![]() | يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام |
المستخلص فإن ظاهرة الضرورة الشعرية قد شغلت حيزًا كبيرًا من الدراسة قديمًا وحديثًا، وعُني العلماء بها عناية بالغةً، إحساسًا منهم بأهمية هذه الظاهرة، ويظهر ذلك في تنوع الآراء فيها بين مؤيد للضرورة، و معارض لها بالكلية، ومتوسط بين القولين، ولكل من هذه الأقوال الحجة والبرهان. ولقد ظهر اهتمامهم بهذه الظاهرة بأنهم أفردوا لها مصنفات مستقلة، ومنهم من ذكرها في ثنايا مؤلفاته. وكان من بين هؤلاء العلماء الذين ألقوا الضوء على هذه الظاهرة ابن سيده المتوفى سنة (458هــ) في معجمه الفذ (المحكم والمحيط الأعظم)، إذ عُني عنايةً بالغةً بالضرورة الشعرية في شواهد كثيرة، بلغت قرابة ثلاثة وثمانين ومائة شاهدٍ، وقد صرّح ابن سيده في مقدمة مؤلفه بأن هذا الكتاب من الكتب المختصة بهذه الظاهرة فقال رحمه الله: ” وليست الإحاطةُ بعلمِ كتابنا هذا، إلا لمن مهرَ بصناعة الإعراب، وتقدم في علم العروض والقوافي، فإنه إذا رأى يبرين في باب ” ب ر ي ” لم يعلم لأي معنى جعل بسيط الكلمة هذه الحروف الثلاثة، إلا بعد علم بالعربية أصيل، وباع في أثنائها عريض طويل. وكذلك إذا رأى قولي : نبايع: موضع، وهو نفاعل من المبايعة، سميت به البقعة بعد التجريد من الضمير، فأما قول أبي ذُؤَيْب: فَكَأَنَّهَا بالجِزْعِ جِزْعِ نُباِيعٍ ... وأُلاتِ ذِي العَرْجاءِ نَهْبٌ مُجْمَعُ فإنه صرف للضرورة، ولم يمكنه نُبايعَ لأن قوله: ” يعن ” من نُبايعَ: ” علن ” وهو وتد، والأوتاد لا تزاحف إلا بالقطع، لم يفهم قولي هذا إلا أن يكون نحويًّا عروضيًّا. |