Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
البناء الدرامى فى الشعر الجاهلى:
الناشر
جامعة عين شمس .
المؤلف
العجــــان ،أمجــــد لطفــــى .
هيئة الاعداد
مشرف / مصطفى عبدالشافى الشوري
مشرف / ،هــــدى عطيــــة
مشرف / مصطفى عبدالشافى الشوري
باحث / أمجــــد لطفــــى العجــــان
الموضوع
الشعر الجاهلى. البناء الدرامى. امرئ القيس.
تاريخ النشر
2012
عدد الصفحات
ص.: 217
اللغة
العربية
الدرجة
ماجستير
التخصص
الأدب والنظرية الأدبية
تاريخ الإجازة
1/1/2012
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية الآداب - اللغة العربية وآدابها
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 11

from 11

المستخلص

إن الدراما بمفهومها البسيط ، وهو ما يشبه حركة الحياة بمفهومها الواسع هو الدافع وراء هذه الدراسة ، فرأيت أشكالاً ومكنونات درامية داخل الشعر العربي القديم ، وهو ما سٌمي من قبل بـ (تداخل الأجناس الأدبية) .
ولما كانت الدراما تعني (الفعل) أو الجدل ، وهو ما يأتي عبر الأحداث والتجربة الإنسانية ، بم تشمله من آلام وأفراح يمر بها الأفراد أو الجماعات ، وإن كانت الدراما قديمة وكاملة المعالم في فن المسرح ، فإنها في فن الشعر مكثفة مضغوطة الحضور .
ولقد ظلت الدراما مرافقة للشعر العربي على مر العصور حتى العصر الحديث ، فنراه في القرن العشرين قد تطور تطوراً ملحوظاً نحو المنهج الدرامي ، وهذا لا يعني كتابة المسرحيات الشعرية (كمسرح شوقي) لأن المسرحية عمل درامي بالضرورة ، إنما المقصود هو تحول المسرح إلى مسرح فكر .
وحين بحثنا في القصيدة القديمة لشعراء أمثال (لبيد – امرؤ القيس – عنترة .. إلخ) رأينا معالم الدراما الشعرية واضحة ، فتظهر عناصر هذا البناء في داخل النص (المكان – الزمان – الحوار – الشخصيات – الحدث ...) وغيرها ،التي شكلت بناء النص القديم .
وبدراسة شعر امرئ القيس نموذجاً رأيت قصائد تمر بمراحل داخلية ، وكأنها مشاهد مسرحية ، فهي تبدأ بالطلل ، ورحلة الظعن وترك الأهل والأحباب ، فتقع المأساة كما وضّح معالمها أرسطو (( المأساة إذن هي محاكاة فعل نبيل تام ، لها طول معلوم ، بلغة مزودة بألوان التزيين تختلف وفقاً لاختلاف الأجزاء )) .
فمقدمة الرحيل التي تملأ الشعر العربي القديم ما هي إلا جزء من التعقيد الدرامي ، وحبك العمل الفني ، فهي ظاهرة واضحة فسرها الكثيرون ، ولكننا ننظر من حيث الواقع الدرامي لها ، فهي سر تحرّك الشاعر وتنقله خلال الأغراض الأخرى ، ومن خلال حجم تلك المقدمة نعرف مدى تأثر الشاعر بالطلل ، فهنا دافع درامي يحرك الأحداث ، وينقل الشخوص إلى مكان آخر ، فهي تمثل الخط الدرامي الأول للصراع داخل وخارج الشاعر ، وتحدد ملامح المكان مثل (موقع الطلل) ، (خدر عنيزة) ، وكذلك الزمان (ألا صباحاً) ، و(يوم دخلت الخدر) ، و (يوم على ظهر الكثيب) ... إلخ.
فالشاعر يرسم صورة كلية مكتملة الجوانب الفنية حتى نراه يهتم بالألوان الدرامية والتي لها بواعث نفسية وعلامات ودلالات كما في قوله (يوم – ليل – عرصات – بعر) .. إلى غير ذلك .
وفي إحصاء بسيط قمنا به لمعرفة مدى أهمية تلك المقدمة عند الجـاهليين ، رأيناها عند امرئ القيس تشمل 80% تقريباً من عدد الأبيات، وكأنه يهتم بها لأنه يرى فيها آثار مقاومة الزمان والفناء ، فيصارع من أجل عودة الحياة إليها ، حتى لو كان ذلك في بناء درامي من وحي خياله .
ولأن الحب كان يجري مجرى الدم عند القدماء فقد ظهرت معالمه وعلامته في تحركات الشاعر داخل القصيدة الجاهلية ، فسما بالمرأة ، وأبرز مكانتها ، فظهرت المرأة كدافع درامي ، وعنصر مساعد يُسّير الدراما في اتجاه المقاومة ، أو البذل والعطاء أو الاستعراض من أجل نيل محبتها .
وإذا كان شاعرنا مفتوناً بالنساء ، فنرى الوجود الأنثوي حاضراً باستمرار بأشكال تمتلئ بالمقاومة والصراع ، فهي المتمنعة ، أو المحبة الطائعة ، وكثير من الأحيان نرى المقاومة تأتي من الظروف القبلية التي عاشها وتحترم قدسية المرأة ، فظهر الشاعر مقاوماً لتلك التقاليد باحثاً عن المتاعب التي تنشأ معها الحركة الانفعالية التي تبني الأحداث .
وفي دراسة إحصائية وجدنا قصائد الشعراء قديماً تبدأ معظمها بالطلل ثم المرأة ثم الحديث عن الحيوان ، ولم نرى اختلافاً كبيراً إلا عند عمرو بن كلثوم الذي بدأ بالمرأة ثم خلفها بالطلل البائد ، وظهرت المرأة حتى في الأبيات الطللية ، فهي تمثل الانتقال الحيوي داخل الأبيات ، ورأينا في تلك الدراسة أن اللوحات في معلقة امرئ القيس تتراسل وتتدفق مع بعضها البعض أحياناً ، وقد نرى تضاداً واختلافاً بين بعضها مما يضفي صراعاً واضحاً ، وتشابك بين تلك اللوحات ، يدفع الشاعر للانفصال والانفعال باتجاه آخر كنوع من الهروب .
وُتَظهر لوحات الغزل حواراً درامياً واضحاً ، بين الشاعر ونفسه أحياناً، وبين الشاعر ومحبوبته أو معارضيه أحيانا أخرى .
والحدث الذي هو في التعريف الدرامي محاكاة لأمر في الواقع ، فالشاعر يصنع الأحداث ، أو بالأحرى يعيد صياغتها من خلال شعره ، فهو الثائر الغاضب على الواقع ، فمسئوليته عن قتال وحرب لم يكن سبباً لها، جعله دائم الحركة ليس في الواقع فقط من أجل ثأره ، بل في الأحداث الشعرية أيضاً التي يحيكها هرباً من هذا الواقع المؤلم ، فيظهر البطل المغوار في أبيات تملأها الحركة والبطولة والفروسية ، أو نسمع صوتاً مستعرضاً بإمكاناته وشجاعته حيناً آخر ، فتظهر قدراته وسط هذا المجتمع الحربي، الذي لا حياة فيه إلا للفرسان الشجعان .
وبالنظر في قصائده نراه في صراع داخلي دائم من أجل ثأره والنيل من أعدائه ، أو يصارع ويتحرك واصفاً معاركه وقدرته فيها ، فهو صدام للوصول للغاية السامية آنذاك .
فكان المشهد الحربي هو المسيطر على الشعر القديم ونراه عند شاعرنا يمتلئ بألوان الدراما ، فنرى الصورة ووصف المعارك ، ونسمع الصوت في حركة الأشخاص أو السيوف والآلات الحربية ، ونرى الشخوص المتناحرة ، وتشهد موقع المعركة وكأنها ساحة مسرح كبير .
ولعل ما سبق الحديث عنه ، دفعنا للبحث عن السبب الرئيس ، والدافع القوي ،الذي غمر هذا الشعر بالحركة والانتقال و الحيوية ، فكان وراء كل غرض ، أو حالة شعرية بالأحرى هو (الموت) ، فحين أحس الجاهلي بالغربة والخوف من الموت ، كان ينطلق ويترك لنفسه وخياله العنان ، فظهرت شجاعته ومعاركه ، لأن الحياة الوضيعة لا تساوي الموت مع شرف الشجاعة.
وعرف الكرم والجود لأن ليس هناك حياة أخرى ينقل فيها أمواله ، فقط إنه يترك سمعه وتاريخ في شعر يتحدث عنه ، ولذلك فالشاعر ينتقل من الموت أمام الطلل البائد إلى الحياة للبحث عن دافع لها من خلال المرأة ثم يشعر بالآلام تلاحقه من خلال لوحة (الليل) ،التي تملأه بالمشاعر الخانقة التي تذكره بالثبات الدائم والموت ، فيهرب على فرسه إلى حياة منطلقة بلا نهاية ، لكنه يصطدم بأن الموت نهاية كل حيّ ، فيغرق العالم كله من خلال المطر والسيل ، وينشئ عالمًا جديدًا من وحي خياله ، كل ذلك في حركة درامية لا ينقصها شيء .
ونرصد للشاعر الصراع الدائم الذي يخيطه ويحبكه بين عناصر القص المختلفة ، فهذا صراع من أجل الحياة والبقاء أمام الطلل ، وصراع آخر للوصول للمحبوبة ، أو من أجل المرأة بوجه عام ، وصراع مع الفرس من أجل إثبات الذات والبطولة ، أو من أجل البقاء حياً حين يُدمر الكون في نهاية المعلقة ، ولكننا نرى صراعاً داخلياً دائماً ، فهو متشابك داخل نفسه مؤثر في أغراضه ، فهو صراع يمثل العمود الفقري في البناء الدرامي، ويمثل تشابك الأفكار والمواقف ، واختلاف الرؤى لشخصيات العمل الفني .
وقد يكون الصراع نوعاً من الإحالة على غيره ، فهو يُنشئ صراعاً بين الحيوانات لينتصر فرسه ، وكأنه يرسم صورة لنفسه في معاركه الحقيقية، أو صراعاً مع فرسه الأسطوري ليرسم قدرات لا متناهية أمام أعدائه ، وهو بذلك يتحكم في صراعه فينتقل بين درجات الصراع المختلفة ، وإن ظهر منها بقوة صراعه الساكن (أمام الطلل) أو (الواثب) في الوصول للمرأة ، ويكون مرهصاً حين يدمر الكون ، ويتدرج به داخل القصيدة ليسمح بمرور الشكل الدرامي المقبول للعقل ، فيسهل التفسير ، فهو شاعر وفنان وأديب يحرك بعصاته أدواته فترسم شكلاً درامياً له مكوناته الأساسية والتي يقويها هذا الصراع .
وتحتل الشخصية مكانة كبيرة عند امرئ القيس ، فهو يعتني ببناء الشخصية ، ويرسم معالمها تدريجياً فتظهر واضحة ، فمنها الرئيسة وهي التي تعبر عن الشاعر طوال فترة القص ، وهناك المرأة التي يحاورها ، ويصارع من أجل الوصول لقلبها أو نيل وتر منها ، وهناك الشخصيات الثانوية مثل (الصاحب) أو (المرأة) التي تعطيه لذة الحياة ، وقد تكون (الحبيبة) التي تظهر على فترات داخل الأبيات .
وتظهر (المعارضة) من خلال الشخصية التي تمثل المقاومة من أجل الوصول للمحبوبة ، أو المرأة المطلوبة .
ولكن الشاعر لم ينس الحيوان ، فجعل له شخصية درامية يرسمها بدقة ، فنراه يصارع ويدافع من أجل الحياة .
ورسم الشاعر للشخوص أبعاداً فجعلها مقنعة وحيوية وفعالة ، بها معالم الصراع جليـة ، تتطـور بتطور تلك الشخصيات ، فالبعد الجسمي (الفسيولوجي) هو العنصر المادي الي رسم به شخوصه ووضح معالمها فجعلنا نراها رؤى العين ، ورسم بُعدها الاجتماعي (السوسيولوجي) كوسيلة للإقناع بتلك الشخصية ، فهي ترسم ما هو محدد لها داخل طوق اجتماعي هي جزء منه ، أو تراه يوضح معالمها السيكولوجية ، فتظهر ميول تلك الشخصية واضحة فتوضح سبب تصرفها داخل المنظومة الاجتماعية التي صاغها المؤلف من الواقع أو من وحي خياله .
وأتم الشاعر بناء الشخصية داخل العمل الفني من خلال حوار يتحدث فيه الشاعر عن تلك الشخصية ودورها وأفعالها ، أو يوضح ذلك من خلال حديث الآخرين عنها ، أو من خلال سلوكها وأفعالها يرسم لنا نهج الشخصية فيكتمل بناؤها وتظهر معالمها .
واهتم في بناء تلك الشخصيات بالحوار بينها مرة أو بالحوار الداخلي (المونولوج) مرة أخرى ، فظهر الحوار المباشر بين تلك الشخصيات في (قال – يقول – قالت ...) ، أو نراه يُحدث الطبيعة أو صاحباً وهمياً ، فيظهر الحوارباعتباره جزءاً من البناء الدرامي ومحوراً له ، فيطور الصراع والحبكة الدرامية داخل النص ، وتكون أداة ينتقل بها بين الأحداث المختلفة ، أو يظهر ملامح الشخوص من خلال الحوار ، وقد يبني الحدث ويقيمه على معالم حوارية واضحة ، ويحدد من خلال ذلك المكان والزمان أيضاً .
وفي النهاية نرى مدى التشابك بين عناصر الدراما داخل شعر امرئ القيس ، بل ونرى تشابكاً بين الشعر والدراما بأركانها الثابتة ، فنتحرك بين الأشكال الأدبية المختلفة بحرية حيث لا نرى فاصلاً ، فالأدب هو مجرى نهر كبير تصب فيه فروع من الأجناس الأدبية المختلفة .