Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
التحليل التاريخي لمبدأ المشروعية في النظام القانوني المصري:
المؤلف
مصطفي، تامر سيد
هيئة الاعداد
باحث / تامر سيد مصطفي
مشرف / طه عوض غازي
مشرف / أمل لطفي حسن جاب الله
مشرف / احمد على عبد الحي ديهوم
مناقش / امل لطفي حسن
تاريخ النشر
2024
عدد الصفحات
ج-و، 682ص؛
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
قانون
تاريخ الإجازة
1/1/2024
مكان الإجازة
جامعة أسيوط - كلية الحقوق - قسم فلسفة القانون وتاريخة
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 551

from 551

المستخلص

بدئت الدولة الاسلامية قوية صاعدة فانتشرت ثقافتها الاسلامية بين شعوب كل الاقطار التي ضمتها تحت لوائها وقدمت للبشرية ازهي حضارة عرفتها، في الوقت الذي كان يعيث الغرب في ظلام الجهل، وقد طبقت احكام الشريعة الاسلامية الغراء على كافة قاطني الدولة الاسلامية فكانت شرعاً ومنهاجهاً للجميع حكاماً ومحكومين فكان الشغل الشاغل للقائمين على الامر هو تطبيق احكام الشريعة الاسلامية وايجاد حلول للمسائل الواقعية الي قد تحدث بين افراد المجتمع وفقا لأحكام الشريعة الاسلامية فانتشر وازدهر باب الاجتهاد للوقوف على احكام الشريعة في تلك المسائل الواقعية التي لم ترد في القرآن أو السنة مباشرة، وبرز فقهاء عظام في هذا المجال، فتحققت المساواة والعدالة بين كافة افراد مجتمع الدولة الاسلامية وفي القلب منها قاطني الدولة المصرية كجزء لا يتجزأ من الدولة الاسلامية، فكان التطبيق العملي الحقيقي لمبدأ المشروعية في البلاد خلال تلك الحقبة الزمنية.
الا انه ومنذ القرن الثالث الهجري فقد أنفرط عقد الدولة الاسلامية نتيجة ضعف المسلمين وطمع فيها المتربصون فكانت الحملات الصليبية على الدولة الاسلامية تنحر في وحدتها فما كان للامة الاسلامية الا ان تسلم قيادتها لفئة عسكرية (المماليك) صاعدة لتخلصها مما يحاك بها.
وقد كان لذلك اثره على تسريب القوانين الاجنبية الوضعية داخل الدولة الاسلامية بصفة عامة، ومصر بصفة خاصة بصفتها احدي الدول الاسلامية، ومن ثم الخروج على تطبيق الشريعة الاسلامية الذي نراه خروج على المشروعية، وسيادة الشريعة الاسلامية لكون احكامها ليست احكاما دينية فقط بل هي احكام للدين والدنيا، نُزلت من لدّن عزيز قدير المشرع الأعلى الذى لا مصلحة له في تنزيلها سوى مصلحة العباد يقول تعالي﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ(57)﴾ ( ) وقال تعالي ﴿ الر ۚ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ ( )، ولذا فان في تطبيق احكام الشريعة الاسلامية هي مصلحة للإنسانية بصفة عامة ومصلحة الفرد بصفة خاصة، وبتطبيقها تتحقق العدالة والمساواة بين افراد المجتمع وهي الغرض الذي يرمى الي ضمانة تحقيقه مبدأ المشروعية ـ محل هذ البحث ـ في كل الدول التي تتصف بالقانونية، ولذا فإنها تحظي بكامل التقديس والاحترام والرضا من جميع المسلمين بصفة خاصة وكل فرد ذو نفسا سوية لم تعميها نار الحقد وغيرة التعصب عن الصراط المستقيم بصفة عامة، فجميع افراد المجتمع.
وقد ظلت التشريعات الاجنبية الوضعية تتوغل وتتوسع في القطر المصري الي ان بلغت ذروتها لما حل على مصر من بلاء بسبب الامتيازات الاجنبية والتي رأى حُكام مصر ـ الذين انبهروا بالحضارة الاوربية ـ ضرورتها لإرضاء الاجانب فاستبدلوا الذي هو أدني بالذي هو خير.
ولم يكن ضعف الحكام زيادة الامتيازات الاجنبية هما السببان الوحيدان في اعاقة مبدأ المشروعية عن التطبيق في تاريخ مصر الحديث، بل كان من ضمن الاسباب التي اثرت على تطبيق مبدأ المشروعية ايضا غلق باب الاجتهاد.
وقد كان لزيادة الامتيازات الاجنبية في مصر اثرها السلبي السيء على كافة الاصعدة وعلى تطبيق مبدأ المشروعية بشقيه التشريعي والقضائي حتى وصل الامر لمرحلة الفوضى التشريعية والقضائية، وكانت فكرة انشاء محاكم مختلطة هي الضربة القاضية على المشروعية في مصر حيث نفذت ـ بهذه الفكرة ـ القوانين الاجنبية الي التطبيق شبه الكامل في مصر، خاصة ان الاجانب لم يرضوا عن هذه التشريعات بديلاً، كما كلف احد المحامين الفرنسيين بالإسكندرية، وهو (مونوري) بوضع ست مجموعات قانونية، وهي: القانون المدني، والقانون التجاري، القانون التجاري البحري، قانون المرافعات، قانون العقوبات، وقانون تحقيق الجنايات.
وقد نقلها ـ في الجملة ـ حرفيا من القوانين الفرنسية، وبعض احكام القوانين الايطالية والبلجيكية وبعض احكام الشريعة الاسلامية والعرف المصري.
وهكذا أصبح المصريون خاضعون خضوعا كليا في منازعاتهم مع الاجانب للقوانين الاجنبية الوضعية وللمحاكم المختلطة التي يغلب عليها العنصر الاجنبي والطابع الاجنبي، فاضحي القانون المطبق ليس نابعا عن عقيدة راسخة توجب احترامه، بل بات مجرد قواعد مادية وضعية مفروضة بقوة السلطة المسيطرة على مقاليد الحكم، والتي لا تخلو من المصالح الشخصية دون اعتبار لتحقيق مصالح المواطنين او تحقيق العدالة والمساواة، وهو ما زعزع مبدأ تحقيق العدالة والمساواة لدى المجتمع المصري.
ومن ثم فإن تطبيق مبدأ المشروعية في مصر الحديثة قد تأثر سلبا في غضون القرن التاسع عشر حيث تمكن الاستعمار الأوربي الحديث من ابعاد مصر عن تراثها الثقافي والقانوني وفرض قوانينه ونظمه عليها والخروج عن تطبيق احكام الشريعة الاسلامية
الا انه ومع بداية القرن العشرين وأمام هذا الانسحاق الحضاري وما آل اليه امر الأمة هب قادة الفكر والاصلاح يأخذون بيدها من الهوة السحيقة التي كانت فيها.
وقد بدأت مصر منذ أولي خطواتها في التحرر الوطني والتخلص من التبعية السياسية بالتوجه نحو هويتها الاسلامية، وتراثها الثقافي والقانوني، المنبثق من تاريخها الاسلامي وتجاربها ومشاعرها وفلسفتها عبر حقبة طويلة من الزمان.
وكانت أولي نتائج هذا التوجه الاسلامي في مصر العربية ان صارت الشريعة الاسلامية اصلا من اصول القانون المدني الصادر عام 1948م
كانت الخطوة التالية في هذا المجال وهي اعتبار مبادئ الشريعة الاسلامية مصدرا رئيسيا للتشريع وذلك بالنص على ذلك في الدستور المصري الدائم عام 1971م وفي عام 1980عدل هذا النص الدستوري فأصبحت ” مبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع”
وتلي ذلك قيام مجلس الشعب المصري بدور تاريخي في الفترة من 1978 الي 1982 بتقنين احكام الشريعة الاسلامية وكان القانون البحري الصادر عام 1990 باكورة اعمال مجلس الشعب
وإزاء التزام الدستور بمبدأ سيادة القانون فقد استوجب ذلك تحديد وسيلة لكيفية الدفاع عنه وعلى حمايته وعلى تأكيد احترامه ولذا فقد خصص دستور 1971 الفصل الخامس منه للهيئة القضائية التي تتولي دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح وتفسير النصوص الدستورية وهي المحكمة الدستورية العليا، وقد قرر الدستور 1971 في المادة (174) منه على ان المحكمة الدستورية العليا هي هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها وهو ما يستفاد منه ان المشرع الدستوري قد اخذ بنظام الرقابة القضائية للتأكد من احترام مبدأ المشروعية
وقد جاء دستور 2014 مؤكدا في مادته الثانية ” الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع”، كما أكد على الدور الرقابي للمحكمة الدستورية العليا على مشروعية القوانين وعدم مخالفتها للنصوص الدستورية، ومنها بالطبع مطابقتها لمبادئ الشريعة الاسلامية.
الا انه وبالرغم من المناداة بتطبيق قواعد احكام الشريعة الاسلامية والنص على ذلك في الدستور فانه من الناحية العملية لم تطبق بشكل كامل او شبه كامل، بل حتى الان يمكن ان نقول ان تطبيقها في نطاق محدود، وذلك لزعم بعض المتربصين بوجود بعض العقبات التي تعوق العودة الي تطبيقها بشكل كامل.
ـ اولي هذه العقبات القول بوجود اقلية قبطية يجب مراعاتها، وهذا قول غير صحيح حيث ان الثابت تاريخيا ان كانت السياسة العامة للدولة الاسلامية تجاه رعاياها من غير المسلمين تتسم بالتسامح والود، وشاع بين الفقهاء القول المشهور عن الذميين ” لهم ما لنا وعليهم ما علينا ”
وقد كانت الشريعة الاسلامية هي القانون العام للدولة الاسلامية يطبقها القضاء الشرعي ـ صاحب الولاية العامة في نظر جميع القضايا ـ في سائر الامصار الاسلامية، وعلى جميع المقيمين في ديار الاسلام مسلمين كانوا او اهل ذمة كان هذا هو الاصل العام.
وقد اباح فقهاء الشريعة الاسلامية لأهل الذمة في مسائل الزواج والطلاق والمواريث تطبيق قواعدهم الكنسية، وذلك استثناء من الاصل العام الا انه إذا لجأ المتخاصمون من اهل الذمة باختيارهم الي القضاء الشرعي في هذه المسائل ” مسائل الأحوال الشخصية او غيرها” فكان القاضي المسلم يطبق عندئذ احكام الشريعة الاسلامية.
وقد شهدت مصر الحديثة منذ القرن التاسع عشر الميلادي تطورا هاما بعلاقاتها بالدولة العثمانية، وقد أثر ذلك التطور على الاساس القانوني لأوضاع الاقباط ومساواتهم التامة مع المسلمين، حيث أصبح مبدأ المواطنة هو الاساس في العلاقة بين الفرد والدولة، وهو الاتجاه الذي تبنته مشروعات تقنين الشريعة الاسلامية في الفترة من 1978 ـ 1982م.
فقد حرصت لجان مجلس الشعب المصري ـ التي قامت بوضع مشروعات تقنين الشريعة الاسلامية ـ في الفترة ما بين عامي 1978 ـ 1982م تنفيذا للتعديل الدستوري الذي قضي باعتبار ” مبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ـ حرصت على تأكيد وتحقيق المساواة التامة بين المسلم وبين غير المسلم من ابناء مصر العربية ـ في دمه وعرضه وماله.
من ناحية أخري فان الاسلام لا يحرم على غير المسلمين الافعال التي تبيحها لهم عقيدتهم ودينهم، اهل الذمة يطبقون شريعتهم في المسائل التي تتعلق بشريعتهم.
وفي هذا الصدد اتجه المشرع الدستوري في دستور 2014 الي تطبيق شرائع اهل الكتاب عليهم فيما بينهم بشأن احوالهم الشخصية.
ـ العقبة الثانية هي الادعاء بعدم صلاحية الشريعة الاسلامية لحكم المجتمع المعاصر، وهذا اعتراض ظاهر البطلان ومرود عليه، فالمصدر الرئيسي للتشريع الاسلامي هو النصوص القرآنية وقد جاءت هذه النصوص كمبادئ عامة كلية يمكن تحكيمها في كل ما يعرض للبشر في حياتهم
وكذلك وردت في السنة النبوية المطهرة قواعد عامة ومبادئ كلية يهتدي بها الي تحقيق العدل والمصلحة في التشريع في اي زمن.
ـ العقبة الثالثة تتمثل في التخوف من تطبيق الشريعة الاسلامية لما في ذلك ـ حسب زعم القائلين بذلك ـ من احتمالية قيام حكومة دينية، وهذا القول غير صحيح، فالحكومة في الاسلام مدنية يختارها المحكومين بإراداتهم الحرة وان تطبيق الشريعة الاسلامية لا يغير من طبيعة الدولة، فلا يعرف الاسلام الدولة الدينية التي تقود الي حكم بالحق الالهي.