Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
البنية الاجتماعية وإنتاج المعرفة
المؤلف
محمد بحري,أحمد
هيئة الاعداد
باحث / أحمد محمد بحري
مشرف / عبدالباسط محمد عبدالمعطي
مشرف / فوزي عبد الرحمن إسماعيل
الموضوع
التكوين المعرفي لعبدالرحمن الكواكبي.
تاريخ النشر
2010.
عدد الصفحات
202.p؛
اللغة
العربية
الدرجة
ماجستير
التخصص
علم الاجتماع والعلوم السياسية
تاريخ الإجازة
1/1/2010
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية البنات - علم الاجتماع
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 202

from 202

المستخلص

فلقد حاول البحث استطلاع علاقة البنية الاجتماعية بإنتاج المعرفة من خلال مفهوم التنوير و الإصلاح في زمن الكواكبي وغاية ذلك معرفة الشروط الاجتماعية لإنتاج المعرفة ، مع الأخذ بعين الاعتبار الفروق بين الواقع و الأمس في ما يتعلق بالبنية الاجتماعية و تحولاتها على مدار أكثر من مائة عام على رحيل الكواكبي .
و لأن هدف البحث كان تحديد الشروط الاجتماعية لإنتاج المعرفة، من خلال تحليل خطاب الكواكبي في كتابه ” طبائع الاستبداد و مصارع الاستعباد ” كان لا بدَّ أن يقودنا ذلك المسعى إلى نظرية اجتماعية ترتكز على مقدمات منطقية تغطي إشكالية البحث، و كانت هذه النظرية هي النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت من خلال مفاهيمها ومقولاتها التي طرحتها و ناقشت من خلالها نتائج التنوير الغربي .
لقد أكدت مدرسة فرانكفورت بمختلف اتجاهاتها على ضرورة نقد المجتمع القائم على التسلط للانتقال بالوعي الاجتماعي من حالة الوعي الزائف إلى الوعي الحقيقي بالواقع من خلال نقد السيطرة ونقد فلسفة الإجبار والهيمنة وذلك خلافاً للاتجاهات المحافظة في علم الاجتماع.فمفهوم العقل الأداتي مثلاً عند مدرسة فرانكفورت كان بمثابة الوسيلة التي يمكن من خلالها تحليل إنتاج المعرفة في المجتمع الرأسمالي، والنظر إليها كأداة ووسيلة لتحقيق غايات ترتبط بمصالح الطبقة المسيطرة في المجتمع الرأسمالي، ومكن أيضاًَ من رؤية كيفية هيمنة البشر على بعضهم البعض، وهذه النظرة لخصت الجزء الأساسي للنقد الموجه ضد الوضعية الممثل الأبرز للاتجاهات المحافظة في علم الاجتماع و التي تقدم التبريرات العلمية لدوام استقرار المجتمع بمكوناته الراهنة .
الأمر ذاته ينطبق على مفهوم العقلانية التواصلية والتي هي وسيلة للكشف عن التشويه الذي تقوم به البنية الاجتماعية لعملية التفاعل وخداع وتضليل الناس بشكل منظم في المرحلة الرأسمالية المتقدمة _ هذا المفهوم يلغي مفهوم التواصل القائم على العمل عند ماركس _و لطالما أن عقلانية المجتمع الرأسمالي والتي هي عقلانية التقنية تمثل بنفس الوقت عقلانية السيطرة ذاتها،الأمر الذي شوه عملية التواصل بين البشر. لذا كان لابد من نقد العقل التنويري كنقد للعقل بكليته من خلال محاكمة الواقع الاجتماعي ذاته وإدانته وليست تفسير ما يجري فقط عن طريق نقد الأسس الفكرية؛ المعرفية والأنطولوجية والإيديولوجية التي يستند إليها الواقع القائم على التسلط، من أجل تحرير الإنسان من الهيمنة والرقابة و التي تبدو في علاقة المعرفة بالسلطة في النظام الرأسمالي المتقدم .
و مدرسة فرانكفورت بمفاهيمها و أدواتها مثل مفهوم العقل الأداتي و صناعة الثقافة و الحاجة إلى إصلاح المجتمع الغربي لإعادة إنتاج قيم التنوير لكي يتم تجاوز أزمة صناعة الثقافة التي تفرضها النظم الشمولية من خلال وسائل الإعلام الجماهيري ، مكنت الباحث من الإقرار بوجود أزمة في البنية الاجتماعية بعلاقتها بالمعرفة في المجتمعات العربية و أبرزت ضرورة التنوير و ضرورة الإصلاح الشامل كحل لمجمل مشاكل البنية الاجتماعية في علاقتها بإنتاج المعرفة .
إن المعرفة التي نقصدها ليست علماً و ليست فناً أو غير ذلك ، أنها مركب كلي ينتج عن جماع كل أجزائها.وبما أن إنتاج المعرفة يعتمد على البنية الاجتماعية، لذا فإن منطق إنتاج المعرفة يرتبط بوجود شروط اجتماعية تدعم هذا المنطق و تؤكد عليه . و بعبارة أخرى يرتبط منطق إنتاج المعرفة باحترام الحقوق و المساواة والعدالة الاجتماعية كشروط اجتماعية لإنتاج المعرفة.فإذا كان إنتاج المعرفة يرتبط بالقدرة على نشرها داخل المجتمع، فإن ذلك يبدو مستحيلاً بدون وجود نظام للحريات يكفل ذلك، ومن ضمن هذه الطائفة من الحريات؛ نجد حرية الإنسان في الاختيار بين مختلف البدائل لاكتساب أو إنتاج المعرفة.
في الفصل الثاني من البحث تبين أن العلاقات الاقتصادية و الاجتماعية في زمن الكواكبي كانت قائمة على الاستغلال الاجتماعي في ظل الاستبداد وأنتجت تلك الظروف بعض المعارف الدينية والتي تؤدي غرضها الأساسي في دعم الواقع القائم وذلك بفعل صناعة الثقافة من قبل نظام الاستبداد بشكل يكون الدين كمجموعة طقوس كل مظاهرها . لكن التحولات الاجتماعية –الاقتصادية في المجتمع و التي نتجت عن ولادة عناصر النمط الطبقي البرجوازي ، أدت إلى ولادة فكر التنوير القائم على فكرة الإصلاح و تصحيح الوعي ونشر قيم المساواة و الحرية و العدالة الاجتماعية و التي تمثل ذاتها الشروط الاجتماعية لإنتاج المعرفة .
لقد توصلت الرسالة من خلال تحليل خطاب الكواكبي ،بأنه ليس ثمة فروق كبيرة بين النسق الفكري التنويري عند مدرسة فرانكفورت و النسق الفكري التنويري عند الكواكبي، فتبين اشتمال خطاب الكواكبي على عنصر النقد الموجه ضد الاستبداد و نتائجه، وتبين اشتماله أيضاً على فكرة الإصلاح الشامل التي تهدف أساساً رفع الظلم وإعلاء قيمة الحرية و إنهاء التخلف في واقع اجتماعي ساد خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر في البلدان العربية .
تبين من البحث إصرار الكواكبي على عدم جواز التميز بين المواطنين لأي سبب من الأسباب و أصر على سيادة القانون و المساواة أمامه . ومن أجل هذه الغاية طالب الكواكبي بالإصلاح السياسي الذي ينهي الاستبداد و مؤسساته ، لكنه وجد أن تحقيق هذه الغاية لابد أن يسبقها إصلاح ديني لأنه أعتبر ذلك أقرب السبل إلى الإصلاح السياسي ، فالإصلاح الديني عند الكواكبي يتطلب إشاعة مفاهيم العدل والمساواة وبناء الإسلامي الوسطي منعاً للتطرف والتشدد. كما ربط هذا الإصلاح بإصلاح التعليم وبناء منظومة معارف علمية وتعميمها اجتماعيا كسبيل للقضاء على الاستبداد وبالتالي قيامة المجتمع من جديد و نهضته من خلف أسوار الاستبداد و سلطة مؤسساته .
ومن خلال تحليل خطاب الكواكبي أيضاً تم تحديد الشروط الاجتماعية لإنتاج المعرفة في الواقع العربي المعاصر و التي تظهر كنتاج لعملية الإصلاح كما ذكرنا سابقاً، الأمر الذي تتأكد فيه مشروعية الإصلاح الشامل و ضرورته ، لأن بقاء المجتمع بدون عملية إصلاح شاملة علامة على محدودية إنتاج المعرفة، فالبشر ينتجون وعيهم في معطى اجتماعي –اقتصادي ما _مقولة أكدت عليها مدرسة فرانكفورت _ لذا فإن جهد الإنسان في اكتساب المعرفة و إنتاجها لكشف الحقائق الكامنة في الطبيعة و المجتمع مرتبط أساساً بظروف مجتمعه .
أكد البحث على ارتباط الإصلاح بطبيعة وضرورات الواقع الاجتماعي ذاته ، الذي هو كل متصل في مكوناته ، فإصلاح التعليم مثلاً يتطلب إصلاحاً لمشاكل التعليم الناجمة عن مكونات البنية الاجتماعية الأخرى الذي يتشكل بها ومن ثم يؤثر بها ضمن العلاقة الجدلية التي تربط بين مختلف أجزاء البنية الاجتماعية وبالتالي يرتبط بعمليات الإصلاح الأخرى.
كما أن تأويل خطاب الكواكبي مكن البحث من تحديد مفردات الإصلاح الشامل_ لم يتطرق البحث إلى مسألة الإصلاح الاقتصادي وإن تم الإشارة إليها في أكثر من مكان _ و التي نوجزها بمايلي :
أولاً : الإصلاح الديني :
تزامن الدين كشكل من أشكال الوعي الاجتماعي المتكون تبعاً لظروف المجتمع و تجاربه مع أشكال محددة للإنتاج الاجتماعي-الاقتصادي . لكن التطور التاريخي اللاحق للحضارة الغربية ، أوقوع الدين بين مطرقة الفلسفة و سندان العلم الذي تزعم في القرون الحديثة منظومة المعرفة المتعددة الأشكال و المختلفة الألوان نتيجة تحولات في البينة الاجتماعية – الاقتصادية للمجتمعات الغربية ، الآمر الذي أدى قيام حركة إصلاح ديني ، كان من نتائجها بينة اجتماعية تنتج المعرفة من ناحية ، و تؤثر فيها المعرفة من ناحية أخرى . لكن طلب الكواكبي لعملية الإصلاح الديني ، كان نتيجة ارتباط الدين بمؤسسة الاستبداد و تبريره لتصرفاتها.فإذا كان الدين يتكون أساساً من شقين :
1-الشق الأول طقوسي يستهدف عبادة الله لكسب رضاه و هذا الجانب لا يستهدفه الإصلاح .
2-الشق الثاني اعتقادي يكون الدين من خلاله أدواته في المعرفة و الكشف و الفهم و الوصول إلى الحقيقة التي تحكم الطبيعة و الإنسان، على سبيل المثال ( كيفية خلق العالم و إجابته عن التساؤلات المحيرة، مثل يسألونك عن الروح ؟ يسألونك عن الساعة ؟ تكون مهمة الإصلاح هنا تحييد الدين تجاه أنماط المعرفة الأخرى ومنها العلم ، مثال ذلك : فتوى رجل دين سعودي قبل أربع سنوات بكفر كل من يقول بثابت الشمس ودوران الأرض حولها. وتكون غاية الإصلاح في هذا المجال طلاق بائن بين المعرفة الدينية و العلمية من ناحية ،ومن ناحية أخرى، يمثل بقاء التفكير الديني بشكله الإقصائي و الإلغائي عقبة أساسية أمام الإصلاح الشامل ،لأن هذا النوع من التفكير ينتج التطرف الذي يفرض إلغاء كل حقيقة خارجة عنه ،لذا فإن إصلاحه يعني العودة به إلى صحيح روحه ومراعاته لمصالح الناس جميعاً منعاً لتحجره ومن أن يكون أداتاً يستخدمها رجال الدين في تحقيق غايتهم فقط في مجتمعاتنا العربية و التي تقوم أساساً على التعدد المذهبي والديني ، وهنا تكون غاية الإصلاح جعل الدين جزءاً من مكونات الوعي الاجتماعي و ليس الحاكم عليه.