Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
الخطاب النقدي في فكر جورج طرابيشي/
المؤلف
مفتاح, زينب موسى.
هيئة الاعداد
باحث / زينب موسى مفتاح
مشرف / سها عبد المنعم منصور
مشرف / ليلى صبحي عبد الله
تاريخ النشر
2018.
عدد الصفحات
314 ص. ؛
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
فلسفة
تاريخ الإجازة
1/1/2018
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية البنات - الدراسات الفلسفية
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 314

from 314

المستخلص

مثَّل الخطاب النقدي في فكر جورج طرابيشي واحداً من أهم الموضوعات التي أثارت العديد من ردود الأفعال الإيجابية على الصعيد الفكري العربي، فكان أحد أهم المشاريع الفكرية النقدية المعاصرة التي تصدت بالنقد والتمحيص للعديد من كتابات المفكرين العرب، حيث قدم طرابيشي خطابه النقدي مصحوباً بمنهج التحليل النفسي الذي طغى على أغلب كتاباته التي حملت الجانب النقدي، لذلك جاءت هذه الأطروحة لإلقاء الضوء على هذا الخطاب باستخدام المنهج التحليلي الذي لا غنى عنه في أي كتابة بحثية.
ذلك أن أهمية الدراسات النقدية، أنها تأخذ على عاتقها مهمة النهوض بالواقع العربي، ودفعه لتجاوز أزماته ومعوقات تقدمه، من هنا جاء اختيارنا للخطاب النقدي في فكر جورج طرابيشي الذي تجاوز نقد التراث لينتقل إلى مرحلة نقد النقد التي مثلها مشروعه (نقد نقد العقل العربي) وهو محاولة جادة من قبل هذا المفكر للبحث في أسباب تأخر العقل العربي، وعدم قدرته على اللحاق بركب الحضارة المعاصرة، وذلك من خلال الغوص في أعماق التراث العربي الإسلامي الفلسفي، والبحث عن الجذور الأولى التي أدت إلى توقف العقل العربي عن الإبداع الذي قاد إلى توقف الحضارة الإسلامية وتبعها تأخر النهضة العربية فيما بعد، وقد بذل المفكر جهداً كبيراً في التنقيب والبحث في التراث العربي الإسلامي من أجل أن يخرج هذا الموضوع.
وقد تطلبت الدراسة تقسيم الموضوع إلى أربعة فصول، تضمن كل فصل ثلاثة مباحث، حيث تناولت الباحثة في الفصل الأول نبذة عن التعريف بجورج طرابيشي عن حياته ومنهجه وأهم مؤلفاته، على اعتبار أن هذا المفكر لم ينل حقه من الدراسة والبحث، كما تم التعريف بالخطاب النقدي عند طرابيشي في المبحث الثاني، وفي المبحث الثالث عرضنا عرضاً موجزاً لأهم التيارات الفكرية العربية المعاصرة ونظرتها للتراث، وذلك تمهيداً لنقد جورج طرابيشي لهذه التيارات.
أما الفصل الثاني فقد تضمن المسار الفكري لجورج طرابيشي، والمتمثل في نقده للتيارات الفكرية العربية التي تحدثت عن التراث وذلك في المبحث الأول، بينما تضمن المبحث الثاني نقد طرابيشي للمثقفين العرب باستخدام منهج التحليل النفسي، وقد شمل هذا النقد العديد من المفكرين العرب الذين كتبوا في إحياء التراث العربي وذلك في المبحث الثاني، وقد ركز طرابيشي في كتابات المفكرين العرب على نقد الازدواجية في فكر حسن حنفي ليقوم بما يشبه جلسة في التحليل النفسي مع كتابات حسن حنفي والذي تناولناه بالبحث في المبحث الثالث.
تضمن الفصل الثالث المشروع النقدي لطرابيشي وهو (نقد نقد العقل العربي) الذي شمل تتبع مختلف النظير لمشروع محمد عابد الجابري (نقد العقل العربي)، وقد تضمن هذا النقد الإشكاليات التي أثارها الجابري من خلال مشروعه والتي من أهمها إشكالية القطيعة والضدية الابستمولوجية وهما اللتان لاقتا نقداً عنيفاً من قبل طرابيشي، وقد كان ذلك في المبحث الأول والثاني، أما المبحث الثالث فقد اشتمل على نقد منهجية الجابري في مشروعه بما في ذلك الترجمة والأصول المرجعية.
وأخيراً اشتمل الفصل الرابع على عرض المشروع الحضاري لجورج طرابيشي والرؤية التي يسعى إلى تحقيقها بعد نقده للمفكرين العرب، وذلك ببحثه في أسباب استقالة العقل العربي مكوناً بذلك إشكاليته الخاصة وفق منهجه النقدي وذلك في المبحث الأول، وفي المبحث الثاني تعرضنا لفكرة العلمانية التي يعرضها كأهم الحلول للتخلص من كل ما يعانيه الواقع العربي من صراعات وانقسامات طائفية. وأخيراً عرضنا رؤية طرابيشي حول مستقبل النهضة العربية، وعدم إيمانه بوجود فلسفة عربية لإخفاق البلدان العربية الوصول إلى التفوق والتقدم العلمي، ولعدم قدرتها على قيام نظرية نقدية حتى الآن لذلك يعطي طرابيشي للمثقف دوراً بارزاً في النهضة العربية، ويوكل إليه مهمة دفع المجتمع نحو التقدم لتجاوز معوقاته.
وقد خرجت الباحثة من خلال هذه الدراسة للخطاب النقدي في فكر جورج طرابيشي الخروج بمجموعة من النتائج التي نأمل أن تكون نقطة انطلاق لأبحاث جديدة في سبيل تكوين نظرية نقدي عربية تساهم في حلول فكرية للعديد مما يعانيه الواقع العربي، وقد كان أبرز هذه النتائج فيما يلي:
انتقد طرابيشي التيارات الفكرية المعاصرة في نظرتها للتراث، معتبراً أنها تقوم بتجزئته وتشطيره، وذلك بقولها بإحياء أجزاء من التراث تتماشى مع وقاع العصر، وترك الآخر، وقد بالغ في وصف هذا التشطير بما أسماه ”نمذجة التراث” مما جعل نقده يأخذ منحى سلبياً أكثر منه إيجابي، وبذلك باستخدامه مصطلحات شديدة اللهجة في نقده لهذه التيارات.
استخدام طرابيشي منهج التحليل النفسي لدراسة خطابات المفكرين العرب، واستنتج من خلال هذا المنهج أن هذا الفكر يعاني من أزمة ارتداد نحو التراث فيما أسماه ”بعصاب جماعي” يرى فيه الوصف الوحيد الذي يمكن أن يفسر به عودة المثقفين العرب للتراث من أجل الاحتماء به من صدمات الواقع، إلا أن هذا التعميم الشامل من قبل طرابيشي للخطاب العربي العاصر، على أنه خطاب نكوص نحو الماضي، يتجاهل الكفاءات العقلية والمجهودات الفكرية التي بذلت من قبل مفكري هذا الخطاب. كما أن الاقتصار على المنهجية التحليلية النفسية وحدها لا يفضي إلى رؤية موضوعية شاملة لهذا الخطاب، حيث توجد العديد من الجوانب الأخرى التي يمكن تشخيص هذا الخطاب من خلالها.زد على ذلك أن منهج التحليل النفسي جعل موقف طرابيشي مضطرباً من التراث، فهو ينقد من احتمى بالتراث ومن تجرد منه في الوقت ذاته، إلا أننا اكتشفنا لاحقاً من خلال انتقاداته أنه يتبنى الرؤية التحديثية للتراث، بالاستعانة بما توفره لنا الحضارة الحديثة من مناهج علمية لم يسبق لها مثيل في الحفر والتنقيب والنقد وإعادة القراءة والتأويل، أي أنه يرى في الحداثة وسيلة لإعادة صياغة التراث في إشكاليات جديدة.
شخص طرابيشي كتابات الدكتور حسن حنفي باستخدام ما ألم به من منهج التحليل النفسي، واصفاً كتاباته بالازدواجية، وكأنه لا يدرك أن التناقض في كتابات حنفي، يمثل بعداً من أبعاد البنية المفهومية الشعورية لمنظومته الفكرية، والتي لا تفهم إلا في إطارها وإطار تطورها التاريخي والاجتماعي والسياسي.
اعتمد طرابيشي التحليل التاريخي في قراءته للتراث، الذي تضمن النص القرآني ومجمل الفكر الديني الناتج عنه من الفقهاء والعلماء، فهذا التراث بمعناه الواسع شكل مادة مركزية في كتابات جورج طرابيشي تم توظيفها على مختلف المستويات، حيث يشيد طرابيشي بهذا التراث. لذلك يجب علينا وفق رأيه، أن نتصالح مع تراثنا القديم، لأنه فهم تراثنا يساعدنا على تفهم أنفسنا، فالعودة إلى الماضي تساعدنا مع التمسك بهويتنا، إلا أن العودة التي ينشدها يجب أن تكون مشروطة بقراءة حديثة لكي يصبح معاصراً لنا وأن نقرأه بعيون جديدة وهي مهمة الجيل القادم.وظف طرابيشي إلمامه بالمناهج الفكرية والاجتماعية، التي أنتجتها الحداثة الغربية في قراءته للتراث ولنصوص الدكتور محمد الجابري، فمزج بين المنهج التفكيكي للنصوص، وعمد بعدها إلى استخدام منهج الحفر الأركولوجي للعودة إلى الأسس والجذور، وأخضع النصوص التراثية إلى منهج النقد التاريخي، ليصل أخيراً إلى إعادة تركيب وبناء المفاهيم، انطلاقاً مما يكون قد خرج به من نتائج النقد الذي أجراه، رغم أن نتائجه في بعض الأحيان لا تكون صائبة إلا أن طريقة البحث النقدي هي من أفضل الطرق التي تساهم في إثراء الفكر الفلسفي.لقد احتل موضوع العقل مكاناً مميزاً في كتابات طرابيشي، حيث يرفض كل التفسيرات التي تعيد هزيمة العقل في الإسلام إلى قوى خارجية، كما ذهب إلى ذلك الجابري، وإنما يرى أن محنة العقل هي في الأساس مأساة داخلية ومحكومة بآليات ذاتية يتحمل فيها العقل العربي الإسلامي مسئولية إقالة نفسه بنفسه. حيث يبالغ طرابيشي في تصوير الآليات الذاتية التي يُحملها مسئولية إقالة العقل العربي يدل على ذلك عناوين كتبه الاستفزازية التي تصور هذه الإقالة مثل (المعجزة أو سبات العقل في الإسلام) فيرى في المعجزة وظاهرة تضخم الحديث عوامل ساهمت في استقالة العقل في الإسلام، حيث يحمل أصحاب المذاهب الفقهية في الإسلام هذه المسئولية، في حين أننا نعتبر أن هذا الجانب هو أضعف الجوانب في مشروع طرابيشي، فمدونات هؤلاء الفقهاء تعتبر من أصح الروايات للسنة الشريفة.
تعتبر آراء طرابيشي السياسية مساهمة منه في حل الصراعات التي تشهدها المجتمعات العربية، فاشتهر بانتقاله من طور سياسي إلى آخر، بوجود النقد الذاتي الصارم لكل مرحلة، حيث رأى في الديمقراطية حلاً غير صائب للعديد من الإشكاليات في المجتمعات العربية، ليستبدلها بشعار آخر وهو طرحه لفكرة العلمانية في العالم الإسلامي رغم معرفته بأنه لن يلاقي أي قبول في المجتمع العربي الإسلامي.
ينفي طرابيشي وجود فلسفة عربية ويرى إمكانية قيامها أمر صعب نتيجة لسيطرة العلم على مجالها، ولغياب العقلانية عن الساحة العربية، بالإضافة إلى ضعف الذات العربية ولجوئها دائماً إلى التراث، إلا أنه يرى في المثقف العربي القدرة على إنشاء فلسفة عربية، متى اتخذ من النقد سلاحاً يواجه به معوقات الواقع ومشكلاته.
يعتبر طرابيشي مفكراً ذا ثقافة موسوعية في تاريخ الفلسفة الشرقية واليونانية والعربية الإسلامية، إلا أن أسلوبه النقدي الذي يغلب عليه طابع الهجاء والسخرية والهجوم في كثير من الأحيان، يقلل من قيمة نقده الفلسفي ويعطيه طابعاً سلبياً أكثر منه إيجابي، فلو ترفع عن هذا الأسلوب لأصبح نقده أكثر فاعلية في أوساط المفكرين العرب، مع ذلك فإن دراسة الخطاب النقدي لجورج طرابيشي، تعتبر من أفضل الدراسات التي تتيح للباحث إمكانية الاطلاع والبحث في فلسفة وكتابات وأفكار العديد من المفكرين العرب، وهو ما أظنه الجانب الأكثر إيجابية في كتابات جورج طرابيشي.