Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
سيميولوجيا العلامة فى بلاغة إعجاز القرآن الكريم عند الرمانى والخطابى والجرجانى والغزالى /
المؤلف
طه، محمد على السيد أحمد.
هيئة الاعداد
باحث / محمد على السيد أحمد طه
مشرف / إبراهيم عوض
مشرف / فاطمة عبد التواب
مناقش / فاطمة عبد التواب
تاريخ النشر
2017.
عدد الصفحات
242ص. :
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
الأدب والنظرية الأدبية
تاريخ الإجازة
1/1/2017
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية الآداب - اللغة العربية وادابها
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 242

from 242

المستخلص

مشروع هذه الدراسة مشروع قديم طالما خامر عقلى منذ زمن، فقد وجد طريقه إلى ذهنى خلال الإعداد للبحث الذى حصلت به على درجة الماجستير، والذى كان يتناول موضوع الرموز العرفانية بين الغزالى وابن عربى، حيث اطلعت على مباحث السيميولوجيا من أجل فهم العلامة ومدلولها من المنظور الصوفى، أو ما يمكن أن نطلق عليه سيمياء التصوف.
ومن ثم فقد خصصت الفصل الرابع من البحث الآنف الذكر لتناول السميولوجيا العرفانية بين الغزالى وابن عربى . ولما كان هذا الفصل القصير لم يوف بالنهم، ولم يشبع الشغف فقد عزمت - مستعيناً بالله - على العودة للبحث السيميولوجى على نحو أكثر تفصيلاً وتدقيقاً ولكن من خلال النقد الأدبى العربى، وفى ميدان لا يبتعد بالطبع عن ميدان الدراسات الإسلامية ألا وهو بلاغة إعجاز القرآن الكريم كما نتمثلها عند الخطابى، والرمانى، والجرجانى، والغزالى، الذى كان شأنه شأنهم من حيث فهم النص القرآنى ومدلول علاماته لاسيما من الوجهة الصوفية .
إن العين السيميولوجية هى العين الناقدة الباحثة عن مواطن العلامات المدفوعة إلى فك شفراتها وبلوغ مراميها، إنها تمثل الطموح السيميولوجى الذى يعانق النصوص متعلقاً بالدوال.
وإذا كانت السيمولوجيا تعرف عادة على أنها العلم الذى يعنى بكل أنساق العلامات، فمن هنا تظهر خاصيتها الممتدة فى الكثير من المناحى الدلالية، فهى العلم الذى يتناول الرموز بقدر ما يتناول الإشارات والبحث فى علاقتها بالمعانى والدلالات المختلفة التى يمكن أن تشير إليها ( ) إذ إنها أداة لقراءة كل مظاهر السلوك الإنسانى – بما فيه السلوك اللغوى - بدءًا من الانفعالات البسيطة مروراً بالطقوس الاجتماعية وانتهاء بالانساق الايدوبولوجية الكبرى ( )
السيميولوجا: هي النظرية التي توظف علم العلامات في دراسة وتحليل أنواع الاتصال والدلالة في مختلف العلوم، وشتى أنواع المعرفة( ). كما تطلق السيميولوجيا على العلم الذي يدرس الأنظمة الرمزية في كل الإشارات الدالة، وكيفية هذه الدلالة. ( ) فالسيميولوجيا هى علم الدوال اللغوية وغير اللغوية، أى العلم الذى يدرس العلامات والإشارات والرموز والأيقونات البصرية، وهى تستند منهجياً إلى عمليتى التفكيك والتركيب، فالسيميوطيقى يدرس النص فى نظامه الداخلى البنيوى من خلال تفكيك عناصره وتركيبها من جديد عبر دراسة الشكل والمضمون. أى أن السيمياء تقوم على التفكيك والتأويل وتحديد البنيات العميقة القابعة وراء البنيات السطحية الظاهرة فونولوجياً . كما أنها تنهج منهجاً شكلياً لمساءلة الدوال من أجل تحقيق معرفة دقيقة بالمعنى .
ومع دخولنا لعالم البحث السيميولوجى فإننا نواجه العديد من أقطاب الدرس السيميولوجى من أمثال تشارلس ساندرس بيرس وفرديناند دو سوسير و ورولان بارت .
لقد كانت العلامة عند سوسير ثنائية المبنى تتكون من دال ومدلول، أي : تجمع بين الصورة العيانية والصورة الذهنية ولا تجمع بين الشيء ومسماه، في حين أنَ العلامة عند بيرس ثلاثية المبنى تتكون من : الممثل (المحمول Interpretant)، والرابطة (الوسيلة Connective )، والموضوع (Object). كما أكدَ سوسير بشكل كبير أهمية العلامة داخل نظامها في النص دون الارتباط بعالم المرجعية خارج النص، ودرس اللغة من خلال وصفها نظاماً أجزاؤه مرتبطة فيما بينها، في حين أكدَ بيرس أهمية العلامة في علاقتها بعوالم ثلاثة : (عالم الممكنات، وعالم الموجودات، وعالم الواجبات)، وقد استمد بيرس هذه المقولات من مقولات الظاهراتية :
( فلسفة الكائن، ومقولة الوجود، ومحاولة الفكر لتفسير الظواهر )..
و العلامة عند سوسير لغوية وتمتاز بكونها تباينية واعتباطية في علاقة دالها بمدلولها، أما العلامة عند بيرس فهي لغوية وغير لغوية، كما تتحدد العلامة بعلاقة الدال والمدلول، ويتحدد الرمز بعلاقة المرموز والمرموز له. ولا تحوي العلامةُ الرمزَ عند سوسير، أما عند بيرس فالعلامة تتحدد بعلاقة الحامل مع المحمول مع الموضوع فضلاً عن علاقة الآيقون والرمز والإشارة، بمعنى أنَ العلامة عند بيرس تحوي الرمز ويشكل جزءً كبيراً منها( ). أما رولان بارت فهو خيرمن يمثل سيميولوجيا الدلالة، لأن البحث السيميولوجي لديه هو دراسة الأنظمة والأنساق الدالة، فجميع الوقائع والأشكال الرمزية والأنظمة اللغوية تدل( ).
وهو فى ذلك يذهب إلى أن أكمل نظام سيميولوجى ابتدعه الإنسان إنما هو اللغة، وأن كل النظم الأخرى تكاد لا تستغنى عن اللغة وتعتمد فى دلالاتها عليها( ).
إن كل هذه الإجراءات السيميولوجية التى وضعها بيرس وبارت وسوسير وغيرهم،ومارسها السميوطيقيون فى جملتها يمكن أن نرصدها فى بلاغة إعجاز القرآن الكريم عند الخطابى والرمانى والجرجانى، وفى جواهر القرآن لأبى حامد الغزالى. بل قبل ذلك، فالواقع أن دراسة نظام العلامات قديم قدم الحياة نفسها، ولكن المنطلقات النظرية لدراسته اختلفت من عصر إلى عصر، ومن أمة إلى أخرى، وذلك لاختلاف الحقب التاريخية، واختلاف الحضارات. وتعود بعض الأفكار السيميائية إلى حضارات قديمة كالحضارة اليونانية والعربية، بيدأن تلك الأفكار السيميائية ظلت في إطار التجربة الذاتية، ولم تدخل في إطار التجربة العلمية الموضوعية( ).
لقد فطن العرب قديماً للسيمياء من خلال ما أسموه بعلم أسرار الحروف، أي: علم السيمياء. وقد تعددت في ذلك دراسات ابن خلدون، وابن سينا، والفارابي، والغزالي، والجرجاني، والقرطاجني، وغيرهم.
السيمياء: العلامة، مشتقة من الفعل ”سام” الذي هو مقلوب ”وَسَمَ”، وزنها ”عِفلَى”، وهي في الصورة ”فِعْلَى”، يدل على ذلك قولهم: سِمةٌ، فإن أصلها: وِسْمَةٌ، ويقولون: سِيمَى بالقصر، وسيماء بالمد، وسيمياء بزيادة الياء وبالمد، ويقولون: سَوَّمَ إذا جَعَلَ سمة، وكأنهم إنما قلبوا حروف الكلمة لقصد التوصّل إلى التخفيف لهذه الأوزان، لأن قلب عين الكلمة متأتٍ خلاف قلب فائها، ولم يسمع من كلامهم فعل مجرد من ”سَوَمَ” المقلوب، وإنما سمع منه فعل مضاعف في قولهم: سَوَّمَ فرسَهُ، أي: جعل عليه السيمة، وقيل: الخيل المسومة هي التي عليها السيما والسومةُ، وهي العلامةُ( ).
وقد ورد هذا المعنى في القرآن الكريم في عدة مواضع، منها قوله تعالى:  تَعْرِفُهمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً). البقرة(273)، وقوله: وَبَيْنَهُمَا حِجابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ )، الأعراف(46)، وقوله:  وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ ، الأعراف (48)، وقوله:  سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ، الفتح(29)، وقوله:  يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَام، الرحمن(41).
لقد تبلور علم السيمياء على يد علماء الأصول والتفسير والمنطق واللغة والبلاغة، وكان الباعث والموجه للدرس السيميائي هو القرآن الكريم؛ إذ منذ نزوله كان التأمل في العلامة بغية اكتشاف بنيتها الدلالية. فقد أرشد القرآن الكريم في مواضع عدة إلى تدبرها، ومن ذلك قوله تعالى:  إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقوْمٍ يَعْقِلُونَ). الرعد(4). وقوله ( وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجمِ هُمْ يَهْتَدُونَ). النحل، (16). ففي هذا التوجيه الرباني كان التعامل مع العلامة بقصد فهم دلالتها الروحية والعقلية والكونية، والاستدلال بحاضرها على غائبها. يقول القاضي عبد الجبار: ”إن من حق الأسماء أن يعلم معناها في الشاهد ثم يبنى عليه الغائب.
وقد أشار إلى هذا المعنى –كذلك- الراغب الأصفهاني، وذلك حينما تحدث عن الفقه، فيقول: ”إن الفقه هو معرفة علم غائب بعلم شاهد”( ).
من هذه الوجهة تعامل العلماء مع العلامة من حيث هي علامة تدل على حقيقة حسية حاضرة تحيل إلى علامة دالة على حقيقة مجردة غائبة.
وإذا كانت السيمياء تتناول العلامة، فقد اهتم الدارسون العرب القدامى بتعريفها. ويتقارب مفهومها عندهم مع مفهوم السمة والأمارة والأثر والدليل. فكل ذلك يتعلق بالدلالة، وهي في اعتقادهم ”كون الشيء بحالة يلزم من العلم به العلم بشيء آخر”( ).
يقول أحمد بن فارس فى كلامه عن مادة (دلّ): ”.. أصل يدل على إبانة الشيء بأمارة تتعلمها، والدليل الأمارة في الشيء”( ). ويقول أبو هلال العسكري في هذا الأمر حين كان بصدد الحديث عن العلامة والدلالة: ”يمكن أن يستدل بها، أَقَصَدَ فاعلها ذلك، أم لم يقصد، والشاهد أن أفعال البهائم تدل على حدثها، وليس لها قصد إلى ذلك.. وآثار اللص تدل عليه، وهو لم يقصد ذلك، وما هو معروف في عرف اللغويين يقولون استدللنا عليه بأثره، وليس هو فاعل لأثره من قصد”( ) ( ).
لقد وجد تأويل العلامة طريقه في الدراسات العربية، وبخاصة في الدراسات القرآنية، وقد اتسعت دائرته لدى الشيعة والمتصوفة والفلاسفة والمعتزلة وإخوان الصفا.. واتخذ بعضهم المصحف جلّه موضع تأويل، رغم اختلاف مستويات خطاب النص القرآني. وانتقى آخرون نصوصاً تخدم مقاصدهم المختلفة، إلا أنه يمكن القول: إن المفسرين على اختلاف مشاربهم استثمروا النصوص الوارد فيها التشبيه بكيفية صريحة أومجازية. ولم يقتصر منظور القدامى لمفهوم العلامة التأويلية على النص القرآني، وإنما تجاوزه إلى كل ما له علاقة بالعمل الأدبي، فقد تعاملوا مع الإشارة الموحية، وهو نوع من الأساليب البلاغية التي تخرج إلى المعنى المجازي.
لقد اهتم الدارسون القدامى على اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم العلمية، من لغويين وفلاسفة وعلماء أصول، بطبيعة العلامة من حيث هي شيء محسوس يدلّ على شيء مجرد غائب عن الأعيان. يقول ابن سينا: ”إن الإنسان قد أوتي قوة حسية ترتسم فيها صور الأمور الخارجية.. فترتسم فيها ارتساماً ثانياً ثابتاً، وإن غابت عن الحس... ومعنى دلالة اللفظ (هو) أن يكون إذا ارتسم في الخيال مسموع اسم، ارتسم في النفس معنى، فتعرف النفس أن هذا المسموع لهذا المفهوم، فكلما أورده الحس على النفس التفتت إلى معناه”( ). وإذا تدبرنا مفهوم ابن سينا لدلالة اللفظ نجده يتفق ومفهوم دوسوسير للعلامة. فالعلامة في منظور ابن سينا ثنائية المبنى، تتألف من مسموع، ومعنى (مفهوم). وبهذا التصور يلغى من مفهوم العلامة المرجع الذي تحيل إليه العلامة، وذلك ما نجده عند سوسير أيضاً، إذ تتألف العلامة عنده من صورة سمعية (دال) وصورة ذهنية أو تصور (مدلول). وهناك بعض العلماء يعدون المرجع طرفاً أساسياً في العلامة. من أولئك الغزالي الذي يرى أن الأشياء في الوجود لها أربع مراتب، إذ يقول: ”إن للشيء وجوداً في الأعيان، ثم في الأذهان، ثم في الألفاظ، ثم في الكتابة. فالكتابة دالة على اللفظ، واللفظ دال على المعنى الذي في النفس.
والذي في النفس هو مثال الوجود في الأعيان”( ). فالعلامة في نظر الغزالي تتألف من أطراف أربع أساسية، هي: الموجود في الأعيان،والموجود في الأذهان،والموجود في الألفاظ، والموجود في الكتابة.
ونجد مفهوم العلامة بأطرافها واضحاً وجلياًعند حازم القرطاجني، حيث يقول: ”قد تبين أن المعاني لها حقائق موجودة في الأعيان، ولها صور موجودة في الأذهان ولها من جهة على ما يدل على تلك الصور من الألفاظ وجود في الأفهام والأذهان”( ). وتبعاً لهذه الرؤية، فإن كل العلامات تدرك من خلال تلك المستويات الثلاث. ولهذا فإن المدلول هو معنى الإشارة، فهو يمثل العلاقة الأفقية بين إشارة وأخرى. وهذا هو الذي يجعل المدلول إشارة أيضاً تحتاج إلى مدلول آخر يفسر غموضها ويزيح إبْهامها. إن المعاني بوصفها مدلولاً تدل على العلامات اللغوية، وهي فيما يذهب إليه حازم القرطاجني ”الصور الحاصلة في الأذهان عن الأشياء الموجودة في الأعيان”( ). وهذه الصور الحاصلة في الأذهان (المفاهيم الذهنية) ليست إلا محصلة لعملية إدراك الواقع الخارجي، وليست العلامات اللغوية إلا عبارة عن هذه الصور الذهنية المدركة. من هنا تتساوى العلامات المنطوقة بالعلامات المكتوبة، فالألفاظ تتحول في الذهن إلى مجموعة من الصور والمفاهيم. وبعبارة أخرى تتحول من وجود عيني محسوس إلى وجود ذهني متخيل، ثم تتحول من هذا الوجود الذهني المتخيل إلى معان صوتية، فرموز كتابية.
يقول حازم القرطاجني: ”كل شيء له وجود خارج الذهن فإنه إذا أدرك حصلت له صورة في الذهن تطابق ما أدرك منه، فإذا عبر عن تلك الصور الذهنية الحاصلة عن الإدراك، أقام اللفظ المعبر به هيئة تلك الصورة الذهنية في أفهام السامعين وأذهانهم، فصارللمعنى وجود آخرمن جهة دلالة الألفاظ.
فإذا احتيج إلى وضع رسوم من الخط تدل على الألفاظ لمن لم يتهيأ له سمعها من المتلفظ بها، صارت رسوم الخط تقيم في الأفهام هيئات الألفاظ، فتقوم بها في الأذهان صور المعاني، فيكون لها أيضاً وجود من جهة دلالة الخط على الألفاظ الدالة عليه”( ).
إن ما قدمه القرطاجني في هذا النص يقيم العلاقة بين الدلالات الصوتية والرموز الكتابية على أساس من الترابط الدلالي، حيث تجسد الرموز الكتابية هيئات الألفاظ في الأفهام. فإذا قامت هيئات الألفاظ في الأفهام تطلبت واستدعت الصورة الذهنية. والصورة الذهنية تشير بدورها إلى المدركات العينية الخارجية، وهكذا تجد العلاقات الدلالية قائمة على الترابط بين كل طرفين