الفهرس | يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام |
المستخلص أدى زرع الكيان الصليبي في منطقة بلاد الشام لمزيد من التفاعل والصراع مع الجبهة الإسلامية ، وخلال فترة الدراسة تحرك ذلك الصراع ما بين الاحتدام والفتور ، وانعكس ذلك على المساهمة في تشكيل مجموعة من التحديات أمام كل جبهة ، ولمواجهة تلك التحديات كان لابد من الاعتماد على عدة أدوات لتحقيق الاستجابة الملائمة ، ويتصدر الريف تلك الأدوات ، ونستطيع أن نرصد الخبرة التي اكتسبتها كل جبهة في إدارة الريف لمواجهة طبيعة الصراع المتغيرة ، في عدة مستويات مختلفة منها العسكرية والاقتصادية وكذلك الإفرازات ا لاجتماعية ، وكان لتدعيم تلك الاستجابة ظهور مجموعة من العلاقات كان محورها الريف ، وذلك لمواءمة الريف لخدمة مصالح كل جبهة لأقصى درجة . مثلت عملية زرع الكيان الصليبي أكبر تحدى واجه الصليبيين ، فكانت الاستجابة في الاستقطاع التدريجي للأرياف الإسلامية وارتبط ذلك بمدى نشاط الأداة العسكرية ، ثم انتقل الصليبيون لنوع آخر من التحديات وهو كيفية إدارة الاقطاعات عامة والريفية خاصة ، فكانت الاستجابة التي تمثلت في الظهور التدريجي للقنوات الشرعية التي أقرها الصليبيون فيما بينهم في بلاد الشام لإدارة تلك الأرياف ، ففي الفترة الباكرة من الوجود الصليبي ارتسمت قناة رئيسية نفذت من خلالها بعض الأطراف الصليبية لإدارة الريف ، تمثلت في ” قانون الغزو ” law of conquest ، كما كان لتولي الحاكم الصليبي ، أو ظهور الملكية أن ارتسمت قناة شرعية أو أساسية لإدارة الأرياف تمثلت في سياسية (المنح ) للإقطاعات عامة والريفية خاصة ، وحينما تسربت الإقطاعات لكبار السادة الإقطاعيين ، تحولوا هم أيضاً لمانحين ، ثم تحركت واتسعت العلاقة بين المانح والممنوحين على مستويات مختلفة . كما ساهم ” قانون الوراثة ” وخاصة توريث الأناث في رسم قناة شرعية جديدة لإدارة الإقطاعات الريفية تمثلت في ” سياسة الزواج ” من الوريثات أو الأرامل ، فمكن ذلك فرسان الغرب الأوروبي من إدارة الأرياف ، وبالتالي ترتيبهم في الهرم الإقطاعي في بلاد الشام . ساهمت تلك القنوات الشرعية في تعدد ونفاذ الأطراف الصليبية المتعددة لإدارة بعض أرياف بلاد الشام . ولكن ازدياد عبء الصراع العسكري بين الجبهتين الإسلامية والصليبية ، ساهم في إظهار مدى ضعف بعض الإدارات الصليبية ، فكانت الاستجابة في ظهور قناة جديدة تمثلت في عملية ” البيع والشراء ” ، فساهم ذلك في تمكين الطوائف أو الفئات الصليبية الأقوى من إدارة المزيد من الأرياف ، وانعكس ذلك على المزيد من ثراء تلك الطوائف وخاصة فرق الفرسان الرهبان ، كما ساهم في تحقيق المزيد من استغلال الريف وبالتالي اكتساب الخبرة . بذلك يمكننا القول أن المؤثر في تحريك معيار القوة بين الجبهتين هو حجم ما تملكه وتديره كل جبهة من الأرياف ، لذلك وعت الجبهة الإسلامية تلك النتيجة ، وحينما وجدت أن ما تبقى من أرياف إسلامية ممزقة في بلاد الشام لا يوفر الدعم الاقتصادي والعسكري اللازم لاستقطاع واسترداد باقي أرياف الشام من الجبهة الصليبية ، لذا اهتم قادة الوحدة الإسلامية بضرورة الاعتماد بل وتوحيد الأرياف الإسلامية خارج نطاق بلاد الشام ، وهو ما تم تدريجياً حتى اكتمل توحيد أرياف مصر وبعض أرياف الشام والعراق تحت قيادة القائد صلاح الدين الأيوبي ومحاولة إدارتها اقتصادياً وعسكرياً لاسترداد باقي الأرياف من الجبهة الصليبية |