Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
التأصيل التاريخي والتأسيس الفلسفي لمبدأ سيادة القانون/
المؤلف
طيب, موسي سعد.
هيئة الاعداد
باحث / موسي سعد طيب
مشرف / محمد علي محجوب
مشرف / طه عوض غازي
مشرف / السيد عبد الحميد فودة
تاريخ النشر
2018.
عدد الصفحات
708 ص. ؛
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
قانون
تاريخ الإجازة
1/1/2018
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية الحقوق - فلسفة القانون و تاريخه
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 551

from 551

المستخلص

القانون هو إحدى المؤسسات الجوهرية فى حياة الإنسان السياسية والاجتماعية، وهو الذي يقرر الحقوق والواجبات بين الأفراد وعلاقاتهم بالسلطة داخل الدولة، كذلك فى علاقاتها الخارجية، وقد ذهب بعض الفلاسفة من أفلاطون إلى ماركس إلى أن القانون شر يجدر بالإنسانية التخلص منه، إلا أن التجربة دلت برغم شكوك الفلاسفة على أن القانون يعد إحدى القوى التى تساعد فى تكوين المجتمع الإنسانى، وأن تقدم الحضارات يرتبط على الدوام بالتطور التدريجى للقواعد الشرعية ولجهاز يجعل تنفيذها فعالاً ومنتظماً.ويعد مبدأ سيادة القانون أحد المبادئ المحددة للضوابط والمعايير الحاكمة التى تمنع الفساد السياسى وتعزز المساواة، وكذلك يعد مبدأ سيادة القانون أصلًا من الأصول الدستورية ويترتب عليه أنه لا يمكن للسلطات العامة القائمة في بلد ما أن تمارس سلطتها إلا وفق قوانين مكتوبة وصادرة بناء على إجراءات دستورية متفقة مع دستور هذا البلد وتهدف لتحقيق مبدأ الحماية ضد الأحكام التعسفية في الحالات الفردية.
ويقوم هذا المبدأ من وجهة النظر الحديثة على وظيفتين أساسيتين هما الإخطار العادل، والمسئولية القانونية، حيث يتطلب الإخطار العادل أن تخطر الدولة الأشخاص قبل التدخل في حياتهم، مما يدعم الإحساس بأن الجميع يعملون في نطاق واضح وداعم للحقوق والحريات، أما المسئولية القانونية فتستدعي المراقبة والمتابعة من قبل السلطة تجاه الأفراد، ويفرض بموجب القانون مجموعة معايير وقواعد وقوانين يترتب على مخالفتها الجزاء.
ويعد المفكر الفرنسى بودان هو أول من استخدم مصطلح السيادة فى الفكر السياسى الغربى المعاصر وعرّف السيادة بأنَّها: ” سلطة عليا على المواطنين والرعايا لا يحدّها القانون”.
وفي توضيحه لمعنى السيادة، فرّق بودان بين السيد (صاحب السيادة) وبين الحاكم، ” فالسيد أو صاحب السيادة هو من كانت سلطته دائمة. أمَّا الحاكم فسلطته مؤقتة. ولذلك فلا يمكن وصفه بأنَّه صاحب السيادة، وإنَّما هو مجرد أمين عليها” وإن السيادة تتسم بأنَّها مطلقة، لا تخضع للقانون. بل تُمكِّن سلطة التقنين من وضع القوانين دون موافقة الرعايا.
ووصف الفكر الحديث سيادة الدولة بأنها صفة تنفرد بها السلطة السياسية في نشاطها الداخلي بحيث تكون آمرة على الأفراد والجماعات، وفى علاقاتها الخارجية بحيث تديرها دون الخضوع لإرادة دولة أخرى، مع احترامها والتزامها بالمواثيق الدولية.
ولقد تناولت الدراسة النظام الديمقراطى والسياسى فى الحضارات الغربية والشرقية القديمة وعند أهم الفلاسفة والمفكرين فى العصور الوسطى حتى مطلع عصر النهضة.
وباستعراض الفكر السياسي فى الحضارة اليونانية خاصة فكرة الديمقراطية لدى كبار فلاسفة اليونان أفلاطون وأرسطو. فنجد مؤلفات أفلاطون فى السياسة: كلها تشير إلى العدالة التى تعد صلب الفلسفة السياسية لأفلاطون. فهو لا يريد أن تصدر الدولة قرارا ظالما بحق أي شخص بعد الظلم الذى تعرض له أستاذه سقراط، وبالتالي فالعدل هو أساس الحكم بالنسبة لأفلاطون. وهو يشكل أول مبدأ من فلسفته السياسية. ونلاحظ أنها عدالة ذات طابع جماعي وليس فقط فرديا. لقد فهم أفلاطون قبل مونتسكيو بعقود أن السلطة هي وحدها القادرة على السيطرة على نفسها ومنعها من تجاوز الحدود في العسف والبطش. وبالتالي فلا ينبغي أن نترك نزوات الحاكم تأخذ كل أبعادها وتقود إلى الاستبداد والكوارث، وإنما ينبغي تحجيمها أو لجمها عن طريق القوانين والتشريعات.
ورأى أفلاطون أنه حتى الديمقراطية يمكن أن تحمل في طياتها بذور الطغيان تتسم بأنَّها مطلقة، لا تخضع للقانون. بل تُمكِّن سلطة التقنين من وضع القوانين دون موافقة الرعايا.
ووصف الفكر الحديث سيادة الدولة بأنها صفة تنفرد بها السلطة السياسية في نشاطها الداخلي بحيث تكون آمرة على الأفراد والجماعات، وفى علاقاتها الخارجية بحيث تديرها دون الخضوع لإرادة دولة أخرى، مع احترامها والتزامها بالمواثيق الدولية.
ولقد تناولت الدراسة النظام الديمقراطى والسياسى فى الحضارات الغربية والشرقية القديمة وعند أهم الفلاسفة والمفكرين فى العصور الوسطى حتى مطلع عصر النهضة.
وباستعراض الفكر السياسي فى الحضارة اليونانية خاصة فكرة الديمقراطية لدى كبار فلاسفة اليونان أفلاطون وأرسطو. فنجد مؤلفات أفلاطون فى السياسة: كلها تشير إلى العدالة التى تعد صلب الفلسفة السياسية لأفلاطون. فهو لا يريد أن تصدر الدولة قرارا ظالما بحق أي شخص بعد الظلم الذى تعرض له أستاذه سقراط، وبالتالي فالعدل هو أساس الحكم بالنسبة لأفلاطون. وهو يشكل أول مبدأ من فلسفته السياسية. ونلاحظ أنها عدالة ذات طابع جماعي وليس فقط فرديا. لقد فهم أفلاطون قبل مونتسكيو بعقود أن السلطة هي وحدها القادرة على السيطرة على نفسها ومنعها من تجاوز الحدود في العسف والبطش. وبالتالي فلا ينبغي أن نترك نزوات الحاكم تأخذ كل أبعادها وتقود إلى الاستبداد والكوارث، وإنما ينبغي تحجيمها أو لجمها عن طريق القوانين والتشريعات.
ورأى أفلاطون أنه حتى الديمقراطية يمكن أن تحمل في طياتها بذور الطغيان والتعصب والظلم إذا لم تقدها القوانين العادلة والحكيمة. فقد قتل سقراط باسم الديمقراطية والظلم إذا لم تقدها القوانين العادلة والحكيمة. فقد قتل سقراط باسم الديمقراطية وبتصويت شعبى بالموافقة على إعدامه، ثم جاء بعد أفلاطون تلميذه أرسطو الذي واصل مسيرته الفلسفية على الرغم من اختلافه الكبير عنه. وقد نشر كتابه المشهور السياسة لكي يوضح تصوراته للسلطة وكيفية حكم البشر. وقال فيما معناه: إن الحكم العادل هو ذلك الذي يحقق سعادة الناس أو أكبر عدد منهم على هذه الأرض.
فمهمة الحكم الصحيح هي تحقيق المصلحة العامة وفعل الخير للبشر وجعل حياتهم سعيدة إلى أقصى حد ممكن. وكان أرسطو مثل أستاذه أفلاطون، يرى أن حكم القانون هو الذي يحفظ الدولة من الإجراءات التعسفية والظالمة، فدولة بلا قانون عادل تصبح عرضة لكل أنواع الظلم والطغيان.
وقد قسم أرسطو أنظمة الحكم إلى ثلاثة؛ فهناك أولا النظام الملكي حيث يحكم شخص واحد هو الملك ولكن لمصلحة الجميع في أفضل الحالات. وهناك ثانيا النظام الأرستقراطي حيث تحكم العائلات الغنية ولكن مع أخذها بعين الاعتبار للمصلحة العامة. وهناك ثالثا النظام الديمقراطي حيث تحكم الجماهير أو عموم الشعب في أفضل الحالات، أما في أسوئها فإن الملك يتحول إلى طاغية لا يهتم إلا بمصلحته الشخصية. هذا في حين أن النظام الأرستقراطي يتحول إلى نظام الأوليجاركية التي لا تهتم إلا بمصلحة الأقلية الحاكمة وأقاربها. أما النظام الديمقراطي فيتحول في أسوأ الحالات إلى نظام لا يدافع عن المصلحة العامة وإنما فقط عن مصلحة الطبقات الدنيا في المجتمع وعن العصبيات.كذلك تناولت الدراسة الديمقراطية والنظام السياسى فى الحضارة الرومانية، فنجد أنه طوال حقبة العصور الوسطى الأوربية التي انتهت مرحلتها في أواخر عام 1400، كان التصور السياسي للدولة، كونها مؤسسة خاضعة للقانون الإلهي، وإن دور الحاكم يقتصر على حماية الكنيسة، وهذا المفهوم للسلطة. كذلك تناولت الدراسة النظام السياسى وفكرة الديمقراطية فى الحضارات الشرقية وأهمها حضارة بلاد الرافدين، حيث إن التاريخ لا ينسى فضل الملوك العراقيين القدماء على الثقافة القانونية وفي تدوين القوانين، وبالرغم من أن سلطة إصدار القوانين كانت مقصورة على الملوك وحدهم، فأوامرهم وكلماتهم كانت هي القانون فخضوعهم لسيادة القانون كان موجوداً، لذلك فإن السلطة كانت مقيدة بتطبيق أحكام القانون وقواعد العدالة.وفى الحضارات الشرقية كانت حضارة بلاد الرافدين التى تميزت منذ نشوئها في عصر فجر السلالات بالعلاقة مع خصائصها السياسية بظهورها على أساس عدة دول مدن مستقلة لكل منها حدودها وأسوارها وأُسرتها الحاكمة ونظمها وقوانينها. وشكلت دول المدن السومرية أُولى الأنظمة السياسية المعروفة وأساس نشوء المجتمع السياسي المنظم، وكانت كل مدينة من هذه المدن مركزاً سياسياً واقتصادياً ودينياً تضم القرى والمزارع المحيطة بها، وهو ما اصطُلِح عليه (دولة المدينة) وبالعلاقة مع عقيدة القوم الدينية حيث إن ما يحدث في السماء يقع نظيره في الأرض، وأن الآلهة خلقت البشر لخدمتها، والمدينة بما فيها من أرض وموارد، هي مُلك (الإِله الحامي)، وعلى أهل المدينة المحافظة عليها وتوسيعها، كما قررت الآلهة أيضاً أن تهب البشر النظام الملكي الذي يحكم مجتمعها في السماء، فاصطفت من بينهم من ينوب عنها أو يمثلها وينفذ أوامرها ومنحته صفة الملوكية من السماء. ولقد صدر العديد من القوانين والتشريعات على امتداد التاريخ فى هذه الحضارة منها إصلاحات أوروكاجينا، وعشتار وأورنمو وحمورابى.
كما قدمت حضارة وادي الرافدين العديد من ضمانات تحقيق العدالة التى يمكن ردها إلى مبدأ خضوع الحكام لسيادة القانون والقضاء، فمبدأ خضوع الحاكم لسيادة القانون كان ولا يزال يعد من المبادئ الأساسية لتحقيق العدالة، وهو يعني خضوع السلطة إلى جانب الأفراد إلى حكم القانون الصادر عن الدولة، والدولة التي يخضع فيها الأفراد والحاكم لحكم القانون يطلق عليها تسمية ”الدولة القانونية” على أن خضوع الحاكم يكون بالاستناد إلى التقييد الذاتي، ومن ثم فإن هذا الخضوع من جانب الحاكم للقانون يختلف عن خضوع الأفراد له. ولقد ساد الاعتقاد لدى هذه الحضارة بأن القانون هو تعبير عن الإرادة الإلهية التي يكشف عنها الملك أو الكهنة، وبذلك بدأ التشريع المدون مع تقدم الحضارة الإنسانية في بلاد ما بين النهرين بهدف الحفاظ على القاعدة القانونية من الضياع أو التحريف، كذلك بهدف نشرها على الناس حتى لا تحتكر طائفة معينة تفسيرها لمصلحتها الخاصة وحتى يكون فى متناول الجميع أن يعلموا مالهم من حقوق وما عليهم من واجبات بطريقة لا لبس فيها( ). كذلك مع تعدد القضاة نتيجة لاتساع رقعة الدولة وكثرة عدد سكانها مما جعل من الصعب ترك وظيفة القضاء فى يد شخص واحد ليفصل فى المنازعات، لذلك أصبح من الضرورى تعدد القضاة وكذلك تدوين القواعد القانونية التى يلتزمون بتطبيقها للحفاظ على العدالة ووحدة تطبيق القانون.
ثم انتقلنا للحديث عن الديمقراطية وسيادة القانون فى العصور الحديثة وتعرضنا إلى نظريات كبار الفلاسفة من أمثال مونتسكيو وجون لوك، وكانط، ورؤيتهم حول أفضل الأنظمة السياسية للحكم وعلاقتها بتحقيق الديمقراطية والواقع أن الثورة الفرنسية أثرت على الفلسفة السياسية بشكل حاسم وعلى العديد من مفكرى العصر الحديث. والدليل على ذلك فكر كانط نفسه. فقد تحمس لها كثيرا ورأى فيها الأمل فى الحرية والتغيير، كما رأى فيها تجسيدا للمبادئ المثالية في التاريخ. صحيح أنها انحرفت عن مسارها بعدئذ ودخلت فى مرحلة العنف ولكن ذلك لا يغير في الأمر شيئا. فهذه الثورة أثبتت أن الإنسان يمكن أن يكسر قيوده وأصفاده وينطلق حرا طليقا دون أي خوف من نظام الاستعباد والطغيان المطلق. كما أثبتت أن الإنسان يمتلك في داخله حب التقدم أو التحسن نحو الأفضل، وأنه قادر على تجسيد ذلك في التاريخ إذا ما واتته الظروف. وأثبتت هذه الثورة أيضا أن المثل العليا كالحرية والمساواة والإخاء بين البشر وتحقيق الرفاهية المادية والسعادة على هذه الأرض هي أشياء يمكن تحقيقها وليست أوهاما أو أحلاما عصية على التحقيق.
كما يرى كانط أن من الثورات ما يمكنه أن يأتي بنظام يكون أكثر استبدادا وعنفا من النظام الذي كان سائدا، ومع ذلك يرى كانط أنه من الأفضل ألا يعمد من قامت عليهم الثورة إلى ثورة ثانية تعيد الشعب إلى نظامه السابق: ”لو افترضنا أن ثورة ما حدثت بدافع من مخطّطات سيّئة، وقضت بوسائل عنيفة وغير شرعية على نظام هو أفضل ممّا جاءت به، فلن يكون من المستحسن إعادة الشعب بعد ذلك إلى نظامه السابق، على الرغم من حق الذين يتولون أمور الدولة في معاقبة جميع من أسهموا في الثورة المغلوبة، سواء ارتدت إسهاماتهم طابع العنف أو اندسّت تحت ستار الحيلة”.
كما تعرضت الرسالة للديمقراطية فى الولايات المتحدة الأمريكية من خلال عرض لفكرة الديمقراطية وعلاقتها بسيادة القانون عند أهم مفكرى الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك التفرقة بين الديمقراطية فى النظم الليبرالية والاشتراكية وخاصة عند الاشتراكى كارل ماركس الذى تبنّى الموقف القائل إن الصراع بين البشر ينتهي بانتهاء الطبقات، والقضاء على تغول طبقة على أخرى مستعملة في ذلك الدولة كأداة سياسية للقمع، فالدولة عند ماركس ليست دولة كل المواطنين، بل دولة الطبقة المهيمنة اقتصاديا واجتماعيا، فإن كانط يرى العكس من ذلك تماما، فالدولة عنده هي الضامن الوحيد لانتهاء كل أشكال العنف والصراع. إن حل مشكلة العنف عند ماركس مشروط بانتهاء الدولة وانحلالها، في حين أن حل مشكلة العنف عند كانط مشروط بقيام دولة الحق والقانون واستمرارها، بل أن مشروعية دولة ما تقاس بمدى قدرتها على الحفاظ على سلم وأمن مواطنيها من كل ما يمكن أن يتهدّدهم في الداخل وفي الخارج، لأن مثل هذا السلم هو عنوان كل تحضّر وسمة كل عيش مشترك، فإن السلم يعبّر عن نوع من التوازن الضروري لاستمرار البشر ولتحقيق سعادتهم وخيرهم السياسي الأسمى شيئا فشيئا ضمن الحالة المدنية التي هي انتصار مستمر على الطبيعة برمتها.وحيث إن ما تتميز به الدولة الحديثة، دولة الحق والعدل والقانون، هو وجود قانون أسمى فيها يسمى الدستور يضبط العلاقة بين الحاكمين والمحكومين، وفاعلية هذا الدستور تكمن في صيانته من كل انتهاك أو خرق من قبل إحدى السلطات الثلاث داخل الدولة، وانطلاقاً من ذلك، حرصت الأنظمة القانونية على إحداث هيئة أوكلت إليها مهمة الرقابة الدستورية. فالرقابة على دستورية القوانين تهدف إلى تعزيز أسس وأركان الدولة القانونية القائمة على سيادة القانون والحيلولة دون الخروج على الدستور باعتباره المنظم للقواعد الأساسية الواجبة الاحترام في الدولة والمدافع عن إرادة الشعب الذي أصدر الدستور وحماية الحقوق والحريات الأساسية للأفراد.كما تناولت الدراسة آليات حماية مبدأ سيادة القانون فى حقوق الإنسان، والحقوق والحريات المكفولة بالحماية الدستورية، كذلك الجهود الوطنية والدولية لتوطيد سيادة القانون وحماية الديمقراطية حيث نجد أنه مع تراجع مبدأ السيادة الوطنية للدول تزايدت إمكانية التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى. فقد تعددت وتنوعت مبررات التدخل الأجنبي من ذلك مثلا، التدخل لاعتبارات إنسانية والتدخل لحماية حقوق الإنسان والتدخل لمكافحة الإرهاب، ومع ازدياد معاناة بعض الشعوب بسبب النزاعات المسلّحة الداخلية والإقليمية، والجريمة المنظّمة، وانتشار الأسلحة الخفيفة، برزت المصاعب أمام المجتمع الدولي لتلبية المساعدات لتلك الشعوب واصطدمت الحاجة إلى التدخّل الدولي لأسباب إنسانية بجميع مواثيق حقوق الإنسان الدولية والإقليمية وإعلاناتها وعهودها واتفاقياتها ومبادئها، وخصوصًا مبدأ السيادة وعدم التدخّل في شئون الدول الداخلية المنصوص عليها في هذه المواثيق الدولية والإقليمية، ويقصد بالتدخل الدولي الإنساني التدخّل غير المادي، والتدخّل الذي يستند إلى عمليات إنسانية من قبل منظمات دولية تتطلّب موافقة مسبقة ومشروطة من الدول المعنية، والتدخّل الإجباري لتأمين وصول المساعدات الإنسانية وتوزيعها من قبل الأمم المتحدة مصحوبة بوحدات عسكرية والتي لا تتطلّب موافقة الدول المعنية، والتدخّل الوقائي في إطار الدبلوماسية الوقائية التي تبنّتها الأمم المتحدة منذ العام 1992، والذي يتضمّن التدخّل الإنساني العسكري لحماية حقوق الأفراد.وتعد الحقوق والحريات الأساسية هي أعز ما يملك الإنسان، وهي قوام حياته ووجوده، وأساس إنسانيته وآدميته، فالإنسان يضحي بكل غالٍ من أجل افتكاك حقوقه، ونيل حريته، فلقد كانت الحرية والكرامة دائماً هما السبب المحرض على الثورة، فمطالب الثورات وغايتها تتجلى دائماً في طلب الحرية، لذلك انشغل الفكر الإنساني والقانوني بالبحث عن الوسائل الكفيلة لحماية تلك الحقوق والحريات التي قررتها الدساتير الوطنية وحثت عليها المواثيق والإعلانات الدولية، وإيجاد السبل الكفيلة لحمايتها من أي اعتداء يقع عليها، أو من أي انتهاك أو تشويه يمسها، فكان لا بد من ابتداع وسيلة تضمن ذلك، فكانت هذه الوسيلة هى الرقابة على دستورية القوانين أو التشريعات.وحيث إن ما تتميز به الدولة الحديثة، دولة الحق والعدل والقانون، هو وجود قانون أسمى فيها يسمى الدستور يضبط العلاقة بين الحاكمين والمحكومين، وفاعلية هذا الدستور تكمن في صيانته من كل انتهاك أو خرق من قبل إحدى السلطات الثلاث داخل الدولة، وانطلاقاً من ذلك، حرصت الأنظمة القانونية على إحداث هيئة أوكلت إليها مهمة الرقابة الدستورية. فالرقابة على دستورية القوانين تهدف إلى تعزيز أسس وأركان الدولة القانونية القائمة على سيادة القانون والحيلولة دون الخروج على الدستور باعتباره المنظم للقواعد الأساسية الواجبة الاحترام في الدولة والمدافع عن إرادة الشعب الذي أصدر الدستور وحماية الحقوق والحريات الأساسية للأفراد. فقد اتفقت معظم الدول المعاصرة على ضرورة الأخذ بهذه الوسيلة الفعالة لحماية الحقوق والحريات، والالتزام بالحدود التي رسمها الدستور، إلا أنها تباينت في طريقة تطبيقها، فكل دولة تؤسس هيئة للرقابة على دستورية القوانين بالشكل الذي تراه مناسباً لحماية دستورها، وهو ما يفسر تعدد أشكال الرقابة على دستورية القوانين، فمن هذه الدول من أسند مهمة الرقابة على دستورية القوانين إلى هيئة سياسية آخذةً بما يعرف بأسلوب الرقابة السياسية على دستورية القوانين، كما هو الحال في فرنسا وفقاً لدستور الجمهورية الخامسة لعام 1958، وهناك دول أخرى أسندت هذه المهمة للقضاء كما هو الحال في ألمانيا وايطاليا، والدول التي أخذت بأسلوب الرقابة القضائية على دستورية القوانين وإن اتفقت على إسناد هذه المهمة للقضاء إلا أنها اختلفت في تحديد الجهة التي تتولى هذه الرقابة فمنها من أخذ بالرقابة المركزية وهي التي يعهد فيها بممارسة الرقابة على دستورية القوانين إلى محكمة محددة يبين الدستور كيفية تشكيلها واختصاصاتها والإجراءات المتبعة أمامها، والآثار التي تترتب على أحكامها، أو يحيل في ذلك كله أو بعضه إلى القانون العادي، ومنها من تبنى أسلوب الرقابة اللامركزية وهي التي تمارسها المحاكم على اختلاف درجاتها فكل محكمة تستطيع أن تفصل فيما يثور أمامها من منازعات بشأن القانون التي تزمع تطبيقه على النزاع المعروض عليها.
وهناك من يضيف نوعين آخرين هما الرقابة الشعبية والتي تتمثل في الرأي العام والصحافة ووسائل الإعلام الأخرى ورقابة منظمات المجتمع المدني، وإذ نقر بأن الـرأي العـام يعد رقيباً علـى السلطات جميعاً خاصة في الدول الديمقراطية، إلا أن هذه الرقابة فضفاضة تحتاج لتحديد قانوني سليم، وتبقى الرقابة على دستورية القوانين بصورتيها السياسية والقضائية أنسب وسيلة في ذلك. وفي الواقع فإن الدول النامية بسبب هشاشة مؤسساتها الدستورية، وتسلط السلطة التنفيذية فيها، فإنه لا يناسبها سوى الأخذ بأسلوب الرقابة القضائية على دستورية القوانين في شكلها المركزي حيث وجود محكمة متخصصة تنتمي للسلطة القضائية تقف على قدم المساواة من السلطتين التشريعية والتنفيذية. وحيث إن ليبيا تنتمي بدورها إلى دول هذه المجموعة فقد كانت سباقة إلى اعتناق مبدأ الرقابة على دستورية القوانين، وانتهجت شكل الرقابة الذي كانت تراه ملائماً للسياق القانوني والسياسي الذي كانت تعيشه، فاعتمدت في تجربتها خلال دستور سنة 1951، وقانون المحكمة العليا لسنة 1953، والقانون رقم 6 لسنة 1982 بإعادة تنظيم المحكمة العليا المعدل بالقانون رقم 17 لسنة 1994 أسلوب الرقابة القضائية على دستورية القوانين في شكلها المركزي.
وبالتالي فإن هذه الدراسة تهتم بكشف موقف المشرع الليبي من موضوع الرقابة على دستورية القوانين وكيفية معالجته لها وإسنادها إلى القضاء متمثلاً في المحكمة العليا بدوائرها المجتمعة، وقبل ذلك فقد اهتمت بدراسة الوثائق الدستورية التي شرعت من أجلها الرقابة على دستورية القوانين بغية حمايتها وصونها من أي اعتداء أو خرق، نظراً لما كانت تتمتع به من سمو وعلو على بقية التشريعات الأخرى، وكيف تعرضت الرقابة الدستورية في ظل مرحلة هذه الوثائق والإعلانات لتجاذبات سياسية وفكرية كان بعضها متطرفاً لدرجة إنكار أهمية الرقابة الدستورية ونادى بضرورة هجرها. كما تناولت الدراسة مفهوم الرقابة على دستورية القوانين وضرورتها وصورها وتطبيقات لنماذج منها في دول مختلفة، كما إنها تعرضت باستفاضة لموضوع الرقابة على دستورية القوانين في ليبيا خلال مراحل مختلفة من تاريخها الدستوري والسياسي، وذلك لاعتقادنا أن موضوع الرقابة على دستورية القوانين يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالفكر السياسي والقانوني السائد في كل مرحلة من المراحل، وقد بينا الغموض الذي كان يكتنف موضوع الرقابة على دستورية القوانين خصوصاً بعد صدور القانون رقم 6 لسنة 1982بإعادة تنظيم المحكمة العليا.