Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
الطبيعه و التاريخ فى فلسفه ماركوس اوريليوس .
الناشر
:رضا عبد التواب نادى محمد .
المؤلف
نايل ،رضا عبد التواب نادى محمد .
هيئة الاعداد
باحث / رضا عبد التواب نادى محمد
مشرف / مصطفى حسن النشار
الموضوع
الطبيعه و التاريخ ( ماركوس اوريليوس )
تاريخ النشر
، 2006
عدد الصفحات
266 ص
اللغة
العربية
الدرجة
ماجستير
التخصص
فلسفة
تاريخ الإجازة
2/8/2006
مكان الإجازة
اتحاد مكتبات الجامعات المصرية - الفلسفة
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 232

from 232

المستخلص

الخاتمة:
توفى الإسكندر الأكبر عام 323 ق.م، وبدأت بموته مرحلة تاريخية متميزة أطلق عليها المؤرخون اسم العصر الهلينستى، ذلك العصر الذى استمر تاريخياً لثلاثة قرون، وإن امتد تأثيره فى الحضارة الغربية إلى القرن الثالث الميلادى، وقد تميز هذا العصر بانعدام الأمن، وغارة الجيوش، والتمرد على الأفراد الذين يرعون أهل العلم، مما أدى إلى تدهور حركة الفكر، ومال الناس إلى الانسحاب من دنيا الشئون العامة، والابتعاد عن الفوضى، وقد انعكس هذا كله على فلاسفة هذا العصر، فانصرفوا عن التفكير فى الوجود إلى البحث فى سلوك الإنسان، وتطلعوا إلى السعادة الفردية، والطمأنينة السلبية والتماس هدوء بالبال، دون التطلع إلى التمتع بالسعادة الإيجابية وقد كانت المدرسة الرواقية واحدة من المدارس الفلسفية التى وجدت فى هذا العصر، وكان هذا هو حالها.
ولذا جاءت الفلسفة الرواقية مناقضة لفلسفة سقراط، وأفلاطون، وأرسطو، فقد أقام هؤلاء فلسفتهم على أساس البحث الثنظرى قبل كل شئ، أما الرواقيين فلم يأهبوا بالآراء النظرية، ولم يعيروها من عنايتهم، ودروسهم إلى بمقدار ما تكون سبيلاً إلى الجانب العملى من الحياة، فتحولت من مذهب فلسفى إلى مايشبه تعليم دينى وخلقى.
وإذا ما كان هذا هو حال الفلسفة الرواقية بجميع طوائفها الثلاث، فقد كان ماركوس أوريليوس خير خلف لخير سلف واتضح ذلك فى أغلب فلسفته، وإن حاول فى أحيان كثيرة الخروج عن عباءة الرواقية، وظهور العديد من المؤثرات الأجنبية عن المدرسة الرواقية، ومحاولة بناء مذهب فلسفة يحوى جميع الفلسفات السابقة شرقية كانت، أو هيلنية، وألبسها ثوباً رواقياً وقد إتضح ذلك فى فلسفته الطبيعية والتاريخية، وإن كنت أرى أنه نجح إلى حد بعيد فى جمع أغلب الفلسفات السابقة عليه فى إناء واحد، مثلما حاول جمع العالم كله بما فيه البشر من جميع الأجناس فى إناء واحد.
وعلى ذلك أقول أن فصول دراستى هذه الخمس قد كشفت عن العديد من النتائج أجملها على النحو التالى:
1- كان للرواقيين فى تاريخ الفلسفة شأناً خليقاً لا يستهان به. وقد استطاع بعض الباحثين المحدثين أمثال ”ديفيد تلور” أن يوزان بين أثرهم فى أفكار الإنسانية، وبين آراء أرسطو والمشائيين، وهذا ما دفع ”رودييه” للقول أنه إذا كان أرسطو يعد العلم الأول، فإن أكبر أثره لا يخرج عن نطاق المنطق والفلسفة. أما القول بأن الإنسانية المفكرة إنما عاشت على المذهب الرواقى حتى أدركت المسيحية، ولبثت تتغذى منه بعدها حقبة من الزمان. وهذا ما أوضحته فى الفصل الأول.
2- اهتمت الفلسفة الرواقية بالأخلاق شأن المدارس الفلسفية فى ذلك الحين-مثل الأبيقورية والشكية والأفلاطونية المحدثة- ولكن مع تميز بها الفلاسفة الرواقيين على وجه العموم، و ماركوس أوريليوس على وجه الخصوص بإحلال الأخلاق العملية محل الأخلاق النظرية، لذلك لم يقدم كلاهما شيئاً يذكر عن توضيح معانى المفاهيم الأخلاقية، بينما أجد معهما ظهور تصورات جديدة لأهداف الحياة الإنسانية، وقواعد جديدة للسلوك البشرى، على نحو ما أشرت إلى ذلك فى الفصل الأول.
3- ترك سقراط أثره الواضح على فلسفة الرواقيين بوجه عام، و فلسفة ماركوس أوريليوس بوجه خاص، وهذا إن دل فإنما يدل على إمكانيات الفكر السقراطى، وخصوبة الحياة الأخلاقية التى عاشها هذا الفيلسوف، وعلى ذلك تدين الرواقية بفرقها الثلاث لسقراط بمبادئها الرئيسية. وقد أشرت لذلك فى الفصل الأول.
4- كما اتفق الرواقيون مع أسلافهم الكلبيين فى القول بالبعد عن مظاهر الترف، والراحة المادية، أو البعد كلية عن جميع الملذات الدنيوية، ولكن لم تسير الرواقية مع الكلبية إلى نهاية مذهبها، فلم تجد أن الحكيم الرواقى عليه الانسحاب من الواقع المادى، والعيش فى عالمه الخاص به، وقد بينت ذلك فى الفصل الأول.
5-كما ينبغى علينا أن أسلم أيضاً بقوة الأثر الشرقى فى بنية مراحل الرواقية الثلاث، بنفس القدر الذى أؤكد فيه على عظم العقل الجمعى اليونانى، ومن ثمة الرومانى. اللذان استطاعا هضم جل الثقافات الوافدة، وتطويعها لخدمة واقعه الاجتماعى والسياسى، فلم يكن الفلاسفة الرواقيين بخاصة، وفلاسفة اليونان بعامة-عباقرة- أو من سلالة فطرت على الحكمة، بل هم فى الحقيقة تلاميذ نجباء لحكماء الشرق القديم، وورثة الحضارات الإنسانية العريقة التى تطورت علومها، وحكمتها، ومعتقداتها على أيديهم، ثم انتقلت بدورها لتكمل حلقات تطور تاريخ الأفكار، وذلك بفضل دعوة الإسكندر للمدينة العالمية. وعلى ذلك يجدر بى التنبيه على ضرورة فحص الوعاء الثقافى الذى حمل التصورات الرواقية عبر الثقافات المتعاقبة. فمن الخطأ اعتبار أن الابن يولد بلا أب أو أم، أو أن الثمرة تنضج بلا جذر. وقد بدء هذا الأثر الشرقى بداية من كون كل زعماء الرواقية القديمة من أصل شرقى، كما سبق أن أوضحت فى الفصل الأول. ومن ثمة لا يمكن إغفال هذا الأثر الشرقى فى فلسفة ماركوس أوريليوس سواء الطبيعية أو الإلهية أو التاريخية، ذلك الأثر الذى ظهر فى معظم فصول هذه الدراسة.
6- ولكن إذا لم يكن للرواقيين بصفة عامة، و ماركوس أوريليوس بصفة خاصة بد من أن يعتمدوا على القديم- سواء الشرقى أم الغربى- فهم على كل حال قد ألقوا عليه طابعاً خاصاً، ونفثوا فيه روحاً جديدة، وقد ظهر ذلك فى فلسفة ماركوس أوريليوس الذى بنى فلسفته على ربط المفاهيم بعضها بالبعض، أو استخدام المفاهيم الفلسفية المتعارف عليها، بمدلول جديد، ومثال ذلك مفهوم الطبيعة، الإله، الحركة، والزمان، والمكان، وهكذا.
7-إذا تميزت الفلسفة الرواقية القديمة والوسطى بإعلان الأخلاق كجانب من جوانب الفلسفة الثلاث-الأخلاق، والطبيعيات، والمنطق- إلا أنها بحثت فى الجانبين الآخرين وجعلهما أساس للأخلاق، إلا أن الرواقية الرومانية قد ركزت على الأخلاق، العملية، وتغافلت عن كلا من الطبيعة والمنطق، فهذا هو سينكا الذى لم يذكر الطبيعة سوى بكتاب واحد، وهو ”البحث فى المسائل الطبيعية”، وإبكتيتوس الذى يمر عليها مر الكرام، أما ماركوس أوريليوس فيحمد الآلهة على إغفاله لهم كما أشار إلى ذلك فى الفصل الأول من كتاب التأملات. ولكن من خلال دراستى هذا، وإتباعى المنهج التحليلى النقدى والمنهج المقارن، فى تناول النص الأوريليوسى أجده فيلسوفاً أهتم بالطبيعيات رغماً عنه، فقد ذكرها فى العديد من فقرات التأملات، وإن وقف منها موقف القاضى من المحامى، إلا أننى من خلال ترجمتى لأغلب فصول التأملات استطعت أن أقدم ما يشبه من تقصى أو تجميع لأجزاء مهذبة فى الطبيعيات عبر فصول التأملات، ولعل هذه النتيجة، قد قادت لنتيجة أخرى.
8-عدم وجود مذهب أو نسقاً فلسفى عن ماركوس أوريليوس، فقد جاءت فلسفته إما متناثرة بين فقرات متعددة فى الفصل الواحد، أو الفصول المختلفة، وهو ما يعرف بمشكلة العرض المنهجى الذى ذكرنى بالمشكلات التى تعرض الباحث فى فلسفة أفلاطون عبر محاوراته المختلفة، مع الفارق حيث أن فلسفة أفلاطون ولغته كانت واضحة، وإن عرضها يقتضى دراسة أغلب محاوراته لتمييز الأفكار الفلسفية، وترتيبها. أما الحال مع ماركوس أوريليوس فيرجع إما غموض لغته، واستخدام مصطلحات مربكة، أو ربما يرجع إلى سوء فى الترجمات المختلفة التى عملت على نقل التأملات-وهو الكتاب الذى جمع فلسفته كلها فيه- من اللغة اليونانية إلى اللغة اللاتينية، وقد أشرت إلى ذلك ب شئ من التفصيل فى الفصل الأول.
9- ظهرت سمة تأثر ماركوس أوريليوس بالرواقية القديمة والوسطى، وذلك فى شخصية كلاً من زينون، و ماركوس أوريليوس فإذا ما أجمع القدماس على أن زينون كان على خلق عظيم، وأن حياته على بساطتها كانت دائماً قدوة طيبة، ومثالاً أخلاقياً يحتذى به، وقد بلغ الحكمة من حيث قوة الإرادة، والصبر، وضبط النفس مبلغاً أدهش معاصريه، فكان الأثينيون يضربون به المثل قائلين ”اضبط لنفسه من زينون”، وقد بلغ ماركوس أوريليوس مكانة، وإن كانت لا توازى مكانة زينون، إلا أنها لا تقل عنها كثير فقد طبق مبادئ الرواقية طيلة حياته، حتى فى كونه إمبراطوراً على عرش الإمبراطورية. إلا أنه نبذ كل مظاهر الترف التى فرضها عليه العرش، واختار مبدأ إبكتيتوس ”اصبر وتزهد”، وهذا ما دفع رعاياه فى الإمبراطورية ينبذون بأنه ”الفلسفة تمشى على الأرض” وهذا ما أوضحته فى الفصل الأول.
10- وإذا ما تناولت الفصل الثانى فإنى اخرج به بالعديد من النتائج العديدة منها. أولها أنه رغم كونه فيلسوفاً رواقياً فى فلسفته الطبيعة لم يحافظ على المادية الرواقية، ولم يكن أميناً فى فلسفته.
11- إصلاح ماركوس أوريليوس تعريفاً جديداً للطبيعة وهو لم يكن مبتكراً بقدر ما كان يعبر عن أصالة فلسفته ذات الجذور الرواقية الهراقليطسية، فقد أشار فى العديد فى فقرات التأملات إلى أن المعنى الحقيقى للطبيعة هو الإيجاد، وهو غير مصطلح الخلق”Creation” كما استخدم مصطلح الولادة أو الميلاد ليبين أن عملية وجود الموجودات تعادل حركة التوليد، أو الانبثاق المباشر، لا الخلق.
12- اصطلح أيضاً مفهوم جديد للإيجاد، حيث أصبح يعنى ميلاد القوانين، أو السنن التى تتحكم فى إيجاد الموجودات الطبيعية، والإيجاد هنا لا يعنى حركة النشأ فحسب، بل تعنى إيجاد تلك القوة العاقلة التى تسير بمقتضى قوتها المطلقة فى إيجاد الموجودات الطبيعية.
13- إذا ما كان ماركوس أوريليوس اصطلح اصطلاحات جديدة لمفهوم قديم، أو متعارف عليه، فقد ربط أيضاً العديد من المصطلحات المختلفة، للتعبير عن مدلول واحد، ومثال ذلك مصطلح الطبيعة، والعقل”Reason”، واللوجوس”Logos”، والقانون, والنظام”Order”، وهو ما يعنى تلك القوة المسيرة للموجودات الطبيعية، والمسئولة عن إيجادها، وفى ربطه هذا متأثراً بهراقليطس قبل تأثره بالرواقيين، وقد عده- ماركوس أوريليوس- أباً روحياً لفلسفته. ظهرت هذا التأثر ظهر فى العديد من أجزاء الفصل الثالث-الطبيعة- وفى ربطه اللوجوس العقلى الكونى، بالنظام، جعل إدراك حقيقة الكون على الحاذق الماهر، وإن كان هراقليطس يسميه العاقل أو العقلاء، فإن ماركوس أوريليوس يسميه الحكيم.
12- آمن ماركوس أوريليوس بمبدأ الحتمية الطبيعية فى تفسير الطبيعية، إلا أنه مع ذلك قد احتمالات أخرى لتفسير الطبيعة، مثل مبدأ المصادفة الذى يفسر نشأة الكون تفسير ذرى، وقد ظهر هذا الاحتمال فى العديد من فصول التأملات ولكن بالرغم من ذلك فهو لم ينتهى إلى فرض المصادفة.
13- فى تفسير نشأة العالم الطبيعى ألغى الرواقيون كلاً من الحركة والمكان والزمان، أما مع ماركوس أوريليوس فقد اختلف الأمر حيث أقر بوجودهم، بل قد أمثلة عدة على وجودهم. وهذا ما جعله فى تناوله لموضوع الحركة كان أقرب للانتقاء منه للتوفيق، أو المسايرة. الأمر الذى أوقعه فى بعض مواطن التناقض، وأضعف من نسقه، وقد ظهر ذلك فى تردده حول قبول ثبات المحرك شأن أرسطو، مع إنكاره العناية شأن الأبيقوريين، أو قبوله لمبدأ العناية، مع إنكاره للحركة شأن الرواقيي، وأفلوطين. كما أوضحت ذلك فى الفصل الثالث.
14- إذا ما كانت جميع الدراسات السابقة صنفت نظرية المقولات كنظرية منطقية، ولكنى فى دراستى هذه أجد ماركوس أوريليوس استخدمها كمقولات طبيعية، وهذا ما أشار إليه فى العديد من فصول التأملات، ولذلك ربط مقولة الجوهر بكل فلسفته سواء الطبيعية، أو الإلهية، كما ربط الجوهر بمقولة الكيف، فإذا كانت يشير إلى أن الجوهر والجسم يعبر عن حقيقة واحدة، إلا أنه ذكر أن الجسم لا يصف الجوهر أبداً، وجعل المقولة الثالثة وهى النسبة مرتبطة أيضاً بالموجودات الطبيعية. أما عن مقولة التناسب فجعلها تشير إلى العلاقة بين جسمين مختلفين، وخضوعهما للتغيرات المستمرة.
15- ظهرت النزعة الثنائية الهلينة عند ماركوس أوريليوس فى تفسير فلسفته الطبيعية، ويبدو ذلك من خلال تقسيمه بين المبدأين النشط، والسلبى، وبالرغم من زينون سبق وأن أشار إليهما، إلا أن فى النهاية انتهى إلى أنهما جسماً واحداً وهذا إن دل فإنما يدل على أن زينون مع تمسكه بالواحدية إلا أنه وقع فى براثن الثنائية، أما أوريليوس فقد ظل متمسكاً بالتفرقة بين المبدأ النشط أو الجوهر، وبين المبدأ السلبى أو الجسم، وهذا ما يعنى ميله للثنائية فى كل فلسفته الطبيعية وهذا ما يعنى إلى أن ماركوس أوريليوس كان أحادياً رواقى فى قوله بوحدة الإله والبشر، وحلول الإله فى الكون، وثنائياً هيلنياً فى تفرقته بين النفس والبدن.
16- إذا ما كان ماركوس أوريليوس يتفق مع الرواقيين السابقين فى عجلة الميلاد والفناء، إلا أنه اختلف معهم فى كيفية حدوث عملية الميلاد والفناء، وقد أشرت إلى مفهوم الميلاد عنده، أما الفناء فقد أوجد طرق عدة له، فإما أن يكون عن طريق الاحتراق الكونى بعد نهاية الدورة المحددة 18.000 سنة. وإما أن يكون فناء عن طريق تبدد العناصر، وأو أنه تشتت للذرات.
17- فى تفسير ماركوس أوريليوس نشأة الكون اتفق مع أنكساجوراس بأن أصل الكون كان البذور الجذرية، إلا أن الأخير ذكر أن هذه البذور التى كانت فى اختلاط كلى يشبه أبيرون إنكسمندورس، تحوى بذور الجمادات والأحياء، فى حين قصر ماركوس أوريليوس هذه البذور على الكائنات الحية دون غيرها. وقد اتفق مع إنكساجوراس فى قوله بأن العقل هو علة النظام والحركة، واتفق مع أرسطو فى ثبات المحرك، غير أنه يخالف فى أنه جعل من هذا المحرك علة فاعلة، وفى الوقت ذاته أجده يساير أفلوطين فى جعله المقصد الإلهى لا يتصل إلا بالجزء العاقل من الموجودات، باعتبار أنه جزء منه، وفيض عنه. بالرغم من وجود فكرة أخرى طرحها ماركوس أوريليوس فى تفسير نشأة العالم المادى، وهو أن الكون مخلوق ذاتى، أى بدون علة فاعلة، وهو فى ذلك يتبع بعض الفرق الهندية، وإن كان أوريليوس لم ينتهى للتصديق على هذه الفكرة. وهذا ما أوضحته فى الفصل الثالث.
18- ولا ريب فى أن تباين رواى المؤرخين، والدارسين لفلسفة أوريليوس حول تفسيره لعلاقة الإله بالعالم يؤكد على أن علة تخبط أوريليوس، أو جمعه بين العديد من التصورات يرجع إلى عدم قناعته بأى منها، ورغبته فى انتقاء إيجابياتها، وبلورتها فى نسق خاص به، ولا يعنى ذلك إلا تأكيداً على مبلغ تأثره بفلسفة السابقين عليه.
19- ربط ماركوس أوريليوس كعادته العديد من المفاهيم، وهنا ربط مفهم الحتمية، بمفهوم السببية، ولعله فى ربطه هذا أراد تخليص أفكاره من الميثولوجيات السائدة فى فلسفات السابقين عليه، وعلى ذلك ربط بين الحتمية، والسببية، وبين الحكمة العاقلة، والضرورة العلمية، فى نسق واحد.
20- وعلى الرغم من أن ماركوس أوريليوس آمن شأن السابقين عليه من الرواقيين بأن الإله هو عقل، وعاقل، ومعقول، يحل فى الطبيعة الطابعة والمطبوعة من خلال مبدأ البنوما، أو النفس الكونية، إلا أن أوريليوس فى تعريفه للإله اقترب من الإله الأرسطى، الذى يحرك ولا يتحرك، فقد عد أوريليوس إلهه يحرك الموجودات الكونية، وهو ثابت محله لا يتغير وهذا ما يعنى أن أوريليوس غلب على فلسفته الأثر الأرسطى.
21- ظهرت سمة الربط بين المفاهيم عند ماركوس أوريليوس فى فلسفته الطبيعية، وظهرت أيضاً فى فلسفته الإلهية وذلك من خلال ربطه بين مفهوم القدر، والقانون الإلهى الذى يدبر بواسطته الكون كله، ويسيره، كما ربط بين القدر، وبين فكرة الألوهية، فإذا ما كان القدر يعنى القانون الحتمى، فإن الإله هو الذى يتم بواسطته سيران هذا القانون الإلهى، وإذا ما كان القدر يتصف بأنه حتمى النفاد، فهو يتصف أيضاً بأنه ينفذ وفق ضرورة عاقلة، وهى التى أولى صفات الإله الأوريلوسى.
22- ماركوس أوريليوس فيلسوفاً موحداً، رغم تسليمه بالتعدد ولكن ما هذا التعدد عنده إلا مظاهر مختلفة لجوهر وحقيقة واحدة. وهو ما يعنى تسليم جميع فرق الرواقيين بما يشبه ”المنهج التأويلى” إن اتخاذ أسماء مختلفة لآلهة متعددة فى الظاهر، واحدة فى باطنها.
23- وقد وجد العديد من نقاط التأثير والتأثر بين المذهب الرواقى، وبين المسيحية، وعلى ذلك يمكننى القول إن ماركوس أوريليوس رواقياً المذهب، مسيحياً التدين، وظهر ذلك فى حياته التى عاشها بمبدأ الزهد، أو ما يعرف بمبدأ الرهبنة المسيحى، وهذا ما جعل بعض المؤرخين يلقبه بأنه كان يشبه السيد المسيح. ولعله اعتنق الدين المسيحى، وإن كان لم يصرح بذلك، فقد وجدت فلسفته الأخلاقية مشابه لروح المسيحية، مثل تشديده على مبدأ المحبة، والحتمية القدرية، والمساواة بين البشر. كما قد أوضحت ذلك فى العديد من فصول البحث.
24- أما عن قول بالإمكان كبديل للحتمية القدرية، فلم أجد من موقفه منه سواء تبريراً للانتقادات التى أثيرت على المدرسة الرواقية من نقادها من الأفلاطونيين المحدثين، والأبيقورين هذا الانتقادات التى أثيرت مع الرواقية القديمة والوسطى وجميعهم انتهوا إلى أن وقوع أحداث كونية بل أسباب أو علل ظاهرة لتفسيرها، فإن ذلك يرجع لجهل الإنسان بالعلل الكاملة أو الضرورة العليا، هى التى سماها كلا من كريسبوس و ماركوس أوريليوس بالعلل البعيدة، أو هى السبب الذى حجب الإنسان عن بلوغه، فيفسر على أنه وقع عن طريق المصادفة، وفى ظل هذه الحتمية القدرية فهناك سبيل للتكهن بالمستقبل الذى لا بجديد. كما أشرت إلى ذلك فى الفصل الثانى، والرابع.
25- أجد فى الفصل الرابع، الكثير من الربط بين المصطلحات والمفاهيم، وهذا ما عمله ماركوس أوريليوس فى ربط بين مفهوم القدر، وبين الحرية، وبين القدر، وبين استقلالية العقل. فجعل الحرية فى أن نستسلم للضرورة، ونرضى بإحكام القدر، وكأننا قد اخترناه بحريتنا، وعلى ذلك فطالما أننى أرى بوضوح ما ينبغى على أتباعه، فإننى أختار دائماً، وهذا هو معنى الحياة وفقاً للطبيعة، لأن الإله نفسه قد جعلنى اختار هذه الطريقة، فإذا علمت أنه من المقدر على أن أكون الآن مريضاً فسوف اتجه بنفسى نحو المرض، ولهذا جعل أوريليوس الحرية الحقيقة للحكيم الرواقى تكمن فى أنت تتوافق أفعاله مع الغايات النهائية للعالم.
26- وإذا كان كل يصدر عن إنما يصدر بصورة قدرية، أو جبرية، فما معنى ذلك إلا أن أن لهذه الالتزامات التى يفرضها الواجب طابع تعسفى أو تسلطى محض. وحتى إذا ما ذهب جميع الرواقيين لحل هذا الإشكال، بأن الإنسان لا يمكنه التحكم فى قدره إلا إذا ادعى؟؟؟؟؟ له، وهو مبدأ يتعارض بوضوح مع تأكيدهم على العقلانية، واستقلاليته كما فعل أوريليوس. ولذلك فقد بحثوا عن وسيلة للتوفيق بين الجبرية المتطرفة من جهة، والحرية، والمسئولية الأخلاقية من جهة أخرى، وذلك عن طريق التميز الأرسطى بين العلة الخارجية، والعلة الداخلية، ولذلك ذهب ماركوس أوريليوس شأن السابقين عليه من الرواقيين أن الإنسان الحر هو الذى يتمكن فى فهمه لضرورة ما يحل به-من التسليم لهذه الضرورة وبالتالى يكون قد اختارها بحريته، وقد تردد هذا الرأى فى العصر الحديث مع هيجل فى تعريفه للحرية بأنها التعرف على الضرورة. وقد أوضحت فى ذلك فى الفصل الرابع.
27- سحق ماركوس أوريليوس دور الفرد، واعتبره كالإله فى يد العناية الإلهية، أو مجرد ألعوبة فى يد القدر المحتوم وعلى ذلك فقد غابت الفاعلية الفردية فى التاريخ، اللهم إلا إذا توافق هذا الدور مع ما ترسمه العناية الإلهية للفرد من دور محدد، إذ ينصحنا ماركوس أوريليوس أوريليوس بأن لا تفعل أى فعل بدون غاية. وهذه الغاية ينبغى أن تتوافق مع المبادئ الكاملة للحياة، وعلى ذلك فمثال الإنسان فى صنع تاريخه ووجوده سواء ممثل فى مسرح الحياة، يتم تبديله بآخر وفقاً لإحكام المخرج والمنفذ الحقيقى للمسرحية الدرامية. وقد أوضحت ذلك فى الفصل الرابع والخامس.
28- وفى جعله مبدأ العناية الإلهية يشمل كلا من البشر، دون تفرقة بينهم ومساواة بينهم، فهو بذلك فتح الطريق إما الملتزمين والماثلين للعناية الإلهية على الخروج عليها، ووصف أحكامها بأنها جائزة وظالمة فإذا ما حدث هذا التمرد على أحكام العناية، فإن هؤلاء المتمردون يدخلون ضمن زمرة الأشرار، ومن هنا يوجد فئة الأخيار، وفئة الأشرار، وهذا ما جعله يرجع مصدر الشر فى النهاية إلى الإنسان لا الإله. وهذا ما يجعله يقع كسائر الرواقين يقع فى التناقض إذ كيف أحساب على ما لا أفعله، وعلى أفعال ليست أن خالقها. وقد أوضحت ذلك فى الفصل الرابع.
29- وفى قول ماركوس أوريليوس بوجه خاص، وقول الرواقية بوجه عام، إن الحكيم هو وحده الإنسان المعصوم، أو هو الإنسان الكامل، وعلى ذلك تقسيمهم للبشر بأنهم إما حكماء أو مغفلين، ولكن مثال الحكيم هذا يكاد أن يكون غير موجود، وهذا ما جعله أشبه يتصور العنقاء، إذن فالفئة الأولى من البشر أو المجتمع غير موجود، وعلى ذلك فالبشر أو المجتمع كله من المغفلين.
30- والسعادة عنده تكمن فى تحقيق الهدوء النفسى، والوصول إلى حالة ”الأباثيا” التى تتحقق بالنظر إلى الأشياء على أنها حيادية، لا تحمل قيمة فى ذاتها، ولكننى أقول إن سعادة أوريليوس هذه سعادة زائفة قوامها أن يكون الإنسان منافقاً اجتماعياً يظهر ما ليس فى باطنه، أو أنه إنسان معتوه، سعيد فى عالمه الخاص به، غير مبالى بالأحداث التى تقع حوله، وهذا ما يجعلنى للقول بأنه فى موقفه هذا اقترب من المثل الشعبى الذى يقول ”المجانين فى نعيم”.
31- إلا أنه أكسب مفهوم الواجب مكاناً رئيسياً فى الأخلاق بوصفه أمراً مناسباً للقواعد الأخلاقية، وتعد فكرة الواجب التى أدخلها الرواقيون فكرة جديدة فى التفكير الأخلاقى اليونانى، وقد أدت هذه الفكرة إلى تحويل الأخلاق من مبحث يتركز حول الخير إلى مبحث يتركز حول الواجب، وفى هذه الفكرة تعد الفضيلة أو الحياة الفاضلة هى طاعة القانون، والحياة الخيرة التى ينبغى على كل حكيم أن يسعى إلى أن يحياها هى التى يتحدد بها واجب الإنسان على أساس قانون الطبيعة. أو النظام العقلى للكون بحسب تعبير ماركوس أوريليوس.
32- إذا كان ماركوس أوريليوس فى نظريته الطبيعية قدم تفسيراً ثنائياً، إلا أنه فى تقسيمه للإنسان قد اتبع الأثر الأفلاطونى إلى تقسيماً ثلاثياً حيث ينقسم إلى بدن ونفس، وعقل وقد صار بهذا التقسيم إلى إعلاء قوى العقل كقوى متميزة عن النفس والبدن. وقد أشرت إلى ذلك فى الفصل الرابع.
33- أما عن حال النفس بعد فناء البدن، فقد قدم أيضاً عدة اختيارات حولها، فإما أنها تفنى مع البدن، أو أنها تتشتت مع الذرات، أو تبدد مع العناصر، أو أنها تنتقل من مكان لآخر، ومن شخص لآخر، أو كما وصفها بأنها هجرة، وهو مبدأ التناسخ الفيثاغورى، أو أنها تخلد بعد فناء البدن، وقد انتهى إلى الخيار الأخير، ولكنه قدمه بشكل يختلف عن خلود النفس عند أفلاطون، فجعله خلوداً لفترة محدودة، وهذا الخلود هو لنفس الحكيم دون سواه من البشر، وبعد انتهاء هذه الفترة يتم فناءه فى النفس الكونية، وهو ما يعنى خلوداً أيضاً فى النفس الكونية، وهذا إن دل فإنما يدل على تأثره بالفلسفة الأفلاطونية التى كادت تخرجه عن مذهبه الرواقى.
34- إن هذه المدينة الكونية التى قدمها ماركوس أوريليوس التى رسم معالمها فى العديد من فقرات التأملات هى أيضاً مدينة فاضلة مثل مدينة أفلاطون المثالية، فكلا المدينتان هى فرض مثالياً لم يتحقق، مع الفارق فى مبدأهما، وما هذا الجمع الذى تم بين البشر على يد الإسكندر إلا جمعاً سياسياً لا فكيف اجمع أجناس مختلفة، بعادات مختلفة، ولغات مختلفة، ومعتقدات مختلفة فى وحدة واحدة. وقد أشرت إلى ذلك فى الفصل الرابع والخامس.
35- وفى طرح ماركوس أوريليوس ثلاث احتمالات حول الأسباب النهائية المفسرة لحركة التاريخ، وذلك فى قوله أن المسير للتاريخ إما أن تكون ضرورة محتومة، أو مصادفة، أو عناية إلهية عظيمة غفورة، وقد انتهى إلى الاحتمال الأخير، أى أن الإله هو سيد التاريخ الإنسانى، وهو فى ذلك يقترب من نظرية أفلاطون فى تفسير حركة التاريخ، رغم اختلاف الأسس الفلسفية، والمعرفية التى تستند عليها النظرية الدورية عند كليهما، ورغم اختلاف المصطلحات التى عبر بها أفلاطون فى نظريته، عن مصطلحات أوريليوس بخاصة، والرواقية بعامة، إلا أنه أقر بنوع من التوزان بين دور الفرد، ودور المجتمع فى حين قضى كلاً من ماركوس أوريليوس، والرواقيين على أى فاعلية فردية فى صنع تاريخها الذى هو ليس من تخطيطه، وإنما هو مرسوم له سلفاً من قبل الإله.
36- أما إذا ما أشرت إلى الفصل الأخير من هذه الدراسة أخلص بالنتائج التالية، والتى أولها أن استطاع كلاً من اليونان والرومان أن يكونوا وعياً تاريخياً، ومن ثمة علماء للتاريخ ورؤى فلسفية واضحة، إن لم تكن نظرية مفسرة للتاريخ وإذا ما كان البعض لايزال يحتج على تدنى مكانة البحث التاريخى عندهما، وذلك بالاستناد إلى تلك المقارنة التى أجراها أرسطو فى كتاب ”فن الشعر” بين الشعر والتاريخ، حث فضل الأول على الثانى، باعتبار أن الأول أوفر حظاً من الفلسفة، وأسمى مقاماً من التاريخ، لأنه يروى أرسطو بمدى علمية علم التاريخ، فعلميته تكمن فى تركيز المؤرخ على رواية الأحداث الجزئية، والتحقق من صدقها.
37- إن هذا الوعى التاريخى عند كلاً من اليونان والرومان قد انتقل من التاريخ إلى فلسفة التاريخ استناداً فهم على نظريات تفسير العالم الطبيعى، وهذا ما أجده قد تحقق مع الرواقية بوجه العموم، و ماركوس أوريليوس بوجه الخصوص، فقد استطاع بتقديمه للنظرية الدورانية الطبيعية، والانتقال بها من فلسفة الطبيعة إلى فلسفة التاريخ، وهذا ما امتاز به عن سابقيه من الرواقيين السابقين عليه، فهو بذلك قد وضع بلا شك الأصول الأولى لمثيلاتها لدى فلاسفة التاريخ المحدثين، والمعاصرين، وعلى ذلك فقد نجح بجدارة فى تقديم الأسس الأولى لعلم، وفلسفة التاريخ.
38- هذا وقد كان لماركوس أوريليوس الأثر البعيد فى فلسفات اللاحقين عليه أمثال القديس أوغسطين فى تصور للمدينتان، التى ربما استقى الأصول الأولى لها من فلسفة ماركوس أوريليوس، وابن خلدون فى النظرية الدورية التاريخية، و”فيكو” فى العناية الإلهية، هذا إلى جانب فلسفته الطبيعية والإلهية التى تركت الأثر البعيد على فلسفات العصر الحديث والمعاصر، شأن كل الرواقيين السابقين عليه.
39- وتوصى الباحثة بتحدث معاجمنا الفلسفية بالشكل الذى يتيح للباحثين التعرف على الحلقات التاريخية، والبنيات الثقافية التى تطور خلالها المصطلح الفلسفى، فقد وجدت الباحثة العديد من الإصطلاحات ذات خصوصية عند بعض فلاسفة المدرسة الرواقية بوجه العموم، وماركوس أوريليوس بوجه الخصوص، الأمر الذى يقتضى وضع معجم لتاريخ الأفكار، والإصطلاحات ليعين الباحثين فى ميدان البحث الفلسفى، ولاسيما فى التراث الشرقى اليونانى مثل الخلق، الإبداع الكونى، العقل، التغير اللحظة الحاضرة، الفترة الفاضلة، السنة الكلية، الفعل عن بعد، العقل الصريح، هجرة النفس، تشتت النفس، تبدد النفس، ديناميكية الكوانتم.