Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
تعدد التعليق النحوي في التركيب القرآني
دارسة في النحو و الدلالة /
المؤلف
شداد، علي رمضان البيومي البيومي.
هيئة الاعداد
باحث / علي رمضان البيومي البيومي شداد
مشرف / خليـل عبد العال خليـل
مشرف / منيرة علي حجازي
مناقش / منيرة علي حجازي
الموضوع
qrmak
تاريخ النشر
2009
عدد الصفحات
558 ص. :
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
الدراسات الدينية
تاريخ الإجازة
11/1/2009
مكان الإجازة
جامعة الفيوم - كلية دار العلوم - النحو والصرف والعروض
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 549

from 549

المستخلص

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد بن عبد الله وعلى آلـه وأصحابه ، وعلى كل من استن بسنته واهتدى بهديه إلى يوم الدين ، وبعد ؛
فالتعليقُ النَّحوي هو قوامُ النحوِ العربي، وعروتُه الوثقَى ، ولا يقومُ في عقلٍ ولا فكرٍ أن تتراص كلماتُ اللغة وتتأتى المعاني دون تعليق بين هـذه الكلمات ، وإنما يكون ذلك هراءً ونعيقا لا فائدة فيه ، ولمَّا كان شرطا الجملة العربية هما التركيبُ والإفادة( ) ، لم تتأت للجملة فائدةٌ إلا بالتعليق النحوي ، فالتعليقُ النحويُّ بين الكلمات هو الذي يكسبُ الجملة معناها ، لأنه لو تجرد الكلام منه ” لكان في حكم الأصواتِ التي ينعقُ بها ” ( ) كما يقول الزمخشري .
ووسائل التعليق النحوي كثيرةٌ منها : الإسناد ، والتخصيص ، والتبعية ، والأداة ...( ) ، وقد درس البحث من هذه الوسائل التعليق النحوي لأدوات الجر والظرف بنوعيه لأهميتهما في ترابط النص وإتمام معنى الحدث الذي يتعلقان به ، ” ولم يكن النحاة على خطأ حين أصروا على تعيين متعلَّق خاص للجار والمجرور في الإعراب ، بل إنهم لمَّا رأوا الظروف تسلكُ مسالكَ الأدواتِ قالوا بتعليق الظروفِ أيضا ”( ) ، فالتعليقُ النحوي لشبه الجملة هو الارتباطُ المعنوي لشبه الجملة بالحدث ، وتمسكها به كأنها جزءٌ منه لا يظهرُ معناها إلا به ، ولا يكتملُ معناه إلا بها ، فثمة علاقةٌ متبادَلةٌ بين كلٍّ من الظرفِ والجارِ مع مجروره ، وبين الحدثِ الذي يُقَيدانه ويتعلقان به ، فشبه الجملةِ يقيدُ الحدثَ في إيضاح معناه وتكميله ، والحدث يفيد شبه الجملة ، فيُظهرُ معناها ، ويربطها بحدث يشغلها ، وينصبها ظاهرا أو تقديرا( ).
ومهما يكن من أمر ، فقد شغلتْ قضيةُ تعليقِ شبه الجملة مساحةً عريضة في النحو العربي ، تجلَّتْ تلك المساحة في أنَّ الأصل وجودُ متعلَّق به واحدٍ في التركيب ، يُظهِرُ ذلك المتعلَّق ويُوضحه السياقُ وقرائنُه ، لكنَّ هذا ” السياق الذي يُنسبُ إليه دورٌ مهمٌ في تحديد المعنى المعين لأي حدث لغوي ؛ هو نفسه قد يصبح في بعض الأحيان متسعا لأكثـرِ من معنى ؛ إذ قد يسمحُ لتعدد الاحتمالات في دلالة الجملةِ الواحدةِ ”( ) .
هذا ما حدثَ في التركيب القرآني ، فقد اتَّسَعَ السياق أحيانا ، فاحتمل تعليقُ شبهِ الجملة أكثر من متعلَّق ، فأثَّرَ ذلك في التركيب نحوا ودلالة ، بما لا يتعارض مع أصول الدين وضوابط الصناعة النحوية ، فإذا كان السياقُ كذلك فإن التعدد يُعَدُّ بهذا الفهم ” ضربا من ضروب إعجاز القرآن ، ودليلا على ثراء نصه وخصوبةِ عطائِه ، وتعددِ إشعاعِه ، بحيث تبدو الجملةُ القرآنيةُ كالماسةِ المشعةِ أنَّى استقبلتَها ألقت عليك بأضواء ”( ) ، فتعدد التعليق النحوي لشبه الجملة ظاهرةٌ سياقيةٌ لا تعني اللبس والغموض بقدر ما تعني الثراءَ الدلالي وطلاقةَ النظم ، مثال ذلك قـوله تعالى : أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( ) يقول السمين الحلبي :”يجوز أن يتعلق (فيها) بـ(حبط) ، والضمير على هذا يعود على الآخرة ، أي: وظهر حبوطُ ما صنعوا في الآخرة ، ويجوز أن يتعلق بـ(صنعوا) ، فالضمير على هذا يعود على الحياة الدنيا ”( ) ، هذا مع ملاحظة أن شبه الجملة إذا تعلق بالفعل (صنعوا) ، لا يصحُّ عودُ الضمير على الآخرة ؛ إذ لا عملَ هناك في الآخرة فيحبطَ .
إنَّ تعددَ التعليقِ النحوي لشبه الجملة في التركيب القرآني مَعْلمٌ من معالم الطريق إلى إعجاز القرآن من حيث النظم ؛ ذلك لأن تعدد التعليق النحوي سببٌ رئيسٌ في توارد معانيه وثراء دلالاته ، فأصبحت الآية الواحدة بمثابة عدة آيات ، ترمي كلُّ واحدةٍ إلى دلالةٍ جديدةٍ أو إلى نكتةٍ بلاغيةٍ أو إلى ملمحٍ طريفٍ . إنَّ العربَ لم يكونوا على خطأ حين قالوا :”البلاغة الإيجاز ” ، وهذا الإيجاز من أسبابه الرئيسة في القرآن الكريم تعدد التعليق النحوي لشبه الجملة ، فأصبح الإيجاز بذلك فرعا عن الإعجاز القرآني .
وثَمَ أمرٌ مهمٌ تجب الإشارة إليه ، وهو أن تعليق شبه الجملة ليس أمرا اعتباطيا ساذجا ، وإنما له ضابطان رئيسان ، الأول ضابط دلالي يخضع لدلالات النص ومراده ، والثاني صناعي يخضع لقواعد النحو وضوابطه ، فإذا صحَّ هذان الضابطان معا مع متعلَّق واحدٍ أو أكثر صحَّ التعليق وصح التعدد ، وإلا فلا ؛ لأن الاهتمام بأحد هذين الضابطين وإغفال الآخر يُعَدُّ خطأً في التحليل النحوي الدلالي.
أيا ما كان الأمر ، فإن الاهتداء إلى هذا العامل (المتعلَّق به) قد يحتاج في كثير من الأحيان إلى فطنةٍ ويقظةٍ ، ولاسيما إذا تعددتْ في الجملة الواحدة الأفعالُ أو ما يعملُ عملها ، حيث يتطلب استخلاصُ العامل الحقيقي من بينها أناةً وتفهما ، فإذا قلتَ : قاسَ الطبيبُ حرارةَ المريض ، وكتبها تحت لسانه ، فلا يصح أن يكون الظرف (تحت) متعلِّقا بالفعل (كتبَ) ؛ لئلا يؤدي التعلقُ إلى أن الكتابة كانت تحت اللسان ، وهذا معنى فاسدٌ لا يقعُ ، أمَّا إذا تعلق الظرف بالفعل (قاس) ، فإن المعنى يستقيم ، وتزداد به الفائدة ، أي : قاس الطبيبُ حرارة المريض تحت لسانه وكتبها ، فالقياس تحت اللسان ( ) ، ومثال ذلك قوله تعالى أيضا : وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ( ) ، وقوله : وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ ( ) ، فقوله (منهما) لا يصحُ تعلقُه باسم الفاعل (ناجٍ) ، ولا بالفعل (نجا) ، يقول العكبري :” ولا يكونُ متعلقا بـ(ناج) ؛ لأنه ليس المعنى عليه ”( ) ، ” فلو تعلقَ بـ(ناج) لأفهمَ أنَّ غيرهما نجا منهما ، أي : انفلت منهما ، والمعنى أنَّ أحدَهما هو الناجي ”( ) ، وإنما الصحيحُ أن يتعلقَ شبهُ الجملةِ بمحذوف حالا من اسم الموصول (الذي) ، ومثال ذلك أيضا قول الشاعر :
جهلتُ كجهلِ النَّاسِ حكمةَ خـالقٍ

على الخلقِ طُرًّا بالتعاســةِ حاكمِ
وغايةُ جَهْـدي أنني قد علِمْــتُه

حكيمًا تعالى عن ركــوبِ المظالمِ
” فلو تعلقَ الجارُ والمجرور (على الخلق) بالفعل (جَهِلَ) لأدى هذا التعلق إلى فساد شنيعٍ في المعنى ؛ إذ يكون التركيب : جَهِلتُ على الخلق جميعا ، أي : تكبرتُ عليهم ، وأسأتُ إليهم ، وهذا غير المراد ، وكذلك لو تعلقا بالمصدر (جهْل) أو (حكمة) ، أمَّا لو تعلقا بالوصف المشتق (حاكم) فإن المعنى يستقيم ، ويتحقق به المراد ؛ إذ يكون التركيب : حاكمٍ على الخلق طرا بالتعاسة ، ومثل هذا يقال في الجار والمجرور (بالتعاسة) ”( ) ، وهكذا ، فإنَّ تعليق شبه الجملة بعامله المقصود يحتاج إلى دربةٍ ويقظةٍ ومعرفةٍ بالمعاني المقصودة من التركيب ، كما يحتاج إلى معرفة متى يتعدد متعلَّق شبه الجملة ، ومتى لا يتعدد ؟ ، فإنَّ محاولة تعدد التعليق في أماكن لا تحتمل إلا متعلَّقا واحدا – هي محاولةٌ لتفكيك النظم وتوهينِ علاقاته وبترِ صلاته وضياعِ معناه ، وكلُّ أولئك دوافعُ قد دفعت البحث إلى أن يخصص لهذين الضابطين فصلا سماه ”ما لا يحتمل التعدد ”