Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
إمكانيات التكامل الزراعي العربي في ضوء أهم المتغيرات الدولية المعاصرة /
المؤلف
عناني، دينا فاروق محمود.
هيئة الاعداد
باحث / دينا فاروق محمود عناني
مشرف / محمد حسام السعدني
مشرف / مسعد السعيد رجب
مشرف / حسن عبد المجيد عبد المقصود
مناقش / محمد أمين مصيلحي
مناقش / صلاح محمود مقلد
مناقش / مسعد السعيد رجب
مناقش / محمد حسام السعدني
الموضوع
الزراعة- اقتصاديات.
تاريخ النشر
2013.
عدد الصفحات
460 ص. :
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
الزراعية والعلوم البيولوجية (المتنوعة)
تاريخ الإجازة
19/09/2013
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية الزراعة - الاقتصاد الزراعي
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 460

from 460

المستخلص

تفرض المتغيرات الاقتصادية والسياسية الإقليمية والدولية المعاصرة على الدول العربية ضرورة الاستغلال التكاملي للموارد الزراعية العربية نظراً لتباين الدول العربية في حجم ونوع مواردها الزراعية والمائية والبشرية، وإمكاناتها الإنتاجية، ومزاياها النسبية والتنافسية في إنتاج السلع الغذائية المختلفة، وبخاصة تلك التي تتسع فجوتها الغذائية في الوطن العربي، ويؤكد ذلك أهمية التكامل الزراعي العربي من خلال العمل الاقتصادي العربي المشترك لتحقيق الأمن الغذائي العربي الذي ترمي إلى تحقيقه سائر الدول العربية.
وعلى ذلك فقد تمثلت مشكلة الدراسة في أنه على الرغم من توفر الموارد الطبيعية بالدول العربية؛ إلا أن هناك سوء توزيع لها بين تلك الدول، وأن الأرض والموارد الزراعية تتباين تبايناً كبيراً بين الدول العربية، كما أن المنتجات العربية تواجَه بقدرة تنافسية عالمية من خلال التكتلات الاقتصادية التي انتشرت في الآونة الأخيرة، بالإضافة إلى أن الاستثمار الزراعي والاقتصادي على مستوى الدولة الواحدة ضعيف، ويتطلب التكامل بين أكثر من دولة لتقويته وتشجيعه، كما أن هناك مشكلة غذاء واضحة بالدول العربية، رغم ما تمتلكه من مصادر للإنتاج، وأن تجارب التكامل والأسواق وتحرير التجارة بين الدول العربية لم تصل إلى المستوى المطلوب، ولم تحقق الهدف منها أسوة بالدول الأجنبية، كذلك صغر حجم التجارة البينية مقارنةً بما هو بين الدول العربية وغير العربية.
لذا فقد كان الهدف الرئيسي للدراسة هو دراسة إمكانية تحقيق التكامل الزراعي العربي في ضوء أهم المتغيرات الدولية المعاصرة، من خلال: تحديد مجالات الاستغلال التكاملي للموارد الزراعية والبشرية العربية، وفقاً لاعتبارات الكفاءة والمزايا النسبية والتنافسية، والتعرف على توجهات السياسات والخدمات الزراعية لتعزيز التكامل الزراعي العربي، بالإضافة إلى دراسة الجوانب المؤسسية الداعمة لمسارات التكامل الزراعي العربي، كذلك التعرف على أهم المتغيرات الإقليمية والدولية المعاصرة، وأثرها في تحقيق التكامل الزراعي العربي.
وقد تضمنت هذه الدراسة أربعة أبواب رئيسية تضمن الباب الأول: منها الدراسات الخاصة بالتكامل الاقتصادي العربي، وعددها (40) دراسة، حيث تناولت الدراسات الخاصة بكل من السوق العربية المشتركة، ومنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، والتكامل الاقتصادي لدول الخليج العربية، بالإضافة إلى الدراسات الخاصة بالدروس المستفادة عربياً من التجارب التكاملية العربية وغير العربية، كما تضمنت الدراسات الخاصة بالتكامل الزراعي العربي، وعددها (24) دراسة، تناولت الدراسات الخاصة بكل من الموارد الزراعية العربية والدراسات الخاصة بالفجوة الغذائية والأمن الغذائي العربي، كما تمت الإشارة إلى أهم المصطلحات والتعريفات وثيقة الصلة بموضوع الدراسة.
كما تناول الباب الثاني: أهم التغيرات الدولية المعاصرة وأثرها على أهمية تحقيق التكامل الزراعي العربي، وكان ملخص ما تناوله هذا الجزء من الدراسة: أنه على الرغم مما حدث من تطورات هامة في مجال توفير الغذاء وإتاحته عن طريق زيادة إنتاج السلع الغذائية في الوطن العربي، باستخدام التقنيات التي أثرت إيجابياً على الإنتاجية الزراعية في العديد من الدول العربية على مدار العقود الثلاثة الماضية، إلا أنه ما زالت هناك فجوة تقنية زراعية ملحوظة وبخاصةً في الدول العربية الزراعية الرئيسية التي تسودها الزراعة المطرية التقليدية والأساليب التقليدية للرعي والصيد، فضلاً عن تدني معدلات استخدام الميكنة الزراعية والأسمدة والتقاوي والبذور المحسنة في الزراعة العربية، فيما يساهم وبدرجة كبيرة في تفاقم الفجوة التقنية.
كما أن الوطن العربي يمتلك الكثير من القدرات التي تمكنه من توفير احتياجاته الغذائية وتحقيق فوائض للتصدير من السلع الغذائية النباتية والحيوانية التي تتميز بها المنطقة العربية؛ إذ تمتلك الدول العربية مجتمعة حوالي (126) مليون هكتار من الأراضي الزراعية التي لا تستثمر، ويقع القسم الأكبر منها حيث تتوفر مصادر المياه، ففي السودان وحده حوالي (70) مليون هكتار من هذه الأراضي التي يمكن استثمارها لتعزيز الأمن الغذائي في الدول العربية، وعلى سبيل المثال تقدر الفجوة الغذائية العربية من القمح بحوالي (25) مليون طن تتطلب زراعة حوالي (5-6) مليون هكتار، وتحتاج إلى حوالي (50) مليار م3 من المياه إذا تم الري بالطرق التقليدية الحالية، (25) مليار م3 من المياه إذا استخدمت الطرق الحديثة في الري، كما أن هناك إمكانيات واسعة للتنمية الرأسية، وذلك عبر تحديث أنماط الإنتاج الزراعي التقليدية، وتطوير أنظمة البحث الزراعي، كما يتوفر في الدول العربية ثروة حيوانية كبيرة يمكن مضاعفة إنتاجها عدة مرات، بالإضافة إلى تميز الزراعة العربية بتنوع بيئاتها الطبيعية والذي يتيح تنوع وتوفر المحاصيل النباتية والحيوانية على مدار العام، لذا فإن ما تحققه الدول العربية مجتمعة يصعب تحقيقه على المستوى الفردي أو غير ممكن لمعظم دول الوطن العربي.
كما أشارت الدراسة إلى التغيرات المناخية وأثرها على الزراعة في الدول العربية، حيث تبين احتمال حدوث انخفاض جوهري في غلات المحاصيل الرئيسية (القمح والذرة)، وتآكل في شواطئ الدلتا وتداخل مياه البحر مع المياه العذبة وتدهور في بعض النظم البيئية، كما أن ارتفاع درجة الحرارة قد يؤدي إلى انزياح المجتمعات النباتية في مناطق الجبال وحدوث نقص في الأمطار وغمر لبعض المناطق الشاطئية والجزر الصغير، في حال عدم اتخاذ أي إجراء، وستكون أكثر القطاعات تأثراً قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة علي التوالي.
كما تم دراسة أثر تصنيع الوقود الحيوي عالمياً على الزراعة العربية، فقد شهدت مجموعة الحبوب، السكر، البقوليات والزيوت النباتية ارتفاعاً كبيراً في مستويات أسعار الغذاء، حيث تعاني معظم الدول العربية عجزاً من السلع الغذائية الأساسية خاصةً الحبوب، السكر والزيوت النباتية، بسبب استخدامها في إنتاج الوقود الحيوي من قبل الدول الصناعية، ازدادت أسعار هذه السلع وقل المتاح للاستهلاك، كما انخفض نصيب الفرد من هذه السلع في الدول العربية، كما زادت تكاليف فاتورة الاستيراد، ومن المتوقع الاستمرار في تصاعد الأسعار لتلك السلع، وقد كان لارتفاع أسعار الغذاء انعكاسات سلبية على المستوى العام، فقد أدى إلى ارتفاع نسبة التضخم وزيادة قيمة فاتورة الواردات من تلك السلع، بالإضافة لحدوث عجز في الميزان التجاري، كما ارتفعت قيمة الفجوة من السلع الغذائية الرئيسية.
وقد تناول الباب الثالث: التكامل الزراعي العربي في ضوء الموارد المتاحة والإنتاج المتوقع، حيث تناول المؤشرات العامة لقطاعات الإنتاج بالوطن العربي، وتحليل الوضع الحالي للاقتصاد الكلي بالوطن العربي، والذي يشير في مجمله إلى عدة أمور، من أبرزها: ارتفاع معدل النمو السكاني، التفاوت في مستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي، انخفاض مستوى الادخار مع تراكم رأس المال وتراجع الاستثمارات البينية.
كما يتناول الموارد البشرية والزراعية المتاحة بالوطن العربي، لما لها من تأثير مباشر على القطاع الزراعي بصفة خاصة وعلى اقتصاد الدول العربية بصفة عامة، حيث تبين أن مساحة الوطن العربي تمثل نحو (10.8%) من إجمالي مساحة اليابسة ويقدر عدد سكانه بنحو (4.9%) من إجمالي عدد سكان العالم، وأنه يحظى بما لا يتجاوز نحو (0.7%) من المياه السطحية الجارية في العالم، بينما يتلقي (2.1%) من إجمالي أمطار اليابسة؛ وبهذا فإن نصيب الهكتار الواحد من المياه السطحية الجارية في الوطن العربي مقارناً بمثيله على المستوى العالمي تبلغ نسبته نحو (15:1)، ومن حيث متوسط الهطول المطري السنوي تبلغ هذه النسبة (4.6:1)، ولا يتجاوز المعدل السنوي لنصيب الفرد من المياه (1000) م3 مقابل أكثر من (7000) م3 على المستوى العالمي، إلى جانب أن شطراً لا يستهان به من الموارد المائية يتعرض إما للهدر أو لتدهور النوعية لأسباب عديدة، فيما يقدر العجز المائي الحالي في الدول العربية لإنتاج الغذاء بنحو (58) مليار م3.
كما تم دراسة الكفاءة الاقتصادية لإنتاج أهم المحاصيل الزراعية في ضوء التكامل العربي، ولتقدير دوال إنتاج أهم المجموعات السلعية الغذائية في الدول العربية من أجل تحديد أهم العوامل المؤثرة في ذلك الإنتاج، من خلال استخدام النموذج الرياضي لدالة كوب دوجلاس اللوغاريتمية الخطية، بالاعتماد على البيانات التجميعية القومية، في صورة من صور استخدام البيانات (بيانات سلاسل مقطعية Panel data) بدلاً من بيانات السلاسل الزمنية، مستفيدين بذلك من نموذج (Hayami and Ruttan model)، لتقدير وتحليل أسباب التباين والاختلاف في الإنتاجية الزراعية في البلاد العربية، وحتى يمكن التعرف على الموارد الزراعية والإمكانيات المتاحة في تلك الدول، حيث تمثل كل دولة عربية في هذه البيانات مشاهدة واحدة في دالة كوب دوجلاس للإنتاج.
هذا وقد أجريت عدة محاولات لاختيار أنسب صورة من صور النموذج حيث أمكن استبعاد متغير أو أكثر من المتغيرات الموضحة بالنموذج وكذا حذف أو إضافة دولة أو اكثر من الدول، من خلال الأهمية النسبية للدول العربية في إنتاج كل محصول من محاصيل الدراسة خلال الفترة (2005-2011)؛ لمعرفة تأثير ذلك على تقدير الدالة الإنتاجية ومرونة المتغيرات الباقية في النموذج ومعنوياتها الإحصائية، بالإضافة إلى إجراء الاختبارات الإحصائية المألوفة للحكم على دقة التقديرات وكفاءتها، مثل اختبار (F) واختبار (T) ومعامل التحديد (R2) ومعامل التحديد المعدل(R-2) .
تُعد إنتاجية الهكتار في مصر من الحبوب الأعلى إنتاجية بين الدول العربية، حيث بلغ متوسط إنتاجية الهكتار من الغلة الحبوبية في مصر نحو 7.32 طن/هكتار كمتوسط لفترة الدراسة (2005-2011)، في حين بلغت تلك الغلة نحو 3.26 طن/هكتار في الجزائر، يليها في الترتيب كُلاً من سوريا، الجزائر، المغرب، تونس، العراق والسودان بنحو 1.76، 1.55، 1.45، 1.41، 1.24، 0.54 طن/هكتار على الترتيب كمتوسط للفترة (2005-2011)، كما تبين أنه يمكن زيادة إجمالي الطاقة الإنتاجية من الحبوب في أهم الدول العربية المنتجة لها بعد التكامل فيما بينها من نحو 49.30 مليون طن إلى نحو 72.23 مليون طن، بزيادة قدرها حوالي 22.93 مليون طن تمثل نحو 46.51% من الطاقة الحالية.
كما تبين أن إنتاجية الهكتار من مجموعة محاصيل البقوليات هي الأعلى في مصر بين الدول العربية موضع الدراسة، حيث بلغ متوسط إنتاجية الهكتار من المحاصيل البقولية في مصر نحو 3.261 طن/هكتار كمتوسط لفترة الدراسة (2005-2011)، في حين بلغت تلك الغلة نحو 0.970 طن/هكتار في تونس، يليها في الترتيب كُلاً من العراق، السودان، سوريا، الجزائر والمغرب بنحو 0.953، 0.880، 0.824، 0.818، 0.569 طن/هكتار على الترتيب كمتوسط للفترة (2005-2011)، كما يمكن زيادة إجمالي الطاقة الإنتاجية من مجموعة محاصيل البقوليات في إطار التكامل الزراعي في مجال إنتاج البقوليات بين أهم الدول العربية المنتجة لتلك المحاصيل، من نحو 1.41 مليون طن إلى نحو 2.03 مليون طن، بزيادة قدرها حوالي 0.62 مليون طن تمثل نحو 35.1% من الطاقة الحالية لإنتاج البقوليات في تلك الدول.
بينما بلغت إنتاجية الهكتار في المغرب من الخضر الأعلى إنتاجية بين الدول العربية، حيث بلغ متوسط إنتاجية الهكتار من مجموعة حاصلات الخضر في المغرب نحو 27.32 طن/هكتار كمتوسط لفترة الدراسة (2005-2011)، في حين بلغت تلك الإنتاجية نحو 25.48 طن/هكتار في مصر، يليها في الترتيب كُلاً من الجزائر، ليبيا، السودان والعراق بنحو 15.30، 14.67، 14.33، 11.33 طن/هكتار على الترتيب كمتوسط للفترة (2005-2011)، كما يمكن زيادة إجمالي الطاقة الإنتاجية من مجموعة حاصلات الخضر في أهم الدول العربية المنتجة لها بعد التكامل فيما بينها في مجال إنتاج تلك المحاصيل من نحو 36971.49 ألف طن إلى نحو 40639.79 ألف طن، بزيادة قدرها حوالي 3668.30 ألف طن تمثل نحو 9.92% من الطاقة الحالية لإنتاج محاصيل الخضر.
كما تُعد إنتاجية الهكتار من مجموعة محاصيل الفاكهة هي الأعلى في سوريا بين الدول العربية موضع الدراسة، حيث بلغ متوسط إنتاجية الهكتار من مجموعة محاصيل الفاكهة في سوريا نحو 27.22 طن/هكتار كمتوسط لفترة الدراسة (2005-2011)، في حين بلغت تلك الغلة نحو 21.75 طن/هكتار في مصر، يليها في الترتيب كُلاً من المغرب، الجزائر والسودان، بنحو 15.03، 14.67، 13.92 طن/هكتار على الترتيب كمتوسط للفترة (2005-2011)، كما يمكن زيادة إجمالي الطاقة الإنتاجية من مجموعة محاصيل الفاكهة في إطار التكامل الزراعي في مجال إنتاج الفاكهة بين أهم الدول العربية المنتجة لتلك المحاصيل، من نحو 6915.94 ألف طن إلى نحو 7501.95 ألف طن، بزيادة قدرها حوالي 586.01 ألف طن تمثل نحو 8.47% من الطاقة الحالية لإنتاج الفاكهة في تلك الدول.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن البديل الذي اقترحته الدراسة الحالية لم يتضمن إمكانيات التوسع الأفقي، والذي يتطلب البحث عن موارد أرضية جديدة لزيادة مساحات الحبوب والبقوليات والخضر والفاكهة الحالية من أجل تحقيق زيادات أكبر في إجمالي الإنتاج العربي من تلك المحاصيل، حتى تتمكن الدول العربية من مواجهة الزيادات في الاحتياجات العربية منها نتيجة الزيادات المتوقعة في أعداد السكان وكذا الدخول وغيرها، وبهذا فإن الدول العربية إن لم تتمكن عن طريق الأخذ بتوصيات الدراسة من الوصول إلى الاكتفاء الذاتي في المستقبل القريب، فإن الأمر يستدعي التخطيط لذلك، تحت مسمى استراتيجية التكامل الزراعي العربي في مجال الإنتاج الزراعي في المدى الطويل، حيث يتطلب التوسع الزراعي الأفقي قدراً كبيراً من الاستثمارات وفترة زمنية أطول.
بينما أشار الباب الرابع إلى: تجارب التكامل الاقتصادي الزراعي العربي (النجاحات والإخفاقات)، حيث أشار إلى اتفاقيات التجارة الحرة وتداعيات انضمام الدول العربية إليها، حيث تبين أن التحديات الكثيرة الراهنة التي تحاصر الاقتصاديات العربية تهدد بتراجع سيطرة الآليات الاقتصادية في الوطن العربي على قراراتها ما لم يتم تدارك الموقف، كما أن هذه الأوضاع تبرز أهمية منطقة التجارة الحرة العربية في صياغة بدائل اقتصادية حرة تعزز القدرة على حماية المصالح الاقتصادية العربية ومقاومة الضغوط الخارجية؛ الأمر الذي يشير إلى ضرورة عدم منح اتفاقيات الشراكة العربية مع أطراف أخرى، أية التزامات تفوق مثيلتها الواردة في اتفاقية منطقة التجارة العربية الحرة، خوفاً من أن تحظى سلع ومنتجات تلك الأطراف بمقتضى هذه الالتزامات بمعاملة تفضيلية، وتحصل من خلالها على مزايا لا تتمتع بها منتجات الدول العربية الأخرى المنتمية لاتفاقية منطقة التجارة العربية.
إن محاكاة الدول الأوروبية وتقليدها في نهجها التكاملي كان خطأً فادحاً باعتبار أن المشكلة الرئيسية التي تواجه كلتا المجموعتين العربية والأوروبية متباينة، فهي بالنسبة للبلدان العربية مشكلة تنموية إنتاجية تكاملية تتطلب توسيع القواعد الإنتاجية وتنويعها وتطويرها حتى تستطيع تلبية متطلبات السوق العربية، بينما هي في المجتمعات الأوروبية مشكلة توزيع فائض إنتاج، وعلى هذا الأساس فإن اعتماد مدخل التجارة وتحريرها كأساس لتحقيق التنمية في البلدان العربية لا يمكن أن يؤدي إلى تحقيق تلك النتائج وإنما يهدف بالدرجة الأولى والأساسية، إلى تحقيق أهداف الأسواق الخارجية.
تقوم الدول العربية بدور محدود في ما يتعلق بمفاوضات الزراعة في منظمة التجارة العالمية، حيث تمثل الزراعة قطاعاً رئيسياً ينبغي على هذه الدول أن تنخرط في المفاوضات من أجله، حيث يمثل تحرير التجارة في المنتجات الزراعية تحديات كبرى بالنسبة للبلدان العربية، حيث تعتبر تلك البلدان مستورداً خالصاً، الأمر الذي يؤثر على أمنها الغذائي إلى حدِ كبير بالتغيرات التي تحدث في أسعار الغذاء على الصعيد العالمي، ومن الأرجح أن التحرير سيؤدي إلى زيادة أسعار المنتجات الغذائية وإلى زيادة الاستيراد والحصول على الغذاء من مصادر أجنبية، وكل ذلك سيشكل أخطاراً جدية بالنسبة إلى القطاع الزراعي العربي.
ظلت السوق العربية في حالة تطبيق جيده وبمستوى عالى من الالتزام في السنوات الأولى من عهدها، ثم حدث تباطؤ في التطبيق لظروف وأسباب مختلفة وخاصة نشوء الازمات والاختلافات الثنائية والجماعية بين الدول العربية، وقد انعكس ذلك سلباً على مبدأ التطبيق لأحكام السوق، وكان لتجميد عضوية مصر في جامعة الدول العربية الأثر الأكبر على مسيرة السوق، وعندما عادت لمصر عضويتها لم تستأنف التزاماتها في إطار السوق حتى الآن، أما أطراف السوق الأخرى فقد اختلفت مواقفها بين ملتزم وبين متوقف صامت وبين من يسود موقفه الغموض.
ومع ذلك يمكن القول أن التزام دول السوق في مراحلها الأولى بتطبيق أحكامها، انعكس إيجاباً على حجم المبادلات التجارية بين هذه الدول، وتظهر الأرقام أنه بينما بلغ حجم التجارة البينية بين هذه الدول سنة 1965 حوالي 97 مليون دولار، ارتفع هذا الرقم سنة 1975 إلى 1.2 مليار دولار، هذا على الرغم من ضعف الهياكل الإنتاجية لهذه الدول آنذاك، ثم ما لبث أن انخفض هذا الرقم سنة 1989 الى 788 مليون دولار والى 699 مليون دولار عام 1994.
وكنتيجة لتوقف مسيرة السوق العربية المشتركة عام 1980 في نطاق مجلس الوحدة الاقتصادية وإحجام بعض الدول العربية عن الانضمام إلي اتفاقية السوق، وامتناع البعض الموقع عن تنفيذ التزاماته تجاهها أو الانسحاب منها، تم توقيع اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية 1981 (17 دولة)، ولكن بالرغم من كافة الجهود تعثر تنفيذها وظل أداؤها متواضعاً للغاية، بسبب ضعف آليات التنفيذ وانعدام روح الالتزام في تطبيقها وبطء الانضمام إليها، مما جعل تأثيرها على التجارة العربية البينية محدوداً.
كما تبين ارتفاع قيمة التجارة البينية العربية من نحو (13) مليار دولار عام 1998 (بداية التطبيق التدريجي لمنطقة التجارة الحرة) إلى ما يفوق (32) مليار دولار عام 2004، بنسبة تقدر بنحو (146.1%)، بمتوسط بلغ نحو (19.4) مليار دولار خلال الفترة (1998-2004)، ومع نهاية عام 2004 وبداية عام 2005 وإزالة كافة الرسوم الجمركية والضرائب ذات الأثر المماثل معدومة، بلغت قيمة الصادرات العربية البينية مع نهاية عام 2010 ما قيمته حوالي (77.7) مليار دولار مقابل نحو (76.8) مليار دولار قيمة الواردات العربية البينية، في حين بلغت قيمة التجارة العربية البينية نحو (10.2%) من إجمالي التجارة الإجمالية العربية.
وقد اتضح تزايد قيمة الصادرات الزراعية العربية من نحو (13.8-22.8) مليار دولار خلال الفترة (2007-2011)، وقدرت الزيادة بنحو (9) مليار دولار، وفي المقابل ارتفعت قيمة الواردات الزراعية العربية بنحو (51.4-80.2) مليار دولار خلال الفترة نفسها، وقد أدى ذلك إلى زيادة قيمة العجز (صافي الواردات) من حوالي (37.6) مليار دولار عام 2007 إلى حوالي (57.4) مليار دولار عام 2011، بزيادة تقدر بحوالي (19.8) مليار دولار، ويعود ارتفاع نسبة العجز إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية في الأسواق العالمية خلال تلك الفترة.
كما تبين أن كل من الجزائر، سوريا والمغرب قد حققت معدلات مرتفعة في قيمة التجارة البينية الزراعية خلال الفترة (2008-2011) تراوحت بين (137-295)، (1751، 2348)، (297-711) مليون دولار على التوالي، في حين انخفضت تلك القيمة في البحرين من نحو (228) مليون دولار عام 2008 إلى نحو (218) مليون دولار عام 2011، وذلك بسبب تراجع كميات الإنتاج فيها، وتراوحت قيمة التجارة الزراعية البينية في كل من تونس، السودان، عمان، قطر، مصر واليمن بين الزيادة والنقصان خلال الفترة (2008-2011)، لأسباب تعود لعدم استقرار حجم الإنتاج؛ بسبب الظروف المناخية غير المواتية ولالتزام تلك الدول باتفاقيات تجارية مع دول خارج المنطقة العربية، والتي تحكم تصدير معظم منتجاتها الزراعية إلى أسواق تلك الدول.
ولكي يتسنى معرفة مدى مساهمة إنشاء منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى في تحسين مستوى الأداء والتكامل البيني للصادرات والواردات للدول الأعضاء، تم الاستناد إلى عدد من المؤشرات الكمية التي تم استخدامها في كثير من الدراسات التطبيقية، والمتمثلة في كل من ”مؤشر كثافة التجارة البينية، مؤشر التوجه الإقليمي التجاري الذاتي، مؤشر الميزة النسبية الظاهرة”.
يعكس مؤشر كثافة التجارة البينية حصة التجارة البينية للدولة، أو للتكتل، لإجمالي تجارة الدولة أو التكتل إلى الأهمية النسبية للتجارة الإجمالية للدولة أو التكتل لإجمالي التجارة العالمية، وهو يشير إلى أن إقامة منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى خلال الفترة (1995-2010) لم تنجح في تكثيف التجارة بين الدول الأعضاء، بل على العكس، فقد اتجهت تجارة الدول الأعضاء مع العالم الخارجي إلى النمو بمعدل أكبر من نمو التجارة البينية.
كما يشير مؤشر التوجه التجاري الإقليمي نحو التكامل، وهو يشير إلى ميل التكتل للتبادل التجاري مع العالم الخارجي مقارنةً بالميل إلى التبادل داخل التكتل نفسه، وقد اتضح أن قيمة المؤشر تتجه إلى الانخفاض بصورة ملحوظة، وهو ما يدل على أن الجافتا لم تنجح في تكثيف التجارة العربية البينية بمعدل أكبر من تكثيفها للخارج، وأن هناك عوامل أخرى تؤدي إلى تراجع فرص وإمكانات تكثيف وتوجيه التجارة بين الدول أعضاء الجافتا.
ويشير مؤشر الميزة النسبية الظاهرة إلى مدى تمتع الدولة بميزة نسبية ظاهرة في تصدير سلعة ما إلى منطقة أو دولة معينة، مقارنةً بميزة باقي دول العالم في تصدير تلك السلعة إلى المنطقة نفسها أو الدولة نفسها، وتشير النتائج إلى استمرارية تشابه الدول الأعضاء في هيكل المزايا النسبية في الأعوام السابقة والتالية لإنشاء الجافتا، وهو ما يدل على ضعف تأثير الاتفاقية في توسيع حجم التبادل التجاري داخل المنطقة، كما لم يسهم إنشاء الجافتا في تغيير هيكل الميزة النسبية الظاهرة الذي كان سائداً، حيث مازالت المجموعات السلعية المتعلقة بالنفط والوقود المعدني هي التي تسيطر على هيكل المزايا النسبية للتجارة البينية للجافتا، ولا تختلف كثيراً عن هيكل المزايا النسبية للدول الأعضاء على مستوى تجارتها خارج الجافتا.
تعد الاتفاقية الاقتصادية لعام 2001 من أبرز مسارات العمل الخليجي المشترك، والتي نصت على تحقيق مراحل متقدمة من التكامل الاقتصادي بين دول المجلس من خلال وضع برنامج للعمل الاقتصادي المشترك في مرحلته الجديدة في إطار زمني محدد وانسجاماً مع متطلبات المرحلة الجديدة من العمل المشترك، تخصص الاتفاقية الفصول الثلاثة الأولى منها للإتحاد الجمركي، والسوق الخليجية المشتركة، والإتحاد النقدي والاقتصادي، وهي مشاريع تكاملية واندماجية طموحة دفعت بمجلس التعاون خطوات واسعة إلى الأمام، أحدثت نقلة نوعية في طبيعة أعماله وإنجازاته, كما تمثل الاتفاقية الاقتصادية بوابة واسعة دخلت منها مسيرة المجلس إلى مرحلة متقدمة من التكامل والاندماج، بمنهاج وبرنامج يحققان أهداف هذه المرحلة.
تعتبر الزراعة من القطاعات الأساسية للناتج المحلي الإجمالي ورغم الصعوبات البيئية التي تتميز بها دول مجلس التعاون الخليجي، حيث البيئة شبه الصحراوية وقلة المساحة الزراعية وكذلك ندرة الأمطار إلا أن دول المجلس استطاعت تنمية وتطوير الزراعة وتسخير الإمكانات البشرية والمادية لتعزيز قدرات الإنتاج الزراعي كماً ونوعاً، إيمانا بأهمية هذا القطاع الحيوي ودوره الريادي في الاقتصاد الوطني حيث تم استصلاح مساحات شاسعة من الأراضي لزراعة العديد من المحاصيل الزراعية التي تتميز بها المنطقة مثل النخيل والحمضيات وغيرها.
كما تبين أن العوامل المحفزة والمشجعة على قيام التكامل بين دول المغرب العربي واستمراره، يجب أن لا تحجب الواقع المرير الذي تعيشه منطقة المغرب العربي، والذي يدل على أن معوقات كثيرة مازالت تقف حاجزاً أمام أية خطوة يمكن أن تجعل من هذا التكتل واقعاً، وهذه المعوقات هي: اختلاف الأنظمة السياسية والتي تضع المصلحة الفردية فوق المصلحة القومية الحضارية بعيدة المدى، وكذلك اختلاف الأنظمة الاقتصادية، وقد ظهر ذلك في مَضي معظم الدول المغاربية بصورة منفردة إلى توقيع اتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي، حيث يستحوذ على 70% من المبادلات التجارية الخارجية في دول المغرب العربي في ظل ظروف تفاوضية كرست شروط الطرف الأقوي، وضمنت مصالحه.
كما سارعت دول المغرب كذلك إلى عقد اتفاقيات تتعلق بإنشاء منظمة حرة مع الولايات المتحدة الأمريكية تجسد أولوية المصالح السياسية على حساب المصالح الاقتصادية الإستراتيجية في الاتحاد، بالإضافة إلى الأوضاع الداخلية والظروف الدولية لبلدان الاتحاد المغاربي وما أفرزته من أزمات على المستوى القطري جعلت الاهتمام بها يغلب على الاهتمام بجهود التعاون والتكامل على مستوى الاتحاد المغاربي، فقد كانت المقاطعة والحصار الذي تعرضت له ليبيا، والأزمة السياسية والاقتصادية الحادة التي شهدتها الجزائر، إضافة إلى الأزمة المغاربية المرتبطة بمشكلة الصحراء الغربية، ورغم انفراج بعض تلك الأزمات في معظم بلدان الاتحاد إلا أن الظروف الدولية المستجدة والمعطيات المعلنة المرتبطة بها تساهم في عرقلة جهود التنسيق والتعاون بين الأقطار المغاربية.
إن قيام المشروعات العربية المشتركة يؤدي إلى خلق الروابط الاقتصادية بين الأقطار العربية، والتنسيق بين السياسات الاقتصادية لها، كما تفرض الشروط اللازمة لانتقال رؤوس الأموال والأيدي العاملة فيما بين المشروعات المشتركة، إضافة إلى خلق إمكانيات لانتقال مدخلات ومخرجات الإنتاج في أسواق البلدان العربية، وهو ما يؤدي إلى إنشاء سوق عربية مشتركة.
بلغ عدد المشروعات العربية المشتركة حوالي 391 مشروعاً مشتركاً، في حين بلغ عدد المشروعات العربية الدولية المشتركة حوالي 439 مشروعاً، والتي بلغت رؤوس أموالها حوالي 3.14 مليار دولار، وبالرغم من تزايد أعدادها، إلا أن رؤوس أموالها منخفضة عن الأموال العربية المشتركة، والتي وصلت إلى نحو 21.4 مليار دولار كرؤوس أموال للمشروعات العربية المشتركة.
أما قطاع الزراعة والذي يعتبر من القطاعات الرئيسية في تحقيق الأمن الغذائي العربي فلم يحظ بمكانة هامة في إطار المشروعات المشتركة، مقارنةً بالدور الهام الذي يُمكن ان يُظهره سواء من ناحية الإنتاج الغذائي أم من الناحية الاجتماعية، كونه يشغل عدداً هائلاً من الأيدي العاملة، وقد وصل عدد المشروعات العربية المشتركة في هذا القطاع على حوالي 20 مشروعاً، بنسبة قدرت بنحو 8.3% من إجمالي المشروعات المشتركة، في حين بلغت رؤوس الأموال الموجهة لهذا القطاع نحو 2.3 مليار دولار، ممثلة نحو 6.5% من إجمالي رؤوس الأموال الكلية للمشروعات المشتركة، مما أدى إلى تفاقم الفجوة الغذائية من جهة، وتزايد العجز في الميزان التجاري الغذائي، وهذا ما يُبين الصورة الحقيقية للدول العربية التي اعتمدت على سياسة الاستثمار بالتركيز على القطاعات الاقتصادية الأخرى على حساب القطاع الزراعي، مما أثر سلباً على ﺍﻟﺒﻨﻴﺎﻥ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ الزراعي؛ الأمر الذي أدى إلى هجرة الأيدي العاملة من القطاع الزراعي إلى القطاعات الأخرى، نظراً لانخفاض الدخل داخل هذا القطاع.
ولاشك أن قدرة النظام الاقتصادي للدول العربية على مواجهة التحديات الاقتصادية وتحقيق معدل عالٍ من النمو الاقتصادي يُعد معياراً للحكم على درجة نجاح النظام أو فشله، وبالتالي يحتاج النظام الاقتصادي العربى لكي يكون نظاماً ناجحاً وفعالاً، أن يسير بخطوات ثابتة وسريعة في طريق مواجهة التحديات الاقتصادية وتحسين معدل النمو.