Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
اشكالية الموقف العبثي وعلاقته بالانطولوجيا والموجود الانساني :
المؤلف
عبد الحميد، فاطمة مصطفي.
هيئة الاعداد
باحث / فاطمة مصطفي عبد الحميد
مشرف / محمد توفيق الضوي
مناقش / محمد توفيق الضوي
الموضوع
الفلسفة. الأنا.
تاريخ النشر
2016.
عدد الصفحات
234 ص. ؛
اللغة
العربية
الدرجة
ماجستير
التخصص
فلسفة
تاريخ الإجازة
19/6/2016
مكان الإجازة
جامعة المنوفية - كلية الآداب - الفلسفة
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 234

from 234

المستخلص

تعد مشكلة العبث واحدة من أهم المشكلات الفلسفیة في القرن العشرین من حیث تأثیرها
في الوجود الإنساني على المستوى الشخصي وعلاقته بأق ا رنه والوجود الأنطولوجى بصفة عامة ،
فهي مشكلة جامعة لموجودات الوجود والمشكلات المعرفیة المرتبطة بالنسق الفكري في هذا
الوجود ، والعبث فرع منبثق عن الفلسفة الوجودیة حاز على استقلال فكرى مكنه من إرساء قواعد
بناء فلسفي جدید یبحث في الإنسان ومشكلاته الوجودیة ، والفلسفة العبثیة هو علاقة بین
الإنسان والوجود سواء قصدنا بذلك الوجود الأنطولوجى ومباحثه التجریدیة ومشكلاته المع روفة
من حیث أن المشكلة الأساسیة التي تدور حولها د ا رسة Existential ،أو الوجود الوجودي
العبث هي مناقشة مدى فهم الإنسان لألغاز الوجود الأنطولوجى ذات الصلة به كموجود من
موجودات هذا الوجود تربطه به علاقة تأثیر وتأثر عقلي وعملي ، والبحث في إمكانیة وجود
غایة من و ا رء هذا الوجود ، والأهم مدى إمكانیة وجود هدف من و ا رء وجود الإنسان في الوجود ،
إن هذا النوع من التفلسف یهدف لتحدید الموقع الوجودي للإنسان .
مع تقدم العلم وت ا زید الهوة بین الإنسان بین الإنسان وعالمه الخارجي بفعل تعقیدات
الأنظمة التنسیقیة والممنطقة للحیاة الیومیة ، وارتباط ذلك بموجة من العنف على الصعید
الإجتماعى والحربي وت ا رجع دور الإنسان ومكانته في التأثیر على نمط الحیاة حتى أصبح مجرد
آلة كما في الفلسفة الماركسیة أو مجرد عقل خاوي من المشاعر والقیم كما في الفلسفات المجردة
، كل هذا كان سبباً في لجوء الإنسان الوجودي إلى داخله مستشع ا ر بموجة عارمة من الغضب
والرغبة في المقاومة والتمرد على أي من مظاهر تجرید الإنسان من إنسانیته ووجوده الأنوي
الفردي ، لكن الخروج إلى العالم ومشكلاته والعودة منه إلى الذات أدى لحدوث مواجهات بین
الأنا والآخر ممثلاً في الشئ والشخص معاً ، وبدأ الإنسان یرفض واقعه الممنطق الجامد
المفروض علیه ویهتم بكینونته الإنسانیة الفردیة.
یمكننا القول إن القرن العشرین واحد من أكثر القرون كارثیة على مدار التاریخ المعروف ،
حیث واجه الإنسان فیه مشكلته مع العالم الخارجي معتب ا رً إیاه عد واً یسعى لحمایة نفسه منه ،
وكشف له العلم النقاب عن وجهه القبیح فصار أحد أسباب تدمیر الكائن البشرى مادیاً ونفسیاً
وفكریاً بعد أن كانت مهمته الأساسیة خدمته والعمل على حمایته من أخطار الطبیعة وتوفیر
وسائل ال ا رحة له .
وجد الإنسان المعاصر نفسه فجأة وحیداً مجرداً حتى من أفكاره السابقة عن العالم ، فلم تعد
النجوم تنیر لیلاً بهدف الإضاءة لشخصه ، ولم یعد كل من تحت فلك القمر أو فوقه مسخ ا رً
لخدمته ، باختصار لم یعد الإنسان هو مركز الكون كما كان یتخیل من قبل ، بل إن علاقة
العالم به تحولت إلى علاقة لامبالاة ، وإن حدث وصب جام غضبه علیه عن طریق الكوارث
٢
الطبیعیة فإن ذلك بغیر قصد ولا هدف من و ا رءه، وتجاوز الأمر ذلك فأصبح كل ما في الكون
یتوجه إلى ما لیس له هدف واضح جلي من وجهة نظر هؤلاء ، كما صارت أفعال الإنسان هي
الأخرى غیر مبررة في الغالب وتتم بطریقة آلیة جافة كأنما تحول صاحبها إلى مجرد ترس في
مصنع كبیر یدار كیفما اتفق بغیر هدف ولا غایة ، فبدأت تتملك الإنسان مشاعر القلق
والاغت ا رب والخوف من هذا المصیر الصادم ، وبات علیه أن یتقبل العالم بحقیقته الجدیدة هذه ،
أو أن یعود لحیاته السابقة كترس أبله منشغل بأحوال العالم الجزئیة من حوله ، فلا یترك لنفسه
لحظة للتفكیر في حقیقة وحدته وفردیته في هذا الكون الفسیح ، ولكن هیهات لمن عرف السر
وتملكه أن یتجاهله ویتعامى عنه.
تلك الرؤیة الفلسفیة وإن نشأت كحركة فكریة معروفة في تاریخ الفلسفة باسم الفلسفة العبثیة
في القرن العشرین إلا أن لها بدایات لا یمكن أن تنفصل عنها وجدت مع وجود الإنسان وبحثه
عن ذاته وحقیقة وجوده وعلاقته بهذا الوجود ، حیث تناول العدید من الفلاسفة والمفكرین هذه
الأفكار بصورة أقل من حیث درجة الاهتمام والتخصیص ، فمنذ فجر التاریخ المعروف بدأ
الإنسان المصري القدیم محاولته الأولى للتعرف على العالم وفى العصور الأخیرة یدرك أن الحیاة
والوجود لیسا إلا قیم فارغة خالیة من الحقیقة كما تجلى ذلك في أزمة الشك المتأخرة لدى بعض
المفكرین الذین وقفوا على أطلال الماضي تنتابهم مشاعر الیأس والخواء الروحي ، وظلت هذه
الأفكار مستمرة تارة تعلن عن عبثیة الوجود المادي وتارة أخرى تعلن عن نوع آخر من العبث هو
العبث الوجودي الخاص بعلاقة البشر ببعضهم البعض ، وعن وجهة نظرهم الخاصة تجاه العالم
و التي قد لا تتفق مع حقیقة هذا العالم الأنطولوجى ، وهو موضوع د ا رسة الفصل الأول إلى
جانب التأصیل التاریخي للتفكیر العبثي ، حیث ظهر العدید من الفلاسفة في العصر الیوناني
(الهلینستي) من أصحاب مذهب الشك وغیرهم في المدارس المتأخرة ، ومع موجة الازدهار التي
أعقبت العصور الوسطى ظهرت اتجاهات مشككة في الغایة من الوجود كما لدى أصحاب
نظریات التدهور في فلسفة التاریخ ، الذین قالوا بأن التاریخ البشرى بلغ نقطة ازدهار معینة في
بدایته وهى من الرقى والعظمة بحیث لا یمكن أن تتكرر ثانیة أبدا وكل ما بعدها فهو فت ا رت
تدهور وانحلال إلى أن تأتى النهایة الحتمیة . كما ظهرت النزعة التشاؤمیة عند فولتیر الذي أكد
على عبثیة العالم ولا معقولیته وأن كل ما یجري فیه هو مجرد تخبطات عشوائیة ولا یوجد إله
یعنى بهذا العالم حیث أن الشر هو المسیطر والنظام لا وجود له على أرض واقعنا اللامعقول
هذا.
جاء بعد ذلك العصر الحدیث وظهر في آخره مجموعة من الأفكار المؤكدة على عدمیة
الهدف والفكرة الكامنة و ا رء هذا الوج ود الأنطولوجي والإنساني ، ومن هؤلاء الفلاسفة (شوبنهاور)
صاحب النزعة التشا ؤمیة الأهم في تاریخ الفلسفة قاطبة الذي أ رى أن الحیاة خدیعة وأن الإ ا ردة
٣
الكلیة للحیاة ما هي إلا إ ا ردة عمیاء لیس لها معنى ولا هدف سوى الحفاظ على قوة الحیاة ولو
على حساب سعادة الإنسان ووجوده الحر ، وهى تدفعنا دائماً للشعور بالخوف والقلق والتمسك
بقیمة الحیاة ال ا زئفة لأن في ذلك بقائها ووجودها ، أما الإنسان الفرد فلا وزن له ولا أهمیة ، وعلى
الرغم من الاتجاه التشاؤمي الذي اتبعه (شوبنهاور) إلا أنه رفض الخضوع لإ ا ردة الحیاة وسعى
للتمرد علیها إما بالفن أو بالزهد أو بالموت .
أعقب (شوبنهاور) أول فیلسوف وجودي وهو (كیركجورد) الذي اهتم في فلسفته بالجوانب
الوجودیة والمشاعر الإنسانیة وركز على وحدة التجربة الإنسانیة في ص ا رع الإنسان مع الحیاة
والموت باعتباره طریقة للخلاص من المعاناة والألم .
ثم جاء (نیتشة) الفیلسوف الصادم الهادم لكل الأفكار الأخلاقیة المتعارف علیها من قبل
لیتحدث عن حقیقة الوجود القاسیة وضرورة وجود المعاناة والألم في قلب الواقع الإنساني
والأنطولوجى ، فإ ا ردة القوة عنده هي قانون الوجود وجوهره ، والبطش والسیطرة والعداء بین البشر
هو الحقیقة الوحیدة ، فتصوره للوجود یسوده نمط من التصادم بین الأنا والآخر ولا اعت ا رف إلا
بمبدأ القوة والقسوة والبطش ، أما ما تخیله السابقون من سلام ورحمة ومودة وأخوة وهى أمور
یجب أن تسود العلاقة بین البشر فهي محض أوهام وخ ا رفات وضلالات عنده ، وهو بذلك یؤكد
على القول بجانب العبث الوجودي لبنى البشر وبعضهم البعض.
تلا (نیتشة) العدید من الفلاسفة الوجودیین الذین أكدوا على قیمة الحیاة الإنسانیة والحریة
الوجودیة وكان من أهمهم الفیلسوف الألماني الوجودي (مارتن هیدجر) الذي تناول العدید من
الأفكار الوجودیة في مؤلفاته وأكد على أن الإنسان خاضع للعدید من المغیبات الفكریة التي
تمنعه من اكتشاف حقیقته وحقیقة الوجود الذي یحیا فیه وهو لا یتخلص من مظاهر التغییب
الفكریة هذه إلا عن طریق القلق ، والإنسان لا یحقق كماله ولا یصل إلى المطلق الذي یهدف
لإكمال وجوده إلا من خلال الموت فنهایته هي مطلق كماله وموته هو غایته النهائیة. كما
ظهرت آ ا رء عبثیة أخري لدي عدد من الفلاسفة منهم (ألبیر كامي) و(جان بول ساتر) وغیرهم.
لم تعد مشكلة العبث فكرة مرحلیة أو موضة فكریة اتخذت حی ا زً فكریاً في تاریخ الفلسفة
وانتهت بنهایة القرن العشرین بالقیاس إلى ما قیل عن الفلسفة الوجودیة، فما یبدو للناظر إلى
أحوال العالم في بدایات القرن الحالي ومشكلاته غیر النهائیة واقتتال البشر ورغبتهم المت ا زیدة في
التدمیر والقضاء على الأخضر والیابس ، وكل تلك الحروب المسیطرة على كوكب الأرض
وأحیانا تمتد للفضاء ، كل ذلك یعود بنا إلى نفس الأسباب التي من أجلها نشأت الفلسفة العبثیة
وعبرت عن نفسها بقوة في القرن الماضي ، فمظاهر العبث أصبحت الیوم واقعاً یُعاش ویشعر به
المرء في معظم تصرفاته وعلاقاته بأق ا رنه ، مشكلات الفقر والمرض والحروب وأزمات الثقافة
والأخلاق والتعلیم والفن أصبحت مسیطرة على الواقع العالمي الیوم، ومع ت ا زید تلك المشكلات
٤
تت ا زید الملهیات والمغیبات الفكریة التي تحاول جذب الإنسان بداخلها والإحاطة به من جمیع
الجوانب فلا تتركه لنفسه لحظة لیفكر فى هذا الواقع ساعة واحدة ، حیث بات عقل الإنسان
منشغلاً بالبحث عن مصالحه المادیة وهمومه الخاصة ، وإذا أ ا رد الخروج من هذا المحیط الكئیب
تلقفته وسائل الإعلام والترفیه الموجهة أو الخاویة من المضمون والهدف في محاولات ناجحة
لتغییبه عن واقعه الوجودي وعلاقته بالعالم وبالآخر سواء شیئاً أو شخصاً ، فما أصبح علیه
الإنسان المعاصر هو عبارة عن سجن ذاتي داخلي یدور بداخله المرء ، وإذا نظر إلى قضبانه
وجدها لوحة معتمة لا تطل على الواقع الحقیقي .
وفقاً لما سبق كان لابد من وقفة یضع فیها الإنسان ذاته وأق ا رنه والعالم في مواجهة مع
بعضهم البعض لیكتشف واقعا آخر غیر هذا الواقع الإفت ا رضى الذي یحیا فیه ،ویحاول الكشف
عن الأسباب الحقیقیة التي من أجلها یقف الإنسان في مواجهة وص ا رع مع أخیه ومع عالمه
الأنطولوجى ، وهو وإن كان یرفض شقاء المعرفة ویفضل ال ا رحة الظاهریة ، إلا أن الحقیقة
لیست اختیا ا رً ولا یمكن أن تحولها وسائل الجذب والتغییب الفكري إلى س ا رب وطواطم محرمة لا
یجوز الاقت ا رب منها أو محاولة التفكیر فیها ، لذلك كان لابد من تسلیط الضوء على تلك الأزمة
الوجودیة التي یحیا فیها الإنسان المعاصر في محاولة لمواجهته بالحقیقة الغائبة عنه والعودة به
إلى دائرة التساؤلات التي تستجلي ملامح الحقیقة فیتسائل عما هو الهدف الحقیقي من وجوده ؟
وكیف علیه أن یواجه تحدیات العصر الذي یعیش فیه ؟ وماذا علیه أن یفعل لتأكید وجوده
واثبات حریته واختلافه عن الآلة الصماء.