Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
التغير الثقافى فى المجتمع المصرى فى النصف الأخير من القرن العشرين :
المؤلف
عبدالسلام، عبدالسلام محمد.
هيئة الاعداد
باحث / عبدالسلام محمد عبدالسلام
مشرف / علي ليلة
مشرف / صفا إبراهيم الفولي
الموضوع
التغير الإجتماعي.
تاريخ النشر
2014.
عدد الصفحات
306ص.؛
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
العلوم الاجتماعية (متفرقات)
تاريخ الإجازة
1/1/2014
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية الآداب - الإجتماع
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 61

from 61

المستخلص

تعالج الدراسة الراهنة التغير الحادث فى بنية الثقافة المصرية فى النصف الثانى من القرن ليس تركيزا فقط على مظاهر هذا التغير، وإنما بصورة رئيسية بالتركيز على مجموع تلك المتغيرات العديدة التى صنعته وأدت إليه ومنها ما هو سياسى واجتماعى وأيديولوجى، ومنها ما هو عالمى ومنها ما هو محلى وإقليمى، أى أن الدراسة تتناول بالأساس ثلاثة أنماط من المتغيرات المتفاعلة تنبع من الفرضية التى تنطلق منها الدراسة وهى أن بنية الثقافة المصرية فى النصف الثانى من القرن العشرين تأثرت بالأساس بطبيعة التغير السياسى فى المجتمع المصرى وطبيعة النخبة الحاكمة فيه وإيديولوجيتها، وإن كانت هناك عوامل وسيطة ساهمت فى حدة هذه التغيرات، زيادة ونقصانا، وهى تتمثل بالأساس بالإحتكاك الثقافى، والحراك الاجتماعى والطبقى داخل المجتمع المصرى، التحولات الإقليمية والعالمية من حوله.
وينصرف جهد هذه الدراسة إلى دراسة هذه الفترة التاريخية المهمة والفارقة في حياة المجتمع المصري والتي شهدت أكثر التغيرات جذرية في أقصر فترة في حياة هذا المجتمع، وهي المرحلة التي بدأت بثورة يوليو1952 وامتدت حتى بداية الألفية الثالثة، التي تؤرخ فعليا لسيادة عصر العولمة.
وتنقسم الفترة التى تتناولها الدراسة الراهنة من تاريخ المجتمع المصرى إلى ثلاث مراحل رئيسة؛ تبدأ أولاها بعد انتصاف القرن العشرين بسنتين وتحديدا تزامنا مع حركة الجيش فى الثالث والعشرين من يوليو 1952، وتمتد حتى نهاية الحقبة الناصرية فى سبتمبر 1970.
أما الفترة الثانية فتمتد ما بين عقدى السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، لتنتهى فعليا بتغير النظام العالمى القديم وتوجهاته وبزوغ آخر جديد، بسقوط الإتحاد السوفيتى على المستوى العالمى وغزو العراق للكويت على المستوى الإقليمى، وليبرز وبشدة فى الفترة الثالثة والتى تمتد عبر عقد التسعينيات وحتى نهاية القرن العشرين، أثر التغيرات العالمية على البنية الاجتماعية والثقافية للمجتمع المصرى، إذا صاحب هذه الفترة حركة العولمة بكل تياراتها الاقتصادية والثقافية، والتى ساهمت فى اجتياح جذور كثير من الثوابت الاجتماعية والثقافية فى كثير من دول العالم.
تساؤلات الدراسة:
- ما هي التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي مرت بالمجتمع المصري في النصف الثاني من القرن العشرين، وانعكاسات هذه التحولات على بنية ثقافة المجتمع المصري؟
- ما طبيعة التغيرات التى اعترت بنية الثقافة المصرية عبر هذه الفترة، ما هي أهم مظاهر التغير الثقافي في مصر، وماهى المشكلات التى برزت فى هذه الفترة، وما هي العناصر الثقافية الأكثر عرضة للتغير والأقل تغيرا، كذلك ما هي العناصر الأكثر ثباتا أو اقترابا من الثبات ضمن بنية الثقافة المصرية. وما هى المتغيرات المسئولة عن هذا التغير؟
- ماهية الدور المؤثر الذى أداه التغير السياسى والصفوة الحاكمة فى إحداث التغير الثقافى فى المجتمع المصرى فى النصف الثانى من القرن العشرين عبر ثلاثة نظم حاكمة؟
- ما هى آليات ومؤسسات التنشئة الثقافية الرئيسة والفاعلة فى المجتمع المصرى فى عقوده الأخيرة ؟ وما هى التغيرات التى طرأت على عملية التنشئة الثقافية للناشئة فى مصر فى العقود الخمسة الأخيرة من القرن العشرين وعلاقتها بالنظام السياسى فى البلاد، وهل هناك ثمة خلل أصاب هذه العملية؟ وماهى الأسباب التى أدت إلى ذلك؟
وتأتى الدراسة فى ستة فصول يسبقها مقدمة وتليها خاتمة، يتناول الفصل الأول قضية البحث والمفاهيم الأساسية، أما الفصل الثانى فيتناول التغير الثقافى على صعيد التراث السوسيولوجى والأنثروبولوجى، والباحث أميل لاعتبار الثقافة – كما ينظر إليها عديد العلماء- هى رؤية العالم أو حتى مرادفا لها، فدراسة الثقافة فى أى مجتمع هى فى آخر الأمر دراسة لموقف الإنسان لكل ما يحيط به. وهى دراسة لرؤيته لعالمه وكيف يتقاطع مع العوالم الأخرى ويتماس معها، وهى كذلك العقد الاجتماعى الذى يصوغ رؤانا حول أدوارنا وأدوار من حولنا، وكذا توقعاتنا حول السلوكيات والمعايير المقبولة مجتمعيا والتى تهدف فى النهاية لخلق تفاعل اجتماعى صحى يحفظ للمجتمع استمراريته وبقائه ونموه وتقدمه.
بينما يستعرض الفصل الثالث الإتجاهات النظرية المفسرة للتغير الثقافى، وهى النظرية الوظيفية وبخاصة لدى تالكوت بارسونز وروبرت ميرتون، والنظرية الماركسية، ونظرية الصفوة لدى فلفريدو باريتو، ومقولات نظرية ما بعد الحداثة وبخاصة لدى زيجمونت باومان فيما عرف بالحداثة السائلة أو المتدفقة، وأخيرا نظرية الثقافة لدى العالم العربى مالك بن نبى، فى حين يعرض الفصل الرابع للتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المؤثرة على بنية الثقافة فى المجتمع المصرى فى الفترة من 1952 حتى نهاية القرن العشرين، بينما يتناول الفصل الخامس أهم مشكلات وظواهر التغير الثقافى فى المجتمع المصرى والعوامل الرئيسية المحدثة لها، كما يرصد الفصل السادس التأثير المتبادل بين مؤسسات التنشئة والتغير الثقافى الحادث فى المجتمع المصرى، وتعرض الخاتمة لأبرز ما توصلت إليه الدراسة من نتائج فيما يخص تساؤلاتها وفروضها الرئيسية.
أبرز ما كشفت عنه الدراسة الراهنة:
يبدو واضحا فى السنوات الأخيرة أن تردى الأوضاع المجتمعية فى مصر يعود إلى أسباب عديدة تغور فى أعماق الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية وتغيرها وتطورها فى النصف الثانى من القرن العشرين، ويبدو أن من أهم هذه الأسباب العلاقة الخاطئة بين المستويين الثقافى والسياسى، أو القطيعة العميقة بين منظومتى التغيير فى كلا النسقين، وهو ما يشير إلى انعدام الرؤية البعيدة والشاملة للتغيير المجتمعى لدى النخب الحاكمة عبر تلك العقود الخمسة إذ أن سياساتهم كانت تستهدف التلمس الذاتى للأوضاع الاجتماعية المشكلة وحلولها، كذلك غياب الرؤية التقييمية للآثار المقصودة وغير المقصودة لتلك السياسات الاجتماعية غير الرشيدة فى جانب كبير منها.
ورغم الإقرار بأن كل إيديولوجية أو سياسة تتبناها النخب الحاكمة تسهم بالضرورة فى حدوث تحولات عامة اجتماعية واقتصادية وثقافية وتربوية، وبخاصة فى حال غياب التغذية المرتجعة لترشيد الآثار المترتبة على ذلك أو المقاومة والرفض من قبل المجتمع، نتيجة لتسلط هذه النخب عليه وقهرها له أو لغياب البنيات الثقافية الداعمة والممكنة له من هذه المقاومة، ووجود قيم وبنيات ثقافية تدعم الاستسلام وهو ما يمهد لغالب المجتمع قبول الخضوع والذل والمهادنة.
وفى الحالة المصرية، يرى الباحث، أن البنى الثقافية الداعمة للتفاعل الايجابى نحو تسلم زمام مبادرة التغير فى المجتمع هى الأكثر فاعلية إذا ما ترك لها حرية العمل والتطور والنمو دونما تدخل لصالح البنى السلبية من قبل النخب الحاكمة، والتى كانت جل مهمتها فى النصف الثانى من القرن العشرين دعم وتعزيز إعادة إنتاج مثل هذه الظروف والبنى الثقافية السلبية التى آرتاتها مساهما رئيسيا فى بقائها واستمرارها تحت دعاوى من الوطنية والحرص على صالح المجتمع.
وبتأمل حال ثقافة المجتمع المصري نلحظ أنها تفتقد تماسكها وقوتها، إلى جانب أنها تعاني من تآكل مناعتها الثقافية بفعل متغيرات عديدة، وقد نتج عن هذه الحالة أن ضعفت هذه الثقافة في القيام بدورها في ضبط التفاعل الإجتماعي، وفى توجية سلوكيات البشر في مختلف مجالات الواقع الاجتماعي. بعض هذه المتغيرات يرجع إلى موقف النظام السياسي من عملية تحديث المجتمع والثقافة، بينما يرجع بعضها الآخر إلى طبيعة التحولات الاجتماعية والقوى الفاعلة في إطاره، على حين يرجع بعضها الثالث إلى أوضاع القوى الاجتماعية وحالة الضعف والانهيار الذي أصاب الطبقة المتوسطة وأخلاقها، يضاف إلى ذلك الضعف الذي أصاب مؤسسات التنشئة الاجتماعية والتآكل الذي أصاب فاعليتها، وهي المتغيرات التي نعرض لها في الدراسة الراهنة.
وتكثفت الصورة القاتمة خلال العقد الأخير من القرن العشرين وما تلاه، إذ شهدت مصر عدة تحولات اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية وغيرها؛ تعيد المشهد المجتمعى إلى حد بعيد لما كان عليه مع انتصاف القرن العشرين وقبل قيام ثورة يوليو 1952؛ إذ تمثلت التحولات الاجتماعية فى حدوث تحولات فى النسق الطبقى، فتشرذم المجتمع إلى شريحة عليا تتمثل بفئة قليلة من رجال الأعمال (إقطاعيو النصف الأول من القرن العشرين مع اختلاف فى نسقهم القيمى ) وشرائح دنيا تمثل غالبية سكان مصر، فضلا عن تفكيك الطبقة الوسطى إلى شرائح اتجه بعضها إلى أعلى السلم الاجتماعى وأتجه أغلبها إلى الشرائح الدنيا، وظلت هناك شريحة متوسطة بحجم ضئيل فلا نستطيع القول وداعا للطبقة الوسطى، بقدر ما يمكن القول بأن أدوارها المعروفة فى المجتمع قد تراجعت، ولعل أهم هذه الأدوار من وجهة نظر دراستنا الراهنة كون هذه الطبقة هى الحاملة لنسق القيم ولثقافة المجتمع العفية السليمة وممرها إلى الأجيال التالية.
وتمثلت التحولات الثقافية والقيمية فى غلبة القيم الفردية والكسب السريع وطغيان المادة على حساب القيم الجماعية وعلى حساب تعزيز جهود الإصحاح والاستدامة. إذ ترسخت القيم الفردية بدلاً من القيم الجماعية وانتشرت القيم المادية التى أصبحت تعلى من قيمة الكسب السريع على حساب العمل المنتج، وأكدت قيم الثروة والنجاح الفردي السريع بدلاً من قيـم العمـل المنتج والثروة القومية والقيم الاجتماعية، وأكدت القيم الاستهلاكية بدلاً من القيم الإنتاجية.
ويكشف البحث عن العلاقة بين التغيرات والتحولات المجتمعية الحادثة فى المجتمع المصرى فى النصف الثانى من القرن العشرين وبين التغيرات الثقافية عن تأثير متبادل بين كلا الجانبين، وتشير بعض التوجهات النظرية إلى أسبقية تأثير جانب ما من جانبى هذه العلاقة. فكثير من الطروحات تشير إلى فعالية الثقافة فى إحداث التغيرات الجذرية فى البناء الاجتماعى وبخاصة فى الأنساق السياسية والاقتصادية، وهو ما يتماهى مع مقولة ماكس فيبر أن الأخلاق البروتستانتية هي الأساس الذي قامت عليه الروح الرأسمالية والتغير فى الأنساق الاقتصادية فى المجتمعات الغربية.
كذلك فإن هناك كثير من الطروحات النظرية التى ترى التغير الاقتصادى والسياسى هما بداية كل التحولات الثقافية والمجتمعية، وتنطلق الدراسة الراهنة على ما وضحنا سلفا من فرضية نظرية قريبة من ذلك، إذ ترى التغير السياسى والتغير الحادث فى بنية جماعات الصفوة والنخب الحاكمة هو ما أسهم ليس فقط فى حدوث التغير الثقافى بل هو الذى أدى إلى حدوث تلك الأزمة الثقافية التى يعيشها المجتمع المصرى منذ ما يزيد على نصف قرن. ويتساوى فى التأثير السلبى على بنية الثقافة إهمال توجيه التغير الثقافى فى الإتجاه الذى يخدم صالح المجتمع كله من قبل المؤسسات القائمة على أمر المجتمع مع التغيير السلبى المخطط سيئ النية فى إتجاه يخدم تكريس مصالح طبقة أو جماعة ما.
ولقد سعينا من خلال الدراسة الراهنة إلى التحقق من واقعية هذه التوجهات بالدلالات العملية من خلال استعراض محددات تشكيل دوافع ومسار عمليات التحول السياسي والمجتمعي وفي قلبها المحددات الثقافية وإشكاليات علاقتها بنظائرها السياسية.
ولقد حاول الباحث تحديد أهم العوامل والتحولات الهيكلية الاجتماعية الرئيسية ودورها فى تغير الثقافة المصرية مركزا على عاملين يراهما رئيسييين فى هذا الصدد وهما:
1- دور النظام السياسي في إضعاف بنية الثقافة ومنظومات القيم
الحالة الافتراضية التي نؤكد عليها فيما يتعلق بالعلاقة بين النظام السياسي والثقافة ومنظومات القيم تتمثل في أنه من الضروري أن تعمل الأنظمة السياسية على دعم ثقافة وقيم المجتمع، باعتبار أنه إذا كان المجتمع يشكل سياق هذه الأنظمة، فإنه من الضروري أن يكون متعافيا من أي اعتلال، خاصة فيما يتعلق بالثقافة والقيم.
2- تغير البناء الطبقى ودوره فى إضعاف الثقافة ومنظومات القيم:
وبخاصة تلك التغيرات الخاصة بالطبقة الوسطى حاملة الثقافة والقيم وناقلها إلى الأجيال التالية، وكيف أسهمت هذه التغيرات فى تدهور وتغير بنية الثقافة المصرية.
أما عن فعالية دور مؤسسات التنشئة الثقافية والاجتماعية فى التعامل مع التحولات المجتمعية، فقد ركزت الدراسة على مؤستتين رئيسيتين هما الأسرة والمدرسة، وتكشف الدراسة عن أنهما لم لم تعدا قادرتين على تنشئة أو تدريب الأبناء على المنظومة القيمية المقبولة مجتمعيا بسبب الانهيارات التى أصابتها من جوانب عديدة. وتؤكد الدراسة على أن مشروع تنشئة الأطفال ثقافيا، مشروع صعب ومعقد المستويات، لأنه يشترط وجود تنسيق أو تقسيم للمهام بين مختلف الفاعلين الاجتماعيين حتى يتحول الطفل إلى كائن اجتماعى فاعل.