Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
المكـــان فـى روايــــات الفقيــــه :
المؤلف
خطــاب ؛ أريج محمد طيب.
هيئة الاعداد
باحث / أريج محمد طيب خطــاب
مشرف / محمد صلاح الدين فضل
مشرف / عوض محمد الصالح
مناقش / محمد صلاح الدين فضل
الموضوع
الاماكن في القصة العربية.
عدد الصفحات
152ص.
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
الأدب والنظرية الأدبية
تاريخ الإجازة
14/3/2016
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية الآداب - اللغة العربية
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 215

from 215

المستخلص

احتلت الرواية - في العصر الحديث - مركزًا متميزًا بين فنون الأدب الأخرى؛ فتصدَّرت معظم الأعمال الأدبية إلى درجة تكاد تتجاوز فن الشعر.. أقدم فنون القول وأكثرها شعبية.
وإذا كانت الرواية - بتقنياتها الحديثة - فنًّا غربيًّا بامتياز ـ فإنها قد تهيَّأت لها أسباب التجذُّر في الواقع العربي بعد أن نضجت ظروفها الموضوعية بسبب انتشار التعليم، واتساع قاعدة الطبقة الوسطى والوعي بضرورة تعليم المرأة، وحقِّها في العمل والمشاركة - إلى حدٍّ معقول - في الحياة العامة، وازدياد الاحتكاك بآداب الغرب وبالثقافة الغربية.
وتؤكد الدراسات أن الفن القصصي له جذوره العميقة في التراث العربي؛ ”فما من شك في أن الأدب العربي عرف فن القصص من قديم العصور من ملاحم وقصص شعبي ومقامات، وكان له أثر في تطور فن القصص في الغرب”( )، وهو ما أوجد تربة خصبة لنمو الرواية وتطوُّرها في الوطن العربي؛ حيث استطاعت أن تتغذى من مصدرين هما: التراث القومي بثرائه المتميز والمتنوع، والرافد الغربي بإمكاناته وتقنياته المتطورة، وقرَّبها إلى نفوس القراء قدرتها الفريدة على استيعاب هموم الإنسان العربي الوطنية والقومية والسياسية والاجتماعية، فضلاً عن جاذبيتها بما توفره لمختلف الفئات الاجتماعية من متعةٍ فنية.
وعلى الرغم من تكوُّن قاعدة قارئة للرواية منذ ثلاثينات القرن الماضي ـ إلا إن ظهور هذا الفن في ليبيا قد تأخَّر كثيرًا مقارنة ببعض الأقطار العربية، وبخاصة مصر رائدة عصر النهضة، وثقل الأمة الثقافي؛ فلم تظهر الرواية في ليبيا إلا في أواخر العقد الأول من النصف الثاني من القرن الماضي؛ حيث يذكر الدكتور الصيد أبو ديب أن ”أول رواية أصدرت مدينة طرابلس بشأنها أول شهادة ميلاد هي بعنوان (وتغيرت الحياة) للكاتب الكبير محمد فريد سيالة سنة 1957م.
وقد توالى بعد ذلك صدور الروايات لمحمد فريد سيالة نَفْسه، وهو من مواليد طرابلس سنة 1927م، ومحمد علي عمر مواليد بنغازي سنة 1936م، وسعد عمر غفير سالم مواليد بنغازي سنة 1936م، ومحمد صالح القمودي مواليد تونس 1973م، ومرضية النعاس مواليد درنة 1949م، والصادق رجب النيهوم مواليد بنغازي 1937م.
غير أن الرواية الليبية لم تحطم قوقعتها وتكتسب شخصيتها إلا بعد ظهور كتابات إبراهيم الكوني، وأحمد إبراهيم الفقيه، وصالح السنوسي، وعبد الله الغزال؛ فإلى هؤلاء يرجع الفضل في إثبات وجود رواية ليبية استحقت أن تأخذ مكانها على خارطة الرواية العربية بجدارة ( ).
وعلى الرغم من القفزة التي حققتها الرواية في ليبيا، وما أحرزته من تطور في تقنياتها الفنية وفي بنائها ولغتها ـ فإنها لم تحظ بالدراسة النقدية التي تتناسب مع حجم ما أحرزته من تقدم، فانحصرت في بعض المقالات العجلى التي استهلكت جهدها – عادةً - في دراسة المضمون السياسي والاجتماعي دون أن تلتفت إلى النواحي الفنية إلا نادرًا، أما الدراسات الأكاديمية التي حاولت أن تأخذ بالمناهج النقدية الحديثة - وبخاصة المنهج البنيوي التوليدي - فلم تُعرف في ليبيا إلا مع بدايات القرن الجاري، ومعظمها لم ينشر، وهي أيضًا قليلة لا تكاد تزيد عن أصابع اليد الواحدة، وسنتعرض لها عند الحديث عن الدراسات السابقة، وبصورة عامة فقد افتقرت الرواية في ليبيا إلى حركة نقدية موازية ترصد مضامينها الفكرية وأشكالها الفنية، ولا نعلم دراسة منشورة حول الرواية في ليبيا عدا دراستين للناقد السوري سمر روحي الفيصل، الأولى بعنوان: دراسات في الرواية الليبية نشرت سنة 1983م، والثانية بعنوان: نهوض الرواية الليبية، نشرت سنة 1995م.
إنَّ الرواية الليبية قد نضجت، واكتملت أدواتها الفنية، وحققت نجاحًا وشهرة من خلال روايات أحمد الفقيه، وصالح السنوسي، وإبراهيم الكوني، وهي الآن في وضعها الجديد تفتح مجالاً للدراسة النقدية في ميدان خصب يحتاج إلى مَن يكشف الغطاء عن كنوزه المخبوءة.
المؤلف والرواية:
أحمد إبراهيم الفقيه من مواليد مدينة مزدة 1942م إحدى مدن الجنوب الليبى ـ يمثل نموذجًا من الشباب الليبي الذى كان عليه أن يحفر في الصخر؛ ليعيش ويتعلم ويتثقف، تقلبت به الحياة بين الوظيفة والإذاعة والمسرح والصحافة، والسعي من أجل التعلم.
يُعَدُّ أحمد إبراهيم الفقيه واحدًا من أعلام القصة القصيرة في ليبيا؛ فقد نال جائزة اللجنة العليا للفنون والآداب في القصة القصيرة سنة 1965م، وله عدة مجموعات قصصية منها:
”البحر لا ماء فيه” 1966م، ”اربطوا أحزمة المقاعد”، 1965م، ”قهر الأبواب المغلقة” 1976م، ”اختفت النجوم” 1976م.
أما الرواية فقد تأخَّر الكاتب قليلاً في كتابتها؛ إذ صدرت له أول رواية وهي ”حقول الرماد” سنة 1985م، وفي هذه الرواية - التي ستتناولها الدراسة - تحتل الصحراء بجمالياتها وأشيائها وأجزائها وجزئياتها المتعددة جزءًا كبيرًا من المكان، وتجسد معاناة قرية تدعى (قرن الغزال)، يسرد فيها الراوي أحلامه، وآماله، ومشاعره التي تتراوح ارتفاعًا وانخفاضًا، بين تشاؤم تفرضه الحال، وتفاؤل ينبعث بمجرد وصول أعضاء البعثة العلمية التي يرأسها رئيس أمريكي، وما تحمله تلك البعثة من أمنيات ووعود وبشرى بمستقبل يُفاجئ أهل (قرن الغزال) بموارد نفط تستخرج من أرضها لتعمر مُدنًا تقع على بعد أميال منها؛ بينما تكرر قرية (قرن الغزال) مأساتها في الصحراء القاحلة.
في هذه الرواية – تحديدًا - التي تعتبر أولى محاولات الفقيه الروائية ـ بدا الفقيه متأثرًا بشكل واضح برواية ”مدن الملح” لعبد الرحمن منيف؛ فنقل مأساة ومحنة تشبه تلك التي نقلتها ”مدن الملح” إن لم تكن المأساة نَفْسها؛ مما يؤكد انصهار الواقع العربي فكرًا وروحًا ورؤًى وأحلامًا.
وبينما تدور أحداث حقول الرماد في الصحراء ـ تتعدد الأماكن في ثلاثية الفقيه (سأهبك مدينة أخرى، نفق تضيئه امرأة واحدة، هذه تخوم مملكتي) التي نشرت عام 1991م التي ستتناولها الدراسة أيضًا، والتي تمثل علامة بارزة في تطور الرواية العربية في ليبيا؛ إذ لا تستمد أهميتها من قيمتها الفنية - بوصفها عملاً روائيًّا ناضجًا يُذَكِّرنا بثلاثية الروائي العالمي نجيب محفوظ فحسب- ولكنها تكتسب هذه الأهمية من المرحلة التي تدور فيها أحداثها بالنسبة لليبيا في تلك الحقبة التي- كما يسترجعها بطل الرواية خليل الإمام- تعود إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية؛ فعلى الرغم من الإقرار بأن الرواية عمل تَخيُّلي ـ فإن هذه الرواية تحيل إلى أحداث ووقائع من الفترة التي عاش فيها الكاتب نَفْسه الذي وُلد قبل نهاية الحرب بثلاث سنوات، وهذا القول لا يعني أن الرواية انعكاس مرآوي للواقع، وهي في الوقت نَفْسه ليست خطرات ذاتية تُعَبِّر عن مشاعر مبدعها، لكنها ”عمل درامي يلتحم فيه ما هو ذاتي بما هو موضوعي بحيث تضحى في النهاية مُعادلاً فنيًّا للواقع وعملاً تخيُّليًّا قادرًا على الانتقاء والاختيار، وإبراز ما هو جوهري في الحياة بغية تكميل ما نقص منها”( ).
إن هذه الرواية تصور بشكل مباشر حقبة حفلت بالمتناقضات (الهدم والبناء، اليأس والأمل، الطموح والإحباط...)، إنها بصورة مختصرة - تصور في كونها الخاص أُمَّة تتنفض من تحت أنقاض حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل. هذه الحقبة حددت بما فيها من إيجابيات وسلبيات الواقع الذي آلت إليه الأُمَّة، والذي أسفر بعد ذلك عن خيبة الأمل واكتشاف زيف الوعي وضياع الحُلم، وما خليل الإمام إلا نموذج لجيل كامل، جيل القناديل المطفأة حسب تعبير الشاعر علي الرقيعي الذي ينتمي إلى جيل الفقيه الذي لم ينجح في تحقيق حُلم من أحلامه العامة؛ فلم يجد أمامه إلا الانزواء وتجرُّع كؤوس الألم هربًا من نَفْسه ومن أحلامه.
ويشكل المكان في هذه الثلاثية بُعدًا حيويًّا وأصيلاً اكتسبه من حجم الرواية، ومن تعدد البيئات والأمكنة؛ فأحداثها تقع في بلدان متعددة (أدنبرا، طرابلس، مدينة الحلم) لكلٍّ منها طبيعته الجغرافية، وهويته الثقافية، وعمقه التاريخي، مما أثَّر في شخوصها سلوكًا ومزاجًا ووعيًا.
إن المكان في الثلاثية عنصر رئيس يطالعنا في عتبة النص، في كلِّ جزءٍ من أجزائها متمثلاً في العناوين الثلاثة: (سأهبك مدينة أخرى - هذه تخوم مملكتي - نفق تضيئه امرأة واحدة)؛ حيث بدت الثلاثية مثلاً يمتلئ كلُّ ضلعٍ فيه بمعطيات المكان، ويؤكد حضوره في بناء الرواية، سواء أكان مكانًا حقيقيًّا أم تخيُّليًّا أو حُلمًا، ولعل أهم ما يميز المكان أن الكاتب لا يكتفي بمجرد الوصف ورسم أدق التفاصيل، ولكنه يضفي عليه فاعليَّة واضحة تتجلَّى في تعالقه مع حركة الأحداث، وما يطرأ عليه من تغيرات حين يربط بينه وبين ما تتأثر به الشخصيات، فيصبح للمكان ملامح ومشاعر، ويخضع لما يخضع له الإنسان؛ فالكاتب ”لا يصرف جُهدًا عبثًا حين يصف حجرةً أو بيتًا أو محلاًّ أو ناديًا أو منظرًا طبيعيًّا؛ لأن المنظر المكاني حالة من حالات الوعي بحقيقة من حقائق الوجود.
وفي رواية (فئران بلا جحور) الصحراوية تأخذ الصحراء - بمفرداتها من البشر والحيوان والنبات - حيزًا كبيرًا من الرواية، ومن حركة الأحداث فيها، إلا أن الصحراء في هذه الرواية تحديدًا لم تَعُد كما كانت في حقول الرماد مجرد مساحة مسطحة من أرض ورجال وشمس وليل وحيوان، بل صارت صورةً مصغرةً لوحدة كونيَّة.
وقد حصر الراوي - في هذه الرواية - هذا الكون في رقعة صغيرة من الأرض هي (وادي جندوبة)، وزمنٍ محدودٍ لا يتعدى أيام، وعددٍ قليلٍ من البشر يتمثَّل في قافلتين، الأولى قادمة من (مزدة)، والثانية قادمة من (بئر حكيم)، تلتقي القافلتان على غير موعد فوق أرض جندوبة؛ بحثًا عن الرزق، وهربًا من الجوع الذى يفتك بهما.
تتنوع أماكن الإقامة في رواية (فئران بلا جحور)؛ فتتنوع بالتالي الصراعات بين الجرابيع والبشر، وبين البشر والطبيعة، وبين البشر والتقاليد، وبين البشر والبشر، ويمتزج الواقع فيها بالخيال؛ فعالم الحيوان بجرابيعه وسحاليه يعيش بيننا، ويخطط ليتخذ موقفًا من البشر الذين قاموا باحتلال مواقعه.
إن الخلفية الدينية للروائي، وذاكرته الصحراوية الغنيَّة بالخرافات والحكايات الشعبية، والقصص التراثية ـ شكَّلت في مُجمَلها زخمًا مكانيًّا فاضت به الروايات التي ستعنى بالدراسة، وهي رواية (حقول الرماد) و(الثلاثية) ورواية (فئران بلا جحور)، التي ستكون - إن شاء الله - معينًا لا ينضب، وستتشارك جميعها في إثراء هذا البحث.
إن حضور المكان في روايات الفقيه بشكلٍ واضحٍ ـ لا ينفي ما بين عناصرها من تواشج وتماسك يغيب فيه أي نتوء يمثل عنصرًا متفرِّدًا؛ لأن فنيتها تتجسد من خلال امتزاج عناصرها كافة في نسيجٍ واحدٍ متماسكٍ ومتلاحمٍ، ولذلك فإنه قد يبدو من المخالفة للمنطق أن نعزل عنصرًا معينًا عن بقية مكونات روايات الفقيه لندرسه منعزلاً عن تلك المكونات؛ فالواقع يؤكد وجود تضامن قائم بين عناصر البنية الروائيَّة، وأن السمات الشكليَّة للرواية متداخلة ومتعاضدة إلى درجة التلاحم والاندماج، وكلما ازداد التلاحم الداخلي ازدادت دقته وتعقيده، بحيث يشمل التعرف على العنصر الشكلي للفرد دون التغلغل في صميم العمليات البنيوية الداخلة في تركيب السرد الروائي بِرُمَّته( ).
ولكن مهما كانت قوة هذا التلاحم بين عناصر العمل الروائي ـ فإنه دائمًا كان في الإمكان دراسة مكون ما بصورة منفردة، مثل الدراسات التي اختصت بالزمن أو بالشخصيات، وهي كثيرة، والمكان أيضًا - وهو مكون مهم - يمكن دراسته منفردًا دون أن يعني ذلك عزله عزلاً تامًّا عن بقية العناصر، ويكاد يجمع النقاد على أهمية المكان في بناء الرواية وإن اختلفت كيفية ظهوره من نصٍّ لآخر؛ فقد يكون إطارًا عامًّا أو مسرحًا تتحرك عليه شخوص الرواية أو حيزًا تقع أحداثها فيه، وقد يكون فضاءً خارجيًّا ينبض بالحيوية ويملك قوة للتاثير فيتكون بينه وبين أحداث الرواية وشخصياتها تجاوب وانعكاس انفعالي متبادل( ).
وعلى الرغم من القول بعدم الوصول إلى نظريةٍ متكاملةٍ للمكان ـ فإن هناك عددًا كبيرًا من الباحثين الذين أولوا المكان عنايةً خاصةً، وأبرزوا دوره في التكوين الروائي من أمثال رولان بونوف، وفيليب هامون، وغاستون باشلار، وكرستيفا، ومن العرب: سيزا قاسم، وسعيد يقطين، وحميد الحمداني، وصلاح صالح، وحسن بحراوي، وغيرهم من الباحثين الذين ستكون دراساتهم وآراؤهم موضع بحث ومناقشة في مكانها من البحث.
وإن اطلاعي على معظم آراء هؤلاء الباحثين واختلاف وجهات نظرهم أحيانًا والتقائها في بعض الأحيان ـ هو ما يشجِّع الباحثة أو شجَّعها بالفعل على مقاربة هذا الموضوع للاستفادة من جهود هؤلاء الباحثين وغيرهم ممَّن لم يتح الاطلاع على آرائهم حتى الآن، على أمل - في الوقت ذاته - أن تكون دراسة هذا الموضوع في إطاره المحدد له، وهو: المكان في روايات الفقيه (دراسة في نماذج مختارة)، إضافةً إلى ما تم إنجازه، وأن تصلح هذه الروايات لأن تكون حقلاً صالحًا للدراسة التطبيقية.
أسباب اختيار الموضوع وأهميته:
تكتسب هذه الدراسة أهميتها من كونها تحاول - وفق منهج نقدي حديث - أن تعالج موضوعًا تعددت فيه الآراء، وتنوعت فيه وجهات النظر، وما زال حتى يومنا هذا يستقطب الباحثين العرب والأجانب، وأعني بهذا الموضوع المكان الذى أصبح يزخر بفاعلية ملحوظة في الرواية الحديثة، كذلك فإنها تستمد أهميتها من مقارنة نص روائي توفرت فيه عدد من الشروط الفنية التي تمكن الباحثة من اختبار أدواتها البحثية المتمثلة في التقنيات الإجرائية للنظرية البنيوية لتحقق ما تطمح إليه هذه الدراسة من إلقاء الضوء على ما وصلت إليه الرواية العربية في ليبيا من تطورٍ عام، وما أحرزته هذه الروايات من نجاحٍ في توظيفها لعنصر المكان توظيفًا خاصًّا أخرجه - كما سنرى - من حالة السكون والحيادية البليدة إلى حركة فاعلة في بقية العناصر ومتفاعلة معها.
أما عن سبب اختيارى لهذا الموضوع فيمكن تلخيصه في النقاط التالية:
1- الرغبة في المساهمة في وضع الرواية العربية في ليبيا في مكانها من خارطة الرواية العربية بما تحمله من قيم موضوعية وفنية.
2- المساهمة في دراسة موضوعٍ عامٍ مازال يحتاج إلى البحث والتطوير على الرغم من كثرة العقول الفذَّة - الأجنبية والعربية - التي خاضت فيه.
3- تدقيق وتجديد أو ترجيح مفهوم معين للفضاء المكاني يغني عن فوضى المصطلحات المتعددة التي تطرحها الساحات الأدبية العربية اليوم.
4- محاولة معرفة القيم الفنية للمكان بوصفه عنصرًا بنائيًّا في الرواية من خلال تعالقه مع مكوناتها الأخرى.
منهج الدراسة:
إن هذه الدراسة - وهي تسعى إلى قراءة علمية واعية كمكون من مكونات الشكل الروائي وهو المكان - تأخذ في الاعتبار موقع المكان في الرواية الحديثة وما يحمله من دلالات نفسية وشعورية تسهم - إلى حدٍّ كبيرٍ- في بناء العمل الروائي من ناحية، ومدركة أن الرواية بنيةٌ متماسكةٌ تتشابك وتتلاحم عناصرها جميعها من ناحيةٍ أخرى، مما يعني أن دراسة المكان في الرواية لا تعني عَزْله عن بقية العناصر الداخلة في تكوينها.
إن هذه الدراسة تحاول أن تتسلَّح بالمعرفة النظرية للنظرية البنيويَّة الشكلية لكي تنتقل إلى مجال التحليل البنيوي الممنهج، هادفةً - من وراء ذلك - إلى الإحاطة بالنواحي الجمالية والأهداف الفنية التي تجسدها روايات الفقيه بوصفها بناءً فنيًّا متكاملاً قائمًا بذاته.
وتحقيقًا لهذه الغاية ـ فإن الباحثة ترى أن البنيوية الشكلية أنسب المناهج النقدية لإنجاز هذه الدراسة بوصفها أسلوبًا في العمل ومنهجًا لبناء النماذج والتصورات التي تهتم بالنص ولا شيء خارج النص.
محتويات الدراسة:
توزَّعت هذه الرسالة على أربعة فصول، تضمَّن الفصل الأول منها الأبعاد والثُنائيَّات مُعتمدًا على ”قضايا المكان الروائي في الأدب المعاصر” لصلاح صالح وكتاب ”المكان في السرد العربي” لمصطفى الضبع، شمل هذا الفصل الأبعاد المكانية: البعد النفسي الاجتماعي التاريخي (أدنبرا لندن القبائل الجرمانية)، البعد الفيزيائي (تأثير الإشعاع الشمسي، الأصوات والروائح)، البعد الهندسي، البعد العجائبي، البعد الديني (التصوف – البوذية - الصيام)، البعد السياسي (النظام الاشتراكي في مَن يستحقه المطلب، جنوب لبنان)، والبعد المكاني، البعد التحرري، البعد الجنسي، وأخيرًا الترفيهي العبثي للمكان.
أما الثُنائيَّات فتنقسم إلى التقابلات المثنوية والتقاطع تشمل التقابلات المثنوية (الظاهر- المتوازي)، (الداخل والخارج)، (الواقعي والخيالي)، بينما يشمل التقاطع (السطح والعمق)، (الحركة والسكون)، (الحياة والجماد)، (الواقعي والخيالي)، وطبقت هذه المفاهيم على روايتي ”هذه تخوم مملكتي”، ”وسأهبك مدينة أخرى” للروائي أحمد إبراهيم الفقيه؛ إذ وجدت في هاتين الروايتين تربة خصبة لتطبيق هذه المفاهيم.
وفي الفصل الثاني من الدراسة اعتمدتُ على كتاب ”جماليات المكان” لغاستون باشلار، وكتاب ”المكان في الرواية العربية” لعبد الصمد زايد، تضمَّن هذا الفصل مقدمة عن جماليات المكان، ثم عن أنماط المكان، موضحة الفرق بين أنماط المكان وأبعاده التي شملها الفصل الأول، معتمدة في تحديد أنماط المكان على تقسيم عبد الصمد زايد: المكان المرفوض، المكان المنشود، المكان الملاذ، ووجدت في رواية ”نفق تضيئه امرأة واحدة” القالب التطبيقي المناسب لها.
أما الفصل الثالث من الدراسة فشمل الوصف عبر الرؤى السرديَّة، مبتدئًا بالتعريف بالوصف وأهميته ووظائفه وأنواعه، مرورًا بعلاقة الوصف بالحركة (حركة المكان، حركة الوصف في المكان، حركة المتلقي في المكان)، وصولاً إلى الوصف عبر الرؤى السردية لجون بويون التي اكتفيت باثنتين منها هما (الرؤية من الخلف، الرؤية مع)؛ لاتفاقهما مع الاتجاه الروائي الذى ينهجه هذا الفصل، مُضيفًا إليها وصف الأشياء حسب ما كتبته سيزا قاسم في بناء الرواية، وقد اعتمدت في هذا الفصل على عدة مراجع، منها: ”بناء الرواية” لسيزا قاسم، وكتاب ”السرد العربي” لسعيد يقطين، و”بنية النص الروائي” للحميداني، وكانت الرواية المختارة في هذا الفصل ”حقول الرماد”؛ لما فيها من حركات متنوعة ورؤى متعددة وأشياء ذات إشارات ورموز ودلالات.
وفي الفصل الرابع من الدراسة اعتمدت كتابي ”خطاب الحكاية” جيرار جينيت، و”أساليب السرد” للناقد العربي صلاح فضل في تطبيق مفاهيمها عن الإيقاع وعن المُفارقات الزمنية: الاسترجاع والاستباق بأنواعهما وتفاصيلهما وأقسامهما، واستعنت بالثاني في دراسة المدة (الوقفة، الاختصار، المشهد)، وأسقطت منها الحذف؛ لخلو هذه الرواية - فيما أرى - منه، وكانت رواية ”فئران بلا جحور” في امتدادها الزمني (الاستباقي والاسترجاعي) البعيد والقريب ووقفاتها الطويلة وومضاتها السريعة نموذجًا لينًا لتطبيق المفاهيم التي احتواها المرجعان.