الاتجاه التأويلي يهتم بدراسة المعنى ويعالج الرموز على اختلاف أشكالها كي يستخلص المعنى أو المعاني السائدة في ثقافة أي مجتمع . لذلك أوضح ” جيرتز ” من البداية أن طبيعة الدراسة التأويلية تهدف إلى معرفة المعنى ، وليست مجرد دراسة تجريبية تهدف إلى الوصول لقوانين تفسر السلوك .
(ب) وجه ” سبيرو Spiro ” انتقاداً للأنثروبولوجيا التأويلية في تشبيهها الثقافة بالنص Text. فيقول إذ كانت الثقافات نصوص ، وأن الهدف من البحث الأثنوجرافي هو التأويل . فيجب أن تصبح هناك معايير في اختيار النص ، التي تعالج كنموذج أو مثال . فقد قصد في نقده اتباع الأنثروبولوجي الدراسات النقدية الأدبية ، والتي تختار نصاً معروفاً لمؤلف مشهور ليصبح مثالاً أو نموذجاً يقتدي به النقد الأدبي . ومن ثم يمكن من استخلاص نتائج هامة من الدراسة . لذا يجب على الأنثروبولوجي اختيار نموذج ثقافي معين يقوم بتأويله كي يساهم في تأويل وفهم ثقافات أخرى ، ولا يقتصر على مجرد ثقافة محلية موضوع الدراسة . ( Spiro, 1992, P. 143)
لقد أغفل ” سبيرو ” في ذلك أن الثقافة لا تخضع لمؤلف واحد كما يخضع النص الأدبي . بل أنها نتائج مجموعة الأفراد الذين يشاركون فيها .
(ج) كما وجه نقداً لتركيز ” جيرتز ” على الفهم الذاتي للنص أو التأويل ، الذي نجم عنه إهمال للطرق المستخدمة فيها الرموز للسيطرة على أو قمع الأفراد الذين لم يبلغوا وضعاً متميزاً في مجتمع ما . بالإضافة إلى أن بعض النقاد وجدوا أن الأسلوب اللغوي الذي يتبعه ” جيرتز ” في الكتابة – غالباً ما تسيطر عليه كتابة الجمل الطويلة ، التي تتوسطها جمل اعتراضيه وعبارات مجازية وتشبيهات تفقد القارئ متابعة المضمون الكتابي ، وتخرجه من تتابع تسلسلي لفكرة النص . ( Parmentier, 1997, P. 13)
يمكننا القول أن المنظرين الذين يقعون في سياق النموذج التأويلي ، ويتبنون نهجاً يتفق مع مسلمات علم اجتماع الضبط . بالرغم من أن نهجهم الذاتي في تحليل العلم الاجتماعي يجعل علاقاتهم به غالباً ما تكون ضمنية وليست معلنة . إلا أن النموذج التأويلي ينزع على فهم العالم كما هو ، ويسعى على فهم الطبيعة الأساسية للعالم الاجتماعي على مستوى الخبرة الذاتية وهو يتجه إلى التفسير والتأويل في إطار الوعي الفردي والذاتية ، من خلال سياق مرجعي يركز على الفرد المشارك في الفعل وليس على الملاحظ الخارج عن نطاق الفعل كما يفعل أنصار النموذج الوظيفي . ( أحمد أبوزيد ، 1991 ، ص 75 )
وإذا كان ” جيرتز ” قد استخدم مصطلحات العلم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والتاريخي للخروج من التحليل الضيق للظاهرة ، وليشمل منظورات أعم وأشمل للعمل الميداني كتحليل موسع يعتمد على فروع العلم المختلفة . فإنه حاول توجيه علماء الأنثروبولوجيا بعيداً عن نموذج علمي صارم واتجاه تأويلي تفسيري . وربما إعادة توظيف ” جيرتز ” لرؤية العلم والعلماء كبناء اجتماعي – هو ما يصنع عمله البارز . فقد رأى ” جيرتز ” أن البيان كمركز لحياته الخاصة وعمله من أيام دراسته في جامعة antioch ومجلة بوست نيويورك ، ومؤلفة العمل والحياة Works and Life عام 1988 – هو ما جعله يقرأ النصوص في العلوم الاجتماعية في طريق يجعله يرى ( النصوص ) قصص وأساطير وبناءات تحتاج لمعاملتها كما هي ، وليست كمنبع ومقولات لا تقبل الجدل من صدق العلم .
( Geertz, 1988, PP. 1, 3)
إن أغلب التأويلات الدلالية تقود إلى إدراك موسع من موضوع متوافر . وما جعل ” جيرتز ” يمتلك تأثيراً خاصاً في البنية المعرفية – امتلاكه لطبيعة تأويلية ودور بلاغي وطبيعة بلاغية وبناء اجتماعي للمعنى وقيم مناسبة لنماذج متنوعة من التحقيق ، وكذلك إتقانه لدور الباحث داخل البحث . ففي كل الأحوال يوصف ” جيرتز ” بالكاتب البليغ – يُعترف به وبحياته العلمية ودراساته . فربما اعتقد ” جيرتز ” ذات مرة أنه يشبه الروائي الفاشل مع أنه في نظر أغلب الأنثروبولوجيين روائي أنثروبولوجي بمنهج تأويلي رمزي .